وبدراسة هذه التقارير خلال الشهرين الأخيرين فقط، يمكن استخلاص مجموعة من الاستنتاجات البادية للعيان، فزيادة عن استغلال الجماعات الإرهابية نظام وقف إطلاق النار الذي فرضه اتفاق سوتشي والمتضمن إقامة منطقة منزوعة السلاح في محيط إدلب، يمكن ملاحظة إصرار تنظيمي جبهة النصرة و"الخوذ البيضاء" على إقامة شبكة من المستودعات الصغيرة للمواد الكيميائية تتوزع على الشريط الجغرافي داخل المنطقة "منزوعة السلاح" بما يحفظ لهما المتطلبات اللوجستية لافتعال استفزازات سريعة تحت الطلب بالمواد الكيميائية السامة عند اشتعال أية جبهة من جبهات أرياف حلب وحماة وإدلب مع الجيش السوري، تمهيدا لاتهامه بشن هجمات كيميائية تستدعي التدخل الغربي الذي يتقن تصنيع مبرراته لشن ضربات ضد سوريا.
كما يمكن ملاحظة أن عمليات شحن المواد الكيميائية إلى مناطق عدة، منزوعة السلاح، باتت أقل مداراة على المستوى الأمني، وهذا الأمر قد يكون مقصودا تماما لتمرير رسالة إلى صندوق بريد الجيش السوري وحلفائه فحواها الاستعداد التام من قبل تنظيمي "النصرة والخوذ البيضاء" للقيام باستفزازات كيميائية حال قيامه بشن أي هجوم على مواقع التنظيمات الإرهابية، وهو ما تعتقد تلك التنظيمات بأنه كاف لحثّ الجيش السوري على التفكير مليا قبل الهجوم، فوفق التجارب السابقة كانت تلك الاستفزازات كافية لتقديم الذريعة لوقف عملياته العسكرية ولو مرحليا استعدادا لتلقي ضربات "التحالف الأمريكي" بعدما أضحت الاستفزازات الكيميائية بمثابة "مسمار جحا" الذي يتيح له استهداف الجيش السوري للتخفيف من اندفاع عملياته.
وهذه الاستنتاجات تنسجم بالفعل مع اعتقاد بعض أجهزة المخابرات الأجنبية بأن الاستفزازات الكيميائية ستوفر الحماية "الدولية" لتنظيمات الإرهابيين الأجانب الذين تم توطينهم في أرياف إدلب خلال السنوات السابقة، من التركستان والإيغور والشيشانيين والأتراك والعرب، الذين يدينون بالولاء للقومية التركية، والذين لا مكان لهم في مستقبل إدلب، ولا تشملهم أية تسوية سياسية تنتهي ببسط الدولة السورية سيطرتها على المحافظة.
وبحسب التقارير المذكورة، فإن هيئة تحرير الشام الواجهة الحالية لتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي (المحظور في روسيا) بالاشتراك مع الفصائل الموالية لها، ومع تنظيم الخوذ البيضاء، نشرت عبوات الكلور والسارين على جبهات المنطقة منزوعة السلاح في ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي، وفي ريف إدلب الشمالي الشرقي عند الحدود الإدارية مع محافظة حلب، وفي ريف اللاذقية الشمالي الشرقي، من خلال تسليمها هذا السلاح لتنظيمات داعش و"فرخه" أنصار التوحيد، والحزب الإسلامي التركستاني، ولواء صقور الغاب، وغيرها.
كما تشير التقارير إلى أن كميات من غاز الكلور يتم إنتاجها محليا في المحافظة بتقنيات غربية وتحت إشراف خبراء أجانب، بريطانيين وشيشانيين وأتراك، ويدعم ذلك تقارير سابقة نشرتها وزارة الخارجية الروسية عن استخدام الإرهابيين لتقنيات غربية لإنتاج المواد السامة.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" عن مصادر مطلعة في محافظة إدلب بتاريخ 22 سبتمبر أيلول الماضي تأكيدها أن هيئة تحرير الشام سلمت ست عبوات تحوي غاز السارين وغاز الكلور لمسلحي تنظيمي داعش و"أنصار التوحيد"، اللذين انتشرا مؤخرا في بعض مناطق ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشمالي الشرقي، وهي مناطق تدخل ضمن تصنيف (المنطقة منزوعة السلاح).
وأشارت المصادر إلى أن ثلاث عبوات مماثلة اختفت بعد مقتل عناصر من تنظيم الخوذ البيضاء كانوا ينقلونها لتسليمها إلى جهة غير معروفة في الريف الشمالي الشرقي لإدلب عند الحدود الادارية مع محافظة حلب.
ونشرت "سبوتنيك" بتاريخ 29 سبتمبر أيلول معلومات عن سرقة عدد من العبوات التي تحتوي على غاز الكلور وغاز السارين من قبل "مسلحين مجهولين" من أحد مستودعات "جبهة النصرة" الإرهابي (المحظور في روسيا) في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، بعد قتل 4 من حراس المستودع.
وبتاريخ 10 أكتوبر تشرين الأول الماضي، أعلن مركز المصالحة الروسي، في بيان له، أن إرهابيي "داعش" هاجموا مقرا لـ"جبهة النصرة" في مدينة اللطامنة السورية، وقتلوا اثنين من "الخوذ البيضاء"، واستولوا على أسطوانتين من الكلور، تم نقلها إلى جنوب محافظة حلب.
وبعد الحادث، قامت وزارة الدفاع الروسية بنشر شريط مصور، يظهر سرقة أسطوانات الكلور من قبل المسلحين.
وبحسب تقرير نشرته "سبوتنيك" بتاريخ 19 أكتوبر تشرين الأول، فقد لقي 11 شخصا، بينهم خبراء بريطانيون وشيشانيون وأتراك مصرعهم بانفجار ضخم في بلدة ترمانين شمال إدلب وقع في معمل يحوي كميات كبيرة من الأسمدة والمتفجرات وبراميل الكلور السائل.
وفي الـ20 من الشهر الماضي، نقلت "سبوتنيك" عن مصادر مطلعة في محافظة إدلب أن مسلحي هيئة تحرير الشام قاموا بنقل 6 أسطوانات من غاز الكلور وغاز السارين بواسطة شاحنة تبريد من بلدة معرة مصرين إلى منطقة جسر الشغور، وذلك بإشراف عناصر من تنظيم "الخوذ البيضاء" ومعهم عدد كبير من المسلحين الصينيين (التركستان).
وأفادت قناة "الميادين" اللبنانية بتاريخ 26 أكتوبر تشرين الأول الماضي، نقلا عن مصادرها في مدينة جسر الشغور بريف إدلب، أن إرهابيين نقلوا بمشاركة عناصر من الخوذ البيضاء، مواد سامة من المدينة إلى خربة عامود في ريف إدلب السورية.
ونقلت إدارة المعلومات والاتصالات بوزارة الدفاع الروسية عن رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا الفريق فلاديمير سافتشينكو، إعلانه بتاريخ 29 أكتوبر تشرين الأول، أن العشرات من أعضاء "الخوذ البيضاء" وصلوا للتحضير للاستفزاز بالأسلحة الكيميائية في محافظة حلب، مشيرا إلى أن تشكيلات الجماعات المسلحة غير الشرعية لا تتخلى عن محاولاتها الرامية إلى زعزعة استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وقد تلقى مركز المصالحة معلومات من السكان حول التحضير لاستفزاز باستخدام المواد السامة لتوجيه الاتهام إلى القوات الحكومية باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد السكان المحليين.
وذكرت وكالة "سبوتنيك" في اليوم نفسه أن مسلحي تنظيم "جيش العزة" الموالي لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي قاموا بنقل أسطوانتين من غاز الكلور وغاز السارين من منطقة اللطامنة إلى منطقة قلعة المضيق شمال غربي حماة، حيث تم تسليم هاتين الأسطوانتين إلى مسلحي تنظيم "أنصار التوحيد" الموالي لتنظيم داعش الإرهابي، الذين سهلت هيئة تحرير الشام في الآونة الأخيرة عبورهم من مناطق ريف إدلب الى ريف حماة الشمالي.
وفي نهاية شهر أكتوبر تشرين الأول، أعلنت الخارجية الروسية ببيان، أنه "لا تزال بعض جماعات الإرهابيين والمتطرفين في إدلب تحاول تنفيذ استفزازات واسعة النطاق باستخدام الأسلحة الكيميائية والمواد السامة، وينضم نشطاء من منظمة "الخوذ البيضاء" الإنسانية الزائفة والمشؤومة، المتخصصة في تصوير أحداث [تحاكي شن هجمات كيميائية] بسهولة إلى مثل هذه الجهود".
وذكرت مصادر مقربة من قياديين في جماعات مسلحة تنشط بمحافظة إدلب في الثامن من الشهر الجاري لوكالة "سبوتنيك" أن مسلحي "هيئة تحرير الشام" قاموا بالاشترك مع مسلحي "الحزب الإسلامي التركستاني" بنقل أربع أسطوانات من غاز الكلور، كانت مخزنة بأحد مستودعات "النصرة" في محيط مشفى جسر الشغور، باتجاه بلدتي الزيارة والمنصورة بمنطقة سهل الغاب شمال غربي حماة، المصنفة ضمن المنطقة منزوعة السلاح، حيث تم تسليم العبوات المذكورة لمسلحين يتبعون لتنظيمي "الحزب الإسلامي التركستاني" و"لواء صقور الغاب" الإرهابيين.