والحاضر يقول إن هناك احتياطيات هائلة من الغاز، اكتشفت في قاع شرق البحر المتوسط، الذي تطل عليه دول كل من تركيا ولبنان وسوريا وإسرائيل ومصر واليونان وقبرص، وسط تداخل الحدود البحرية بينها، وتوسع واحدة على حساب الأخرى.
وإذا كان التنافس الاستعماري على الثروات النفطية ينحصر بين الدول الكبرى، فاليوم وفي ظل اقتصاد السوق، ترى الشركات العالمية صاحبة الثروات التي تضاهي ثروات الدول، هي الأخرى تدخل ميدان التنافس، وإن كانت تقف خلف دول باحثة عن النفوذ والسيطرة، وهو موضوع يزيد من تعقيد الصراع الغازي، قياسا بمثيله النفطي.
لذا فإن على الدول التي تتنازع للسيطرة على أكبر قدر ممكن من مياه البحر، أن تقرأ التجربة العظيمة، التي مرت بها دول الشرق الأوسط، حيث نفس تجربة الاستكشافات هذه، التي أدت إلى ظهور النفط كمادة سال لها لعاب الدول الكبرى، أدت كذلك إلى مجيء بريطانيا وفرنسا إلى المنطقة، بعد انسحاب روسيا بسبب ثورتها البلشفية، مخلية بذلك الساحة لهاتين الدولتين، تتقاسمان الثروات فيما بينهما بطريقة أو بأخرى.
وهذه التجربة التاريخية للدول النفطية المطلة على الخليج العربي، قد تكون خير معين لدول البحر المتوسط في قضية الاستفادة من ثروة الغاز، لا لغرض الحصول عليها فقط. فهناك فرق بين أن تملك الشيء، وبين أن تملكه وتستفيد منه. بمعنى آخر، أن دول الخليج استطاعت الاستفادة من ثروتها النفطية قدر الإمكان، وبنت مدنها على احدث طراز، بسبب نجاحها بالتفاوض مع الدول الكبرى وشركاتها، الطامعة بتلك الثروات.
الصراع يحتدم في الشرق الأوسط بسبب هذه الثروة الجديدة، والتي سوف تكون عماد الطاقة في المستقبل، فإسرائيل تسابق الزمن من أجل وضع اليد على الحقول المكتشفة، والسيطرة كذلك على ممر الطاقة عبر قبرص. واستطاعت لحد الآن أن تسوي الأمر مع مصر واليونان، وستبدأ بتصدير الغاز، لتبقي لبنان في تنازع معها حول مسألة المياه الإقليمية، في وقت تعصف بلبنان الخلافات السياسية، بينما إسرائيل تقطع أشواطا في عمليتي الاستخراج والتصدير.
أما تركيا، فسوف تكون غارقة في صراعها مع اليونان حول قبرص من جهة، وحول المياه الإقليمية بين قبرص واليونان ومصر من جهة أخرى، وقد تكون مصر استخدمت سياستها الناعمة مع إسرائيل وقبرص واليونان، لتستريح القاهرة من مشاكل المستقبل بين هذا لك وذاك لي، وهي طريقة قد تكون مناسبة لظروف مصر الراهنة.
وإذا أفلس الاتحاد السوفيتي من كعكة الطاقة في الشرق الأوسط، فإن اليوم روسيا ستكون أحد أهم محاور الصراع على المنطقة. فتمركز روسيا على الساحل السوري له أبعاده الاستراتيجية، وهو نقطة المرتكز في دائرة التنافس على المنطقة.
الولايات المتحدة من جانبها، ستكون مايسترو الشركات المستثمرة، ومسيطرة على المعابر في الوقت ذاته، فهي مهمة اقتصادية أوكلت إلى الرئيس ترامب، وقد تكون أحد أهم أسباب توليه إدارة البيت الأبيض، فالرجل ذو عقل اقتصادي بحت، وسيكون أمل الشركات الأمريكية في الاستحواذ على أكبر قدر ممكن من الاستثمارات.
كما أن الصراعات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين، سوف تجهض أي محاولة للاستفادة من ثروات البلد، إضافة إلى بقاء التوتر في علاقة لبنان مع إسرائيل، مع عدم قدرته على المواجهة العسكرية، لينضم لبنان إلى معسكر التنازع دون الاستفادة من الثروة الغازية.
ويبقى الموضوع الأهم في كل ذلك، هو ما يجري في سوريا، والتي من خلالها سوف تتحدد الاستراتيجية المستقبلية لغاز الشرق الأوسط، عبر التسوية المنتظرة بين اللاعبين الدوليين على الميدان السوري. فما زال الكل يضغط للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب في المنطقة، مهما طال أمد الصراع، فمن يملك الغاز، سيكون مالكا لمحرك الطاقة المستقبلية.
(المقال يعبر عن رأي صاحبه)