وتكشف دعوة الأكراد لعودة قوات الحكومة السورية إلى الحدود، التي خضعت لإدارة المسلحين الأكراد لسنوات، عن عمق أزمتهم في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ سحب القوات.
ويبدو أن تركيز القيادة الكردية ينصب على إجراء محادثات مع دمشق وموسكو، وأسوأ ما تخشاه هذه القيادة تكرار الهجوم التركي الذي دفع السكان الأكراد ووحدات حماية الشعب للخروج من مدينة عفرين شمال غربي سوريا هذا العام.
كما أنهم يحاولون إقناع الدول الغربية الأخرى بملء الفراغ عندما تسحب واشنطن نحو 2000 جندي كان وجودهم في شمال وشرق سوريا حائط صد أمام تركيا حتى الآن.
والمنطقة المعرضة للخطر تمتد لتشمل نحو ربع سوريا، معظمها شرق نهر الفرات، وتسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وهي تحالف تهيمن عليه وحدات حماية الشعب الكردية، وتقع المنطقة على حدود العراق إلى الشرق وتضم ثلاث مدن رئيسية هي القامشلي والحسكة والرقة.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية الشريك السوري الرئيسي لواشنطن في القتال ضد تنظيم "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا)، لكن تركيا تنظر إلى مقاتلي وحدات حماية الشعب التي تشكل العمود الفقري لها كتهديد وتعهدت بسحقهم.
يقول السياسي الكردي البارز ألدار خليل: "إن مسؤولين من شمال سوريا توجهوا إلى موسكو الأسبوع الماضي وسيقومون قريبا بزيارة أخرى على أمل أن تضغط روسيا على دمشق "للقيام بواجبها السيادي".
وقال خليل الذي وضع خطط الحكم الذاتي في شمال سوريا: "اتصالاتنا مع روسيا ومع النظام هي للبحث عن آليات واضحة لحماية الحدود الشمالية للقيام بواجبه السيادي. نريد أن تلعب روسيا دورا مهما في التطورات الحاصلة لما يحقق الأمن والاستقرار".
تهديد تنظيم "داعش"
تعهد الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يسيطر بالفعل على معظم سوريا بمساعدة حلفائه الإيرانيين والروس، باستعادة المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، وتعتبر المنطقة الغنية بالنفط والماء والأراضي الزراعية مهمة بالنسبة لإعادة إعمار سوريا.
لكن بعد أن ضعف موقفها التفاوضي بشدة بسبب تحرك ترامب، تسابق السلطات الكردية الزمن لإبرام صفقة وسط تهديدات تركيا بشن هجوم شرق نهر الفرات.
وتنظر تركيا إلى وحدات حماية الشعب باعتبارها امتدادا لحزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن تمردا منذ 34 عاما في جنوب شرقي تركيا. وتدعم أنقرة مسلحين من المعارضة السورية للمساعدة في محاربة وحدات حماية الشعب في شمال سوريا.
وخوفا من أن يفتح إعلان الولايات المتحدة الطريق أمام الهجوم التركي، حذرت قوات سوريا الديمقراطية من خطر تنظيم "داعش" الذي ما زال قائما؛ كما حذرت الدول الأوروبية من أن متشددي التنظيم الأجانب المحتجزين في سجونها قد يتمكنون من الهرب والعودة لشن هجمات في أوطانهم.
وقال المسؤول الكردي البارز بدران جيا كرد، الذي ذهب إلى موسكو الأسبوع الماضي لإجراء محادثات مع روسيا: "نناقش خيارات مختلفة لدرء الهجوم التركي على مناطق شمال وشرق سوريا… حيث لنا تواصل مع روسيا وفرنسا ودول الاتحاد الأوروبي لمساعدة الإدارة الذاتية الديمقراطية".
وقال: "مناطق شمال وشرقي سوريا هي جزء من سوريا وحماية حدود هذه المناطق هي من مسؤولية الدولة السورية ويتم مناقشة هذا الخيار أيضا".
تسوية سياسية
في آخر هجوم لتركيا على عفرين هذا العام، شعرت قوات سوريا الديمقراطية بأن روسيا خذلتها، بعد أن اعتقدت أنها حصلت على ضمانات بأن تركيا لن تهاجم المنطقة.
وقال شرفان درويش المتحدث باسم مجلس منبج العسكري المتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية والذي يسيطر على المدينة إن القوات الأمريكية لا تزال تقوم بدوريات بالقرب من منبج ولم يتغير شيء حتى الآن؛ لكن بالتنسيق مع المجلس، أرسلت الحكومة وروسيا قوات بالقرب من المدينة يوم الثلاثاء.
وذكرت السياسية الكردية البارزة إلهام أحمد التي أجرت محادثات في دمشق هذا العام أن الاتصالات مع الدولة لم تتوقف قط.
وقالت في اجتماع لعشائر في الرقة أمس الأربعاء: "نحن الآن في مرحلة إطلاق مبادرة جديدة، سنستمر في ذلك وسنحاول بشتى الوسائل الضغط على هذا النظام للقيام بعملية تسوية سياسية بحيث نحافظ على كرامة المواطن السوري وتحقيق العملية السياسية الحقيقية ضمن إطار مشروع ديمقراطي لسوريا لا مركزية".