لهذا كان رحيل "الجبير" الذي بات يمثل وجه الدبلوماسية السعودية أمرا لابد منه، لكي تتوارى خلفه بعض من القضايا سالفة الذكر، لتحل محلها تصريحات لوجه جديد متناقضة تماما مع التصريحات السابقة المتشددة التي كان يطلقها الجبير في كل مناسبة لتبرير أفعال أو تزييف حقائق أو تشويش الرأي العام المحلي والدولي.
النقطة الأولى: خاشقجي
لم تكن قضية مقتل خاشقجي مجرد قضية قتل لمواطن سعودي في دولة أخرى، بل كانت مقتل صحافي سعودي على أرض سعودية في دولة أخرى لديها الكثير من مقومات إدارة الأزمة إعلاميا، حيث استطاعت تركيا أن تحجز مساحات يومية في كل وسائل الإعلام وعلى مدار الساعة ولفترات زمنية غير مسبوقة، وهو ما أوقع الدبلوماسية السعودية في أزمة كبيرة وتخبط وصل بها إلى حد الإنكار ثم الإعتراف ثم الإنكار مرة أخرى، الأمر الذي أفقدها المصداقية أمام العالم، لهذا لم يكن بقاء الجبير مقبولا في 2019، فالرجل لم يحرز أي تقدم في تلك القضية بل ينتظر الخارجية ملفات جسام قد تصل للمحاكم الدولية، والجبير أفرغ كل ما في جعبته خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
النقطة الثانية: سوريا
التي كان لا بد من رحيل "الجبير" لكي يتم انجاز خطوات على الأرض بشأنها هى عودة سوريا لمحيطها العربي بعد سبع سنوات من الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، حيث بدا واضحا أن الرياض قررت وبالتوافق مع عدد من الدول العربية إنهاء صفحة سوريا "السوداء" والبدء بصفحة جديدة وتمثل هذا في إحدى جلسان البرلمان العربي بداية ديسمبر/كانون أول 2018 وبشكل غير معهود منذ سنوات بدأت عبارات الثناء والحب والود من جانب الأعضاء تتجه نحو سوريا، ولم تمض أيام إلا وأشيع أن تونس دعت سوريا للقمة القادمة وهو ما نفت الخارجية التونسية ثم صمت السعودية وحديثها عن وحدة العرب، وهاهى وبمنتهى السرعة تفتح السفارة الإماراتية أبوابها في دمشق من جديد ومدير الأمن الوطني السوري علي "المملوك" يسبق ذلك بزيارة للقاهرة بدعوة من اللواء عباس كامل وقبلها يزور الرئيس السوداني عمر البشير سوريا ويلتقي الأسد…من المنطقي أن تعود السعودية الآن إلى سوريا ولكن ليس بـ عادل الجبير، الذي تحدث مرارا وتكرارا عن عدم القبول بوجود الأسد في السلطة مطلقا، لكي تنهي الرياض ملف سوريا يجب التضحية بعد فشل الأهداف وبكل تأكيد لم ولن يكون الجبير مهندسا للعلاقات الجديدة بين "الرياض ودمشق" لذا لزم رحيل الجبير.
النقطة الثالثة: إيران
وتتمثل في العلاقات مع إيران ولم نأتي بحرب اليمن قبلها، لأن الرياض تتحدث عن حرب بالوكالة ضد إيران في اليمن والتي قارب عامها الرابع على الإنتهاء واستنزفت الخزانة السعودية بشكل غير مسبوق، ويمكن القول إن تلك الحرب غيرت النمط المعيشي المتوارث منذ عقود، فانتشرت البطالب وغلاء الأسعار وتوقف الإنتاج وزيادة رسوم الإقامة للوافدين بشكل غير مسبوق مع سعودة الكثير من المهن لم يكن السعوديين يقبلون العمل بها في الماضي، تود الرياض إيجاد مخرج من المأزق اليمني، لذا ليس مقبولا أن تأتي بنفس الشخص الذي كان يهاجم إيران ليل نهار واليمنيين ليكون هو حمامة السلام في هذا الملف.
النقطة الرابعة: الحرب علي اليمن
التي مثلت الدوامة الكبرى، بعد سنوات من التصريحات الدبلوماسية التي تتحدث عن الحسم العسكري وطرد الحوثيين بمسميات مختلفة ما بين عواصف الحزم والأمل وربما الرفاهية الإعلامية في الوقت الذي تئن فيه المدن الواقعة تحت سلطة حكومة الشرعية لا تجد كوبا من الماء النظيف أو كهرباء أو خدمات ولا حتى الراتب، وتحولت المناطق التي يطلقون عليها المحرر إلى مناطق "مدمرة"، في الوقت الذي كان يعلن فيه المتحدث باسم التحالف منذ أكثر من عامين عن تحرير 85% من المحافظات اليمنية، في ظل سوء الأوضاع هناك صراع مليشيات وفصائل عسكرية وسياسية كل منها يتلقى الدعم من دولة معينة، لم تعد الرياض تحلم بالحل العسكري بعد أن اتضحت الرؤيا وبعد أن تناولتها كل المنظمات الحقوقية الحكومية بشكل غير مسبوق واحتلت مراتب متقدمة في هذا المجال…لذا لم يكن الجبير صالحا لما بعد مشاورات السويد والتي بدأت التطبيق الفعلي.
النقطة الخامسة: الملف القطرى
الذي فشلت فيه الرياض أيضا ولم تحقق أي مكاسب من حصار الدوحة سوى الجدل السياسي وإضافة ملف جديد للملفات المعقدة التي أحاطت بالمملكة من كل جانب، وبدا واضحا للعيان خلال الأسابيع الماضية رغبه الرياض على استحياء في حل الأزمة القطرية، واتخذ الحديث الرسمي عن قطر ألفاظ أكثر دبلوماسية من زي قبل، هذا بجانب الملف الكندي والملف الأمريكي فيما يتعلق بالكونجرس وقراراته الأخيرة، ولا ننسى دور الجبير في إشعال تلك الملفات وجعلها في الصدار، لذا ليس مقبولا بقاء الجبير في الواجهة.
تغييرات مجلس الوزراء الأخيرة في المملكة قد تحمل الكثير بداخلها ما بين التوجه العلماني للدولة وتقليص القيود العائلية المفروضة على نظام الحكم وربما تحويل البلاد وفق رؤية 2030 إلى مملكة دستورية، والجانب الآخر من تلك التغييرات والتي جاءت ببعض الكفاءات أو ما نطلق عليه "تكنواقراط" بعيدا عن الحقوق المكتسبة للأمراء بضرورة وجودهم على رأس كل سلطة في البلاد و9هو ما يعني مغازلة شعبية وإيقاظ وتحفيز المواطنين بأن الوصول لمناصب كانت محرمة عليهم في السابق أصبح اليوم متاحا.
هكذا حاول الملك وضع طوق من الخبرات بجوار ولي عهده لتنفيذ مشروعه التنموي 2030، لكن السؤال هل ستأتي الرياح بكا تشتهيه سفينة الملك وولي العهد؟
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)