وحول تلك الاحتجاجات نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً للكاتبة السودانية نسرين مالك قالت فيه إن هذه ليست الاحتجاجات الأولى التي واجهها البشير.
لكن الموجة الحالية من المظاهرات كانت فريدة لإنها تعكس قطاعًا واسعًا من المجتمع السوداني، يغذيه كل من التخطيط التنظيمي والعاطفة التلقائية، وتشكل تهديدًا خطيرًا للنظام، بحسب المجلة.
وأضافت مالك، أن هناك خلفية تاريخية طويلة وقصيرة للاحتجاجات. ويمتد التاريخ الطويل على مدى الثلاثين عامًا الماضية، مشيرة إلى أن حكومة البشير التي وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلاب العسكري في عام 1989، دفعت المجتمع السوداني إلى الأسوأ فقد تدهورت المؤسسات الأساسية للبلد والخدمة المدنية والاقتصاد، والنظام التعليمي، والجيش، وثقافتة السودان ذاتها — وكل ذلك من أجل الحفاظ على قبضة الحكومة على السلطة بشكل أفضل وضمان احتكارها لوسائل الإنتاج الاقتصادي، بحسب ما قالت المجلة.
وقالت كاتبة المقال السودانية: أنه في هذه الأثناء، تجاهلت الحكومة ببساطة قطاعات كبيرة من السودان، ومؤسساته، التي لم يكن من الممكن تحويلها إلى نقود، مما سمح لها بالانهيار.
"حكومة البشير فقدت السيطرة"
وتسرد مالك قائلة إنه في التاريخ القصير فقدت الحكومة السيطرة على الأساسيات. وعلى مدار العام الماضي، ارتفع معدل التضخم في السودان إلى ثالث أعلى معدل في العالم، وأصبح النقص واضحًا: البنزين (مع وجود طوابير طويلة من السيارات تمتد بانتظام أمام محطات الوقود).
وتضيف أن الأكثر إثارة للسخط هو النظام المصرفي. إذ أثار رد الحكومة على الأزمة الأخيرة قبل عدة أشهر المزيد من الذعر عندما تم وضع حدود منخفضة على عمليات السحب من أجهزة الصراف الآلي والحسابات المصرفية، ما أزعج السودانيين من الطبقة الوسطى فقط، والذين لا يستطيعون الآن سحب رواتبهم.
وتقول مالك إن الحلول المحتملة للاحتجاجات تعتمد على منظورين أحدهما قصير الأمد والآخر طويل الأمد. وتوضح أنه مثلما ولد الإحباط في السودان من تاريخين، فإنه يتم تحريكه من خلال حاجتين، الأولى أن هناك طلب فوري على الخبز والغاز، والنقود والعلاج، لكن هناك أيضاً حاجة مجردة لاستعادة الكرامة والكرامة الوطنية من حكومة لم تقدم أي منهما.
"مساحة أقل للمناورة"
وترى كاتبة المقال في "فورين بوليسي" أنه لدى نظام البشير مساحة أقل للمناورة أكثر من أي وقت مضى في صياغة رد.
وتضيف أنه منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011، فقد البشير الثروة النفطية التي كانت تأتيه من تلك المنطقة. كما يعاني النظام من العقوبات التي طبقتها الولايات المتحدة لأول مرة في عام 1997، والتي عزلت البلاد اقتصاديًا.
كما عزز اتهام البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في دارفور وضع حكومته المنبوذة. وتشير مالك إلى أنه منذ ذلك الحين، كان السودان يعتمد على عدد قليل من الحلفاء الإقليميين، مثل المملكة العربية السعودية.
وتشير مالك إلى مزاعم صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، التي قالت إن السودان دفع ما لا يقل عن 14،000 جندي للمشاركة في حرب السعودي في اليمن، حيث يتم قيادتهم من بعيد من قبل الجيش السعودي الذي لا يرغب في وضع أجساد جنوده على خط المواجهة.
وتعزى مالك أيضا المشاكل المالية للحكومة "جزئيا" إلى "شبكات المحسوبية المتنامية في الداخل، بما في ذلك الشرطة والجيش، وقوات الدعم السريع، والوحدات شبه العسكرية غير الرسمية، بما في ذلك ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة التي أوقفت عن العمل بعد انتهاء الصراع في دارفور" على حد قولها.
وتقول مالك إن:
بعض المتظاهرين اختفوا ببساطة ونشرت صور بواسطة أحبائهم على وسائل التواصل الاجتماعي كعائلاتهم لمحاولة تحديد مكانهم. وحتى الآن، توفي ما يقدر بنحو 40 شخصا. وبعد أسبوعين، لم يقتل ذلك زخم الاحتجاجات.
وتشير كاتبة "فورين بوليسي" إلى أن "الوضع الاقتصادي قد كسر تحالفا ضمنيا بين الحكومة ونخبة البلاد. وطالما كانت هناك قدرة لبرجوازية صغيرة غير تابعة سياسياً على الازدهار، ولكن الإحباط الذي يشعر به أولئك الذين يعيشون على درجات أدنى من المجتمع لم يكن كافياً لإشعال حركة احتجاجية شاملة. لكن الشلل الاقتصادي حفز أعضاء مهن ذوي الياقات البيضاء على الاختلاط بالطبقات العاملة".
سيناريو حسني مبارك
وتوضح مالك أنه: "لا توجد شخصية بارزة داخل حكومته يمكنها أن تتدخل وتتولى الحكم في الوقت الذي يتم فيه التفاوض على انتقال غير دموي، ولا يوجد رجل عسكري قوي يمكنه إرغامه على الاستقالة مثلما حدث مع حسني مبارك وتسليم السلطة إلى حكومة انتقالية".
وتقول "لطالما طغى على قوى المعارضة التقليدية مثل رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي، وإن زعماء المعارضة الجدد متشرذمون".
وترى مالك أن:
طول عمر البشير في الحكم يرجع جزئيا إلى إفقار المشهد السياسي واختناق أي تصورات مستقبلية للسودان. وعلاوة على ذلك، احتكار الإسلام لأهدافه الخاصة — حيث لا يزال نظامه يميل إلى أن يكون حكومة إسلامية، رغم أنه تخلى منذ فترة عن انتمائه، فقد أحبط البشير حركة احتجاج إسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين، التي نجحت في التجمع ضد الدكتاتوريات في أماكن أخرى في الشرق الأوسط.
وتضيف كاتبة "فورين بوليسي" إن مظاهر المعارضة بدأت مع غضب الشارع العفوي، لكن سرعان ما دخلت مجموعات من النشطاء المحترفين في النزاع للمساعدة في تنظيم الاحتجاجات وأعمال العصيان المدني. وتضيف: "لكن هذا التنوع قد يؤدي في النهاية إلى إضفاء المزيد من القوة على المظاهرات". "يمكن للفراغ السياسي السوداني أن يحافظ على البشير في السلطة عن طريق الفشل في استبداله".