وكان "ذا فيسبوك"، يركز في بادئ الأمر على حياة الطلاب، أولا في جامعة هارفارد، ثم في جامعة كولومبيا وبعدها في جامعتي ستانفورد وييل، إذ كان يوفر خدمات مواعدة بين بعضهم البعض، وتبادل الوخزات (Pokes)، ولكن مع حلول خريف 2005، وفي تحول سريع، كان 85٪ من طلاب الجامعات الأمريكية يستخدمون الموقع، بينما 60٪ من الطلاب يزورونه بشكل يومي، بحسب تقرير بصحيفة "ذا غارديان" البريطانية.
ولم يكن "ذا فيسبوك" هو أول شبكة تواصل اجتماعي على وجه الأرض، إذ سبقتها بعام واحد شركة "ماي سبيس"، ولكنها لم تصمد أمام طوفان منافستها.
ومع انشغال الطلبة بالموقع الجديد، استغل القائمون على "ذا فيسبوك"، التنافسية الاجتماعية الشديدة، التي يبدو أن نظام التعليم الأمريكي مبني عليها، كما يشرح ديفيد كيركباتريك، مشيرا إلى أنهم بدأوا في تطوير الموقع، وحث الطلبة على الاهتمام بتفاصيل ملفاتهم، والتفكير بعناية في سرد اهتماماتهم، وتغيير صورهم الشخصية أولا بأول، لكي يكونوا أكثر جاذبية كأصدقاء محتملين.
ويشرح كيركباتريك، "أن تكون شخصا فعالا على "ذا فيسبوك"، أصبح خلال فترة وجيزة ضرورة حتمية، أثرت على اختيارات الناس في العالم الواقعي".
2 مليار مستخدم… لكن التمثيل مازال مستمرا
ومع نهاية عام 2004، وصل عدد مستخدمي "ذا فيسبوك" إلى مليون مستخدم، وفي سبتمبر/أيلول 2006، وأصبح اسمه "فيسبوك" فقط، واجتازت جماهيريته أسوار الجامعات والمدارس، وأصبح متاحا لمن كل من هو فوق 13 عاما، ويمتلك بريد إلكتروني من أجل إنشاء ملف شخصي.
وبعد مرور 15 عاما على ولادة "فيسبوك"، أصبح اليوم يمتلك 2.2 مليار مستخدم، بينما تقدر ثروة مالكه، مارك زوكربرغ، بنحو 55 مليار دولار، كما أن الشركة حققت في الأسبوع الحالي، أرباحا قياسية بقيمة 6.88 مليار دولار، خلال الثلاثة أشهر الماضية فقط، كما أن "فيسبوك" ابتلع شركات كبرى مثل "إنستغرام" و"واتسآب"، لتصبح واحدة من أكبر شركات التكنولوجيا على هذا الكوكب، تزامنا مع تتويج زوكربرغ كخامس أغنى شخص في العالم.
ولكن أمام كل ذلك النجاح، هناك حقيقة مجردة، وهي أن الناس يكذبون على بعضهم البعض عبر منصة التواصل الاجتماعي الشهيرةـ إذ كشفت نتائج استبيان للرأي، أجرته شركة "كاستارد" للأبحاث التسويقية، على 2000 شخصا في المملكة المتحدة، عن أن 18% منهم فقط قالوا إن ملفهم الشخصي على "فيسبوك" يمثلهم بصورة دقيقة، بينما 31% منهم قالوا إنه لا يمثلهم بصورة صادقة ولكن "تجميلية"، بينما أفاد 14% منهم أن "فيسبوك" جعلهم أكثر نشاطا اجتماعيا عما كانوا عليه، كما أفصح الاستبيان عن أن الرجال كانوا أكثر زيفا وتصنعا لجوانب حياتهم على "فيسبوك" مقارنة بالنساء.
وفي ذات السياق، كشف استبيان لشركة "وان بول" لأبحاث التسويق، قبل 6 سنوات، عن أن ثلث النساء اللاتي شملتهن الدراسة، اعترفن بأنهن ليسوا صادقات بشأن أنفسهن على وسائل التواصل الاجتماعي، واعترفت واحدة من بين كل أربعة تقريبا بالكذب أو المبالغة في الجوانب الرئيسية لحياتها على الإنترنت، وذلك ما بين مرة وثلاث مرات في الشهر، وأن ما يقرب من 30 ٪ من النساء كذبن حول أنشطتهن، بينما كانوا في الحقيقة بداخل المنزل وحدهن، و20٪ لم يكونوا صادقات بشأن أنشطة عطلاتهم أو حتى وظائفهم.
وتعد النتائج السابقة من بين مئات النتائج التي تؤكد على أن "فيسبوك" أصبح يشكل انفصالا عن السلوك البشري التقليدي، ففي الماضي، كان بإمكاننا أن نأخذ استراحة من التمثيل على أنفسنا، ونعود إلى إحساسنا الخاص بنا، ولكننا الآن، ووسط إدمان الناس على الهواتف الذكية، فإن التمثيل لا يتوقف.
وتعتبر مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، والأخبار المزيفة، ونشر الحض على الكراهية، والنهم وراء بيانات المستخدمين الشخصية ، طرق خبيثة انتجهتها "فيسبوك" مع مسنخدميه على مدار 15 عاما، بحسب "ذا غارديان".
الكل أصبح مراهق
وفي رسالتها الجديدة حول هيمنة "فيسبوك" و"غوغل"، "The Age of Surveillance Capitalism"، وصفت الأكاديمية الأمريكية، شوشانا زوبوف، أن ما يجري حاليا على وسائل التواصل الاجتماعي، بمثابة "التسونامي النفسي للمقارنات الاجتماعية".
كما سجل البحث الذي أجرته الجمعية الملكية للصحة العامة في عام 2017، أن جميع منصات التواصل الاجتماعي الكبيرة لها تأثير سلبي على الرفاهية العقلية للشباب، ويزيد من مشاعر عدم الكفاءة والقلق لديهم.
وردا على هذه الاتهامات، يجادل المدافعون عن "فيسبوك"، بالتأكيد على أن شعبيته أصبحت في انخفاض بين المستخدمين الأصغر سنا، الذين أصبحوا يميلون لبدائل أخري هي "إنستغرام "و"سناب شات"، ولكن لا يزال يستخدم "فيسبوك" من قبل الملايين من الشباب، كما أن شركة مارك زوكربيرغ تمتلك "إنستغرام".
كما أنه أصبح هناك شعور غالب، وهو أن "فيسبوك" نجح في تحطيم بعض الفروق السلوكية بين الأطفال والشباب والكبار، لدرجة أن جميع مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعية الآن أصبحوا يتصرفون كالمراهقين، وهو ما يعني تعرضهم لنفس الجوانب السلبية للاستخدام المفرط لمنصتهم الاجتماعية المفضلة.