فشل رئيسة الوزراء البريطانية يزيد من حالة عدم اليقين حول الاتجاه الذي ستسلكه البلاد للخروج من الاتحاد.
وقد رفض مجلس العموم البريطاني الموافقة على الاتفاق المعدل، إذ صوت 391 نائبا ضد الصفقة الجديدة مع الاتحاد الأوروبي، فيما أيدها 242 نائبا آخرون، ليكون هذا الرفض الثاني من قبل البرلمان للمصادقة على الاتفاق.
خيارات البريطانيين: الخروج بدون اتفاق أو التمديد
رغم أن هذا التصويت يمنح ماي دعما قليلا مقارنة بتصويت يناير/كانون الثاني، لكنه ما يزال يمثل هزيمة مدوية لرئيسة الوزراء التي يبدو أنها تفقد السيطرة بشكل متزايد.
بعد الهزيمة، أكدت رئيسة الوزراء أنه سيكون هناك تصويت على خروج بريطانيا بدون اتفاق في الموعد المحدد للخروج. وإذا لم يقر النواب ذلك، سيكون هناك تصويت آخر على تأجيل الخروج من الاتحاد.
تريزا ماي حذرت من أن الحكومة ستمضي قدما في التخطيط لخروج دون اتفاق وأنه يتعين على النواب الاعتراف بأن تصويتهم لا يغير قانون الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة. وإذا فشلوا في اتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله، سيكون الوضع القائم بحلول 29 مارس/آذار هو الخروج من الاتحاد بدون أي صفقة.
أضافت ماي أن نواب حزب المحافظين الذي تنتمي إليه سيكون لهم التصويت بحرية بشأن الخروج بدون اتفاق، أي أنهم لن يكونوا ملزمين باتباع خط الحزب.
وفي إعلانها هذا، أشارت إلى أنه سيكون "مثل الاستفتاء تماما، إذ توجد آراء قوية ومشروعة في كلا الجانبين"، مما يشير إلى أن هذه محاولة أخرى لإبقاء حزبها الهش متماسكا، ومنع أي استقالات أخرى، على الأقل في المدى القصير.
ومن المقرر أن يجرى غدا 14 مارس/آذار تصويتا على تمديد عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي إلى ما بعد 29 مارس/آذار، لكن في تحذير آخر، قالت ماي إن: "هذا لا يحل المشكلات التي نواجهها".
وقالت ماي إذا صوت النواب على التمديد، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يرغب في معرفة ما يعتزمون القيام به خلال هذا الوقت. وهل يريدون إلغاء المادة 50 بالكامل؟ أم هل يريدون إجراء استفتاء ثان؟، وفي سؤالها الأخير، هتف عدد كبير من النواب، في حين هتف آخرون بالقول "لا!".
هل حان وقت رحيل ماي؟
بينما تدافع وزراء آخرون على الخروج من الحكومة لإنقاذ حياتهم المهنية والنأي بأنفسهم عن حالة الفوضى الدائرة، لم يكن لدى رئيسة الوزراء سوى الثبات.
مجددا، تتصاعد الضغوط عليها للاستقالة، وعلى الرغم من استبعاد أن يؤدي مثل شأن هذا الإجراء إلى حل أي شيء، بعد رفض البرلمان لصفقتها الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهل حان الوقت لماي أن تسأل نفسها عما إذا كان الأمر يستحق البقاء والاستمرار.
يقول كريس ستافورد، وهو باحث دكتوراه في قسم السياسة والعلاقات الدولية، بجامعة نوتنغهام البريطانية:
"لا يمكن لبقاء ماي في منصب رئيس للوزراء أن يكتب شيئا في التاريخ سوى فشلا آخر".
ويضيف: "لكي نكون منصفين، كان ميراثها من ديفيد كاميرون سيئا جدا، فقد ورثت حزبا منقسما مكلف بتقديم عمل سياسي كبير بالكاد كان قد بدأ التخطيط له"، مشيرا إلى أن "صعوبة المهمة تضاعفت بسبب ضعف القيادة ونقص الانضباط الحزبي والعديد من القرارات السيئة".
وتواجه ماي تمرد أعضاء الخط الخلفي في حزب ماي (الأعضاء الذين لا يشغلون منصبا في الحكومة أو المعارضة) إذ يستمرون في إثارة المتاعب من الخطوط الجانبية، ويرفضون اتباع خط الحزب ومواجهة تداعيات الحد الأدنى على عدم ولائهم.
لكن، حقيقة أن ماي تمكنت من الاستمرار رئيسة للوزراء لما يقرب من ثلاث سنوات مع كل ما يحدث أمر رائع للغاية. وفي نفس الوقت، لا توجد آليات واضحة لإجبارها على التنحي إذا قررت البقاء في منصبها.
لقد أظهرت أنها تستطيع التغلب على التصويت بسحب الثقة وأنها في مأمن من تحدٍ آخر لقيادة الحزب حتى نهاية العام. ولكن بعد هذا الرفض الأخير لصفقة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من الصعب معرفة ما يمكنها فعله بعد ذلك أو لماذا ترغب في البقاء.
يشك الكثيرون في أن ماي ستطلب من البرلمان التصويت مرة أخرى، على أمل أن يتراجع عدد كاف من النواب في اللحظة الأخيرة ويصوتون لها لتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.
لكن في حين أن هذه الهزيمة لم تكن بحجم هزيمتها الأولى، لكنها تمثل خسارة كبيرة. ومع تجمع خصومها مرة أخرى بسبب حالة الضعف التي تعيشها ماي، من المحتمل أن لا يلقي كثيرون باللوم عليها إذا ما قررت القفز من السفينة مثل كثيرين غيرها، وأن تسعى إلى بداية جديدة في مجال أخر، على غرار سلفها، رئيس الوزراء توني بلير، الذي يحقق أموالا طائلة من إلقاء المحاضرات.
ماذا الآن؟
لا يرغب غالبية أعضاء البرلمان في التوصل إلى خروج بدون اتفاق، لكن التصويت ضد صفقة ماي، جعل من ذلك الاحتمال الأقرب لخروج بريطانيا من الاتحاد.
التصويت في البرلمان ضد خروج بدون صفقة ليس له تأثير مباشر على الاتحاد الأوروبي، وكان جان كلود يونكر قد حذر بالفعل من أنه لن يكون هناك مفاوضات ثالثة.
ومع أخذ هذا في الاعتبار، فمن غير الواضح ما إذا كان تمديد المادة 50 سيحقق شيئا أكثر من تأخير الحتمية.
وعلى الرغم من التأكيدات المستمرة من راغبي الخروج البارزين بأن الاتحاد الأوروبي سوف يدرك في اللحظة الأخيرة لزوم التوصل لاتفاق ويمنح بريطانيا ما تريد، فإن حالة الوحدة الظهرية الملاحظة للاتحاد الأوروبي لم تتراجع في السنوات الثلاث تقريبا منذ الاستفتاء.
يقول ستافورد: "الحقيقة هي أن الاتحاد الأوروبي ليس مستعدا للاستجابة لمطالب غير واقعية من المملكة المتحدة على حساب نفسه"، مضيفا: "بالنظر إلى أن الاتحاد الأوروبي لم ير من المناسب تعديل شروط الصفقة الآن، فمن الصعب أن نرى أن يشهد ذلك تغييرا لاحقا".
يتابع ستافورد:
من المرجح أن يمنح الاتحاد الأوروبي بريطانيا فرصة للتمديد لأنه لا يرغب في أن يُنظر إليه على أنه يفرض وضع بلا صفقة، لكن الحقيقة أن التمديد إلى مايو/آيار المقبل سيؤدي على الأرجح إلى اضطرار بريطانيا للمشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة ما يثير عددا من المشكلات لكلا الجانبين.
يقول ستافورد إنه بغض النظر عن مدى الاعتقاد بأن ماي قد انهكت خلال عملها في رئيس الوزراء، فلا يوجد شك في أن ماي قد فعلت كل ما في وسعها، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ليست بالمهمة السهلة".
يضيف: "وبالنظر إلى فشل بعض سياساتها الأخرى وزيادة انقاسم حزبها، فقد حان الوقت لها أن تتقاعد من منصبها، وتسمح لمنتقديها في الحزب بالاستفادة من ادعاءاتهم بأنهم يستطيعون فعل ذلك بشكل أفضل".