بذلك أغلق بوتفليقة مرحلة من التوتر في الجزائر بعد إعلانه الترشح للعهدة الخامسة، وفتح مرحلة أخرى، بعد أن اختلفت القراءات في طبيعة هذه القرارات، بين مؤيد ومعارض في جميع أطياف الشعب الجزائري.
قرار تاريخي أم التفافي؟
يرى القيادي في حزب "جبهة التحرير الوطني" وليد بن قرون، بحوار مع وكالة "سبوتنيك"، أن قرارات الرئيس الجزائري تاريخية، وستفتح عهدا جديدا يجعل الجزائر ديمقراطية حقيقية، ويقول: القرار الذي اتخذه الرئيس بوتفليقة يؤرخ لمرحلة جديدة في الحياة السياسية الجزائرية، مرحلة جديدة يسمع فيها صوت المواطن، وتحترم فيها إرادته، فعندما يقول الرئيس أنني لن أترشح لرئاسة الجمهورية لأنني ألبي مطالب الشعب وخاصة الشباب، وأنصت لهم بإمعان، هذا يعني أن مطالبهم وتطلعاتهم تحترم وتطبق.
فيما قالت المحامية والدكتورة في القانون الدولي سلوى بو شلاغم لـ"سبوتنيك"، إن هذه القرارات هي عبارة عن حيلة ومناورة على الشعب الجزائري، وتؤكد: كل هذا الإعلان لعبة وتخطيط لأزمة أعمق وأكثر كارثية على ما نحن عليه، وهي ترجمة مغايرة فقط لما كان قبل هذا الإعلان، ففي البداية كان هناك تمديد وكان هناك انتخابات مع رئاسة لسنة واحدة فقط، وبعدها يكون استلام المشعل من طرف ثاني، ولما قابل الشارع هذا الطرح بالرفض، جاء اقتراح أفضل بالنسبة لهم، لكنه فقط ترجمة مغايرة بالنسبة للشعب الجزائري.
ماهية الندوة الوطنية
يوضح القيادي في الحزب الحاكم على أن الندوة الوطينة تهدف إلى تقريب أفكار فئات الشعب الجزائري، وتهدف إلى تحقيق تطلعاتهم من دون أي مناورة أو خداع، ويصر بقوله: تعهد الرئيس بتغيير النظام وتشكيل ندوة وطنية تشمل كافة أطياف المجتمع الجزائري، من طلاب وفلاحين ونساء، وتضم كافة فعاليات المجتمع المدني من معارضة وموالاة وأحزاب ونخب وشخصيات تاريخية وسياسية، من أجل صياغة دستور يضمن استمرار الدولة الجزائرية وأمنها وازدهارها، ويضمن كذلك حرية التعبير وحقوق الإنسان.
ويؤكد: لو كان هناك إرادة بالالتفاف خول مطالب الشعب الجزائري، لما تم تغيير وإقالة العديد من الشخصيات، وإحداث تغيير جذري في الحكومة وهذا الشيء ليس بالأمر السهل في المعادلة السياسية الجزائرية.
أما الدكتورة سلوى فتعتبر أن هذه الندوة مبهمة وغير واضحة المعالم، فقالت: من خلال رسالة بوتفليقة، والتي لا ندري من كتبها أصلا، يقولون ويدعون الشعب الجزائري إلى ندوة، وطرح حوار، لكن هذا الحوار سيكون مع من؟، ولفائدة من؟، ومن يمثل من فيه؟، طلبات الشعب الجزائري لم تقابل بإيجابية، بالعكس قاموا بالمناورة على الشعب، الذي لم يفهم الرسالة في بداية الأمر، وبعد التدقيق ظهر أنها الشيء ذاته، عهدة خامسة على شكل تمديد.
الهدف من التغييرات الحكومية
يعرب الأستاذ وليد بن قرون عن أمله بأن تلبي هذه التغييرات في حكومة الجزائر لهدفها، ويضيف: هذه التغيرات في الحكومة تأتي استجابة لمطالب الشعب، وسيكون بعدها عدة نقاط أساسية لتغيير المشهد السياسي الجزائري، وتغيير في المشهد التنفيذي، وهي من الأمور التي طالب بها الشعب الجزائري، ولا يوجد هناك أي التفاف في هذه القرارات، خاصة وأننا شاهدنا احتفالات من طرف الشعب الجزائري، تناقلته وسائل الإعلام، وهذه الصور وضحت مباركة الشعب الجزائري للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية.
وتعارض الدكتورة سلوى هذه التغييرات ولا ترى منها أي فائدة، كون التغييرات تمت بأشخاص من داخل الحكومة، ونوهت: بدوي أو يحيى أو أيا كان من الوزراء الذين تقمصوا مناصب سامية في حكومة بوتفليقة، هم نفسهم، ولن يكون لهم دور في المستقبل، ولن يكونوا واجهة لمن هم ورائهم، والشارع يرفضهم جميعا، وهذه الإجراءات ومرفوضة جملة وتفصيلا، وهي فقط لخداع الشعب، الذي وعى وأيقن، واستيقظ من سبات عشرين سنة، كان للحكومة دور كبير فيه.
دور السلطة الحالية في مستقبل الجزائر
يعترض وليد بن قرون على مصطلح السلطة، ويقول: لا توجد سلطة في الجزائر بل توجد مؤسسات دستورية للدولة والشعب، ونحن ليس في دولة شبحية كما يروج لنا، والدولة لدينا يعمل فيها أبناء الشعب.
ويتحدث عن دور الأحزاب في الجزائر: استراتيجية حزب جبهة التحرير الوطني واضحة، فهو حزب يتجدد ولا يتبدد، والجبهة هي صانعة التاريخ وصانعة التنمية والاستقرار، ونحن نزكي دائما حرية التعبير والصحافة وحقوق الانسان، وكل ما يمس براحة المواطن الجزائري وحريته في جميع تصرفاته.
ويضيف: أعتقد أن على أحزاب المعارضة أن تعمل من أجل توعية المجتمع الجزائري، وأن تعمل على تعزيز انتشارها، لأنها حتى الآن لم تصل إلى كافة مناطق الجزائر، ولم تحصل على ثقة الشعب الجزائري طيلة 30 سنة من التعددية السياسية، وعليها الآن أن تكون شريك في بناء مجتمع جزائري واعي ومتحضر، من أجل ممارسة ديمقراطية سليمة، يكون فيها العدل والمساواة فيها بين كل الأحزاب معارضة وموالاة.
بالمقابل تعتقد الخبيرة في القانون الدولي أن الشعب يرفض الطبقة الحاكمة وليس الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وتؤكد: الشعب ليس رافض لبوتفليقة كشخص، والجزائريون يكنون التقدير له، ونحن أردنا التكريم للرئيس، وأردناه أن يخرج من الباب الواسع، وأن تنتهي عهدته ويكون كباقي الرؤوساء، بانتقاله إلى مرحلة أخرى من حياته، الشعب الجزائري طلبه الأساسي هو جماعة بوتفليقة وعائلته، وكل من هو في الحكم، وكل من شارك من قريب أو بعيد في الحكم ، وهم لا يمتون للجزائر بصلة، بل هم خدم لمصالح ندري جميعا ما هي، ولذلك نريد تنحيتهم كلهم كليا.
وأضافت: قرار الرئيس تأجيل الانتخابات باطل دستوريا ولا يستند لأي أساس، وانسحاب بوتفليقة من الانتخابات لا يفرض إلغاءها، هو ألغى الانتخابات معتمدا على المادة 4 و 7، والتي تتكلم عن الاستثناءات الطارئة، وهذا ما لا يتوفر، كما جاء الاعتماد على المادة 110 من الدستور، والتي تقول بأن الانتخابات تؤجل في حالتي الوفاة والحرب، ونحن لسنا في حالة حرب، إلا إذا كان بوتفليقة ومن معه يسمون خروج الشعب الجزائري إلى الشارع بحرب، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، في حال كانت هذه هي الحرب، فمن هو العدو، هل هي الحكومة الجزائرية التي يحارب ضدها الشعب الجزائري، أم أن الشعب الجزائري هو عدو نفسه.
دور الجيش
يرى القيادي في حزب التحرير أن الجيش حيادي ولن ينخرط في أي سجال سياسي، ويؤكد: الجيش الوطني هو مؤسسة دستورية مهمتها حماية أمن حدود الجزائر، والسهر على الأمن القومي للبلاد، والجيش لا يتدخل أبدا في السياسية ولا يتورط في مثل هذه المستنقعات، وله دور تاريخي وهو سليل جيش التحرير الوطني، ولا يمكن أن ينزل إلى مستوى الصراع السياسي.
فيما ترى سلوى بوشلاغم أن الجيش هو بيت القصيد، وهو الجهة التي يمكن أن تلعب دورا، وتعتقد بأن: الجيش هو الإشكال الحاصل في صلب الحكومة، فعندما كان الجيش تحت حكم اليد الخفية في الجزائر، لم يكن أحد يأبه للشارع ، ولا للحراك ولا للشعب الجزائري، أما عندما أصبح هناك شق واختلاف بين عناصر الجيش الجزائري من مؤيد ومعارض، لاحظنا أن الحكومة وكأنها تريد أن تساير الشعب الجزائري، ما احدث تشتتا في داخل هذه الحكومة.
مستقبل الجزائر
يرى الأستاذ وليد أن المستقبل في الجزائر ستحدده صناديق الاقتراع، ويؤكد: الساحة مفتوحة وكل الاحتمالات واردة، ولكل مقام مقال، وعندما يحين الانتخابات، وتكون هناك أريحية من أجل المرور إلى تلك المرحلة، سيكون لحزب جبهة التحرير قول انشالله، مثلما سيكون لباقي الأحزاب قولها كذلك.
أما الدكتورة سلوى فترة الأمر من جهة مختلفة، وتقول: بوتفليقة لم يتخلى عن العهدة الخامسة بعد، وأعلن إلغاء الانتخابات دون مراعاة أو احترام للناس التي قدمت ملفاتها للترشح، ومدد لنفسه لتاريخ غير محدد، وهذه أكبر مصيبة تقع على الجزائر، والشعب الجزائري سيواصل الخروج إلى الشارع وسيتابع مظاهراته ضد الطبقة الحاكمة.