أحد أبرز التطورات على الساحة الجزائرية كان دخول الجيش على خط الأزمة، بعد فترة طويلة لزم فيها الحياد السياسي، بإصدار رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع القايد صالح بيانا، طالب فيه بتطبيق المادة 102 من الدستور، والتي تعني المطالبة بتنحية الرئيس.
وبتقديم الرئيس بوتفليقة استقالته تطبق المادة 102 من الدستور بصورة آلية، والتي تنص على أنه في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، وسيتولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح مهام رئيس الجمهورية، لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية، على أن لا يحق لرئيس مجلس الأمة بالترشح إلى الانتخابات.
أما فيما يخص الرئيس المستقبلي للجزائر فيبقى مجهولا حتى اللحظة، حيث يتخوف البعض من حكم العسكر، وعدم رحيل رموز النظام، حيث سيكون الحكم صناديق الاقتراع، في الانتخابات الجزائرية القادمة.
أسباب الاستقالة
حول الأسباب التي دفعت الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة للتنحي عن رئاسة الجزائر، تحدث عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، والنائب في مجلس الأمة عبد الوهاب بن زعيم حول ذلك، اليوم مع "سبوتنيك"، وقال: الرئيس بوتفليقة كان في نهاية عهدته، وبقي منها ما يقارب 20 يوم تقريبا، وهو رضخ لمطالب الشعب بعدم الترشح لعهدة خامسة، فهو لم يستقل بل ترك عهدته كحل دستوري، لتتم خلافته برئيس آخر قادر على تنظيم الانتخابات خلال 90 يوما.
فيما يرى المحامي والناشط الحقوقي طارق مراح أن الاستقالة جاءت بسبب الحراك الجزائري، وصرح اليوم "لسبوتنيك": ما تردد عن أن الشعب لم يكن له دور في استقالة الرئيس، هو أمر مجانب للحقيقة، استقالة بوتفليقة جاءت استجابة لمطالب الشعب في المقام الأول، ولضغط الجيش من جهة ثانية، والأمران ساهما في قرار الرئيس بوتفليقة.
تخوف من انقلاب عسكري
على الرغم من التقارير التي لوحت بانقلاب عسكري للجيش الجزائري على حكم بوتفليقة، يرى عضو مجلس الأمة عبد الوهاب أن الجيش لم يقم بإي إشارة تدل على ذلك، ويوضح: المؤسسة الدستورية تملك جميع المعطيات، من الناحية الأمنية وصحة الرئيس، وما يحدث في الرئاسة من تعفن وإجراءات غير دستورية وتدخل في صلاحيات الرئيس، وجاء بيان رئيس الأركان القايد صالح قويا وواضحا من الجيش المؤسسة الدستورية، والذي طلب بأن يكون الحل وفق المادة 102 من الدستور، وأن يكون فوريا لتفادي انزلاقات خطيرة، ولذلك استجاب الرئيس واستقال وانتهت القضية، ونحن الآن في صدد اجتماع المجلس الدستوري لإثبات الشغور، ومن ثم إرسال الملف إلى مجلس الأمة ليجتمع عاجلا ضمن ظرف 72 ساعة، وتنصيب رئيس مجلس الأمة كرئيس للدولة لمدة 90 يوما، وأول قرار سيتخذه الرئيس المؤقت هو استدعاء الهيئة الناخبة في ظرف 90 يوما، لاجراء انتخابات رئاسية جديدة.
أما المعارض طارق مراح فيرى أن توجسا كان موجودا من قيام الجيش بهذه الحركة، ويؤكد: كان هناك خوف مبرر من انقلاب عسكري في الجزائر، فالشعب كان خائفا من تدخل الجيش في الشأن المدني، ولهذا الأمر ما يبرره، حيث كان للتجربة المصرية ظل كبير على الوضع، وكان سببا للتخوف من الانقلاب، لكن خطاب رئيس الأركان الأخير وعلى الرغم من قوته، كام مطمئنا ولم يلوح بأي شكل من أشكال التدخل في الشأن المدني.
السيناريو القادم
ويعتقد بن زعيم أن الحل الديمقراطي والدستور هما من يحددان مستقبل الجزائر، ويتابع حول ذلك: كان رأي الشعب أن لا عهدة ولا تمديد، والشعب حقق مطالبه، لكن خطة الجيش واضحة وهي أن الحل يجب أن يبقى في المجال الدستوري، والجيش لو أراد أن يخرج عن القوانين الدستورية، لكان اختار حلولا أخرى، لكنه أبقى على الحلول الدستورية كالبرلمان وعلى النص الدستوري، لكي لا يقال أن الجيش قام بانقلاب، لذلك الشعب سيتفهم موقف الجيش وسيذهب إلى الحلول الدستورية، وبالنسبة للشعب إذا أراد التغيير فليغير بعد ذلك، فهو سيد نفسه، وبعد ثلاثة أشهر يستطيع اختيار أي رئيس يراه عن طريق صندوق الاقتراع.
فيما يؤكد مراح على أن الحراك الشعبي متواصل على الرغم من استقالة بوتفليقة، ويضيف: السيناريو القادم للجزائر هو أن الشعب الجزائري يتنادى من أجل النزول يوم الجمعة القادم، لسببين: أولهما الاحتفال باستقالة الرئيس، والثاني هو المطالبة بإسقاط كافة رموز النظام البوتفليقي، من مجلس الأمة الذي سيحكم في الفترة الإنتقالية بموجب المادة 102 من الدستور، وبالتالي الشعب لا يريد أن يكون رئيس مجلس الأمة رئيسا للبلاد، بوصفه رمزا من رموز الفساد، وكذلك المطالبة بإسقاط الحكومة الحالية التي نصبها بوتفليقة مؤخرا، والتي لا تمت بصلة للحكومة المحترمة التي يمكن للشعب أن يثق بها، وهي التي تشرف على الانتخابات الرئاسية وتنظمها، فإسقاط هذه الحكومة سيكون مجديا ومفيدا للشعب الجزائر، وتنصيب حكومة تكنوقراط جديدة من رحم الشعب الجزائري في مرحلة انتقالية، تكون مستقلة لتصريق الأعمال، وكذلك إقحام شخصيات وطنية ونزيهة من أجل المضي قدما إلى عهد جديد وجزائر جديدة.
من يخلف بوتفليقة؟
يرى عضو اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني أن صناديق الاقتراع فقط هي من تحدد الخليفة، ويقول: الحراك الشعبي أظهر شخصيات كثيرة، فهناك الأحزاب المعارضة والموالية معروفة، والحكم سيكون للصندوق، وهناك الكثير من الناس أبدوا رغبتهم بالترشح، وكان هناك مرشحين كثر في الانتخابات السابقة، وهناك وجوه بارزة مثل عبد الرزاق مقري، وعبد العزيز بلعيد، والجنرال المتقاعد علي خضيري، وكل إنسان تتوفر فيه الشروط يستطيع أن يخوض المعركة الانتخابية، والطريق مفتوح للجميع والصندوق هو الذي سيحكم.
ويتفق معه المحامي طارق مراح في هذا الأمر، ويؤكد: تتردد العديد من الأسماء، لكنها جميعا لم تكن في نقاش سياسي جدي، كبعض الحقوقيين مثل مصطفى بوشاشي، وأسماء أخرى تتردد هنا وهناك، والجزائريون جميعا مرتاحون لاستقالة بوتفليقة، والحكم في الأيام القادمة سيكون لصناديق الاقتراع.