باللباس التقليدي، والحُلى التراثية، والحناء السودانية الساحرة، نزلت المرأة السودانية إلى الشوارع تشارك في صناعة الحدث الأهم في تاريخ السودان.
تحولت المرأة إلى رمز للاحتجاجات التي تسود البلاد من ديسمبر الماضي، واحتلت المرأة السودانية صدر الصحف العالمية التي تحظى الاحتجاجات باهتمامها وهي تتحدث عن دورهن في هذا الحراك الشعبي.
مشاركة المرأة في هذا الاحتجاج يعني الكثير، بل هو أحد علامات نجاح هذه الحركة، فـ "تجارب كل الحركات التحريرية تشهد على أن نجاح ثورة (أية ثورة) يخضع لدرجة مساهمة النساء فيها"، هكذا لخص الزعيم الماركسي فلاديمير لينين، متحدثا عن دور المرأة الروسية في ثورة أكتوبر الاشتراكية.
خلال الأيام الماضية انتشرت مقاطع مصورة لناشطة سودانية في ثوبها الأبيض تهتف في جمع المتظاهرين، وتناقلت وسائل الإعلام العالمية صورة الفتاة، وكذلك تدوال العديد من وسائل التواصل الاجتماعي صورة الفتاة على نطاق واسع مصحوبة بكلمات تأييد للفتاة وللمرأة السودانية ودورها في الحراك.
المقاطع المصورة للفتاة السودانية أظهرتها وهي تغني بكلمات تراثية، صوتها عذب وصدقها كان واضحا في رد الفعل من الجماهير المحيطة بها، وانتشر بشكل واسع بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في السودان والعالم العربي وكذلك عالميا.
قال موقع "buzzfeed" الأمريكي إن الفتاة الرمز اسمها آلاء صلاح، وتبلغ 22 عاما، وتدرس الهندسة والعمارة في السودان.
ويصف موقع بازفييد صورة الفتاة، "تقف (الفتاة) فوق سيارة فوق بحر من الناس مع رفع ذراعها في الهواء، إشارة الإصبع نحو السماء. يمكن رؤية عشرات الأشخاص المحيطين بها وهم يسجلون اللحظة بهواتفهم". ويقول إنها تحولت إلى "رمز" لا يمكن للناس التوقف عن الحديث عنها.
الصورة الشهيرة للفتاة السودانية التقطتها المصورة المحلية لانا هارون، يوم الاثنين خلال اليوم الثالث من الاعتصام الجماعي خارج المجمع الرئاسي ومقر الجيش في العاصمة الخرطوم.
وضعت لانا الصورة على حسابها على "تويتر"، إلى جانب عدد كبير من الصورة المتعلقة بالحراك في السودان.
ونقلت شبكة "cnn" الأمريكية عن لانا قولها "عندما رأيت المرأة (آلاء) ركضت نحوها، والتقطت ثلاث أو أربع صور لها".
وتشير لانا إلى "إنها لا تملك كاميرا ، فقط هاتفها الذكي، لكن عندما شاهدت الصورة الوحيدة ظننت أنها مثالية وأظهرت ذلك لأصدقائي في الاعتصام".
وتسألت الشبكة الأمريكية عن السبب الذي حول صورة الفتاة السودانية إلى رمز للحراك في السودان، وربطت بين التفاعل الكبير الذي حدث مع المقطع المصور للفتاة، وصورتها الشهيرة، وبين ملابسها التقليدية وعفويتها في الغناء ورد فعل المحيطين بها من المتظاهرين.
تقول فتاة سودانية تدعى هند مكي، أن تفاصيل ملابس آلاء تجعل الصورة أكثر قوة، وأشارت إلى أن الثوب الأبيض الذي كانت ترتديه آلاء، والأقراط التي على شكل قمر في أذنها "كانت ترتديها لتكريم النساء العاملات".
وتضيف هند في تفسيرها لملابس آلاء أن الفستان التقليدي الذي كانت ترتديه آلاء هو "استرجاع للملابس التي كانت ترتديها أمهاتنا وجداتنا في السابق الذين قاتلوا من أجل نهاية الحكم العسكري الديكتاتوري في الماضي".
تقول المصورة لانا عن آلاء إنها "كانت تحاول إعطاء الجميع الأمل والطاقة الإيجابية وفعلت ذلك… كانت تمثل جميع النساء والفتيات السودانيات وألهمت كل امرأة وفتاة في الاعتصام. كانت تروي قصة النساء السودانيات… كانت مثالية".
وتتابع "لدينا صوت. يمكننا أن نقول ما نريد. نحن بحاجة إلى حياة أفضل والبقاء في مكان أفضل".
ووصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية الفتاة آلاء بـ"الملهمة" وصورتها بـ "المدهشة".
بينما قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن آلاء أصبحت رمزا للنساء المشاركات في المظاهرات بالسودان، وأعطت "صورة مذهلة للاحتجاجات".
انتشار صورة آلاء على مواقع التواصل الاجتماعي، شجع آخرين على نشر صور لمشاركة المرأة السودانية في الحراك الذي بدأ منذ أشهر. وانتشرت الكثير من صورة السودانيات وهن يشاركن في المظاهرات.
وتحدثت هيئة الإذاعة الألمانية "DW عربية" مع ناشطة سودانية تدعى هالة فقير عن دور المرأة السودانية في الحراك السوداني.
تقول هالة فقير: "الحراك الأخير قلب الكثير من الموازين حيث اعتدنا على أن المشاركين في أي تظاهرات أو نشاط سياسي في العادة هم أسماء ووجوه معروفة، ولكن منذ ديسمبر الماضي تشهد السودان حراكا واسعا ضد النظام الحاكم بمشاركة فئات مختلفة من المجتمع بما فيهم النساء".
وتضيف هالة: "استطاع النظام خلال الثلاثين عاما الماضية إقصاء المرأة من المجال العام، لكن هذا بدأ يذوب تدريجيا خلال الشهور الأخيرة حيث لم يعد من المُعيب لدى عدد كبير من الأُسر السودانية أن تشارك بناتها ونسائها في التظاهرات، حتى على المستوى الشخصي في نطاق أسرتي".
وتكرر ألاء في هتافاتها الغنائية جملة "حبوبتي كنداكة" عدة مرات، في إشارة إلى النساء السودانيات المشاركات في الاحتجاجات، ما جعل الجميع يسأل عن معنى كلمة "كنداكة"، وتشير عددا من المصادر السودانية إلى أن الكلمة تاريخيا كانت تطلق على الملكات النوبيات قديما، للإشارة إلى الجمع بين الجمال والكفاح من أجل الحقوق.