لماذا تختار الشعوب العربية الحكم العسكري على المدني

أعلن الجيش السوداني، على لسان وزير الدفاع، اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، والبدء في مرحلة انتقالية لمدة سنتين تحت قيادة مجلس عسكري، وكان قبل ذلك رئيس الأركان الجزائري قد دفع بالرئيس بوتفليقة للتنحي، وشهدت ليبيا انطلاق عملية عسكرية تحت قيادة المشير حفتر للسيطرة على البلاد.
Sputnik

لفتت هذه الأحداث جميعا الأنظار مرة أخرى إلى دور الجيش في السياسة العربية، منذ عهد الاستقلال والانقلابات العسكرية العديدة في عديد من الدول العربية، وإلى حكم العسكر في بعض الأنظمة والتي وإن تغيرت، يختار الشعب أن يدعم البديل من المؤسسة العسكرية نفسها.

الجيش يتولى زمام المبادرة

حول هذه القضية أجرت وكالة "سبوتنيك" اتصالا مع الدكتور عمرو أديب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نيجني نوفغورد الروسية، قال فيه: على مدى خمسين عاما، أصبح للجيوش دور قوي وقائد في الحياة السياسية في معظم الدول العربية، وأهم مثال على ذلك جيوش مصر وسوريا والجزائر، فهي تعتبر المؤسسات الأكثر التزاما بين مؤسسات الحكم، لأن القوانين والقواعد الصارمة تحكمها، ما يجعل منها اللاعب الأقوى داخل هذه الأنظمة.

ويضيف أديب:

لقد لعبت هذه الجيوش الدور الأهم في الفترة الأخيرة في المنطقة، بسبب وجود عناصر إفساد وتخريب غير وطنية داخل الاحتجاجات التي حدثت، تريد العبث باستقرار وأمن هذه الدول، لذلك ظهر دور المؤسسة العسكرية التي حافظت على أمن هذه الدول.

أما المحلل السياسي وفيق إبراهيم، وفي حديث مع "سبوتنيك"، فقد اعترف بأن السبب يعود إلى ضعف الأحزاب في البلاد العربية، وتابع: الجيش هو القوة الوحيدة التي تستطيع أن تتحرك، وهذا الأمر موجود منذ خمسينيات القرن الماضي، والسيناريو هذا يتكرر حتى اليوم، ويمكن إحصاء الكثير من الانقلابات العسكرية في البلدان العربية.

ويتابع إبراهيم: هذا يدل على أن الأحزاب السياسية العربية هي أحزاب سطحية، لا تستطيع قيادة تغيير اجتماعي فعلي، إنما فقط قادرة على إثارة الاضطرابات، والذي يمسك البلاد هي الجيوش فقط، كل التغييرات في العالم العربي يقف ورائها الجيوش، وهي تغييرات سلبية وليست إيجابية، والحال في البلاد العربية يقسم إلى نوعين، أنظمة ملكية مغطاة من الولايات المتحدة الأمريكية، والجيوش فيها لا تستطيع حراكا، أو جيوش في جمهوريات تسيطر على كافة مفاصل الحياة السياسية، وهذا يدل على أن النمو السياسي الفعلي في المجتمعات العربية غير موجود.

بدوره المحلل العسكري سمير راغب في لقاء مع "سبوتنيك" قال: الجيوش العربية هي التي قادت إلى مرحلة التحرر من الاستعمار، وبعدها دخلنا في مرحلة الصراع العربي الإسرائيلي، حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، كل هذا أتى في الوقت الذي كان يجب فيه على الدول العربية أن تشكل مؤسسات حقيقية، وعندها ظهرت الأزمات الاقتصادية كعائق لتكوين أحزاب حقيقية وأطياف سياسية ومجتمع مدني قادرة على تشكيل الوعي لدى المواطن، ما أدى لغياب الممارسة السياسية الحقيقية، وعندما يحدث فراغ في السلطة هناك مؤسسات تعمل، يكون الجيش هو الحل.

التاريخ يعيد نفسه

وبعد أن يخرج الجيش ضد حاكم من المؤسسة العسكرية، تمر البلاد بفترة من الاضطرابات قبل أن تعود وتختار رئيس من نفس المؤسسة، وعن ذلك يقول أستاذ العلاقات الدولية: التجارب الديمقراطية ليست قديمة في الدول العربية، والقوى والأحزاب السياسية وحتى الحكومات نفسها لا يملكون الخبرة الكافية في إدارة الأمور في أنظمة هذه المناطق، وخصوصا منطقة الشرق الأوسط، كونها منطقة خطيرة ودائما ما تشهد حوادث وحروب ونزاعات، وهنا يظهر الدور القوي للجيش، ومن هنا تظهر ثقة الشعب في الجيش، ويمكن القول أن الحالة الوحيدة التي لم يستطع فيها الجيش حماية الوطن هو ليبيا، لأنه كان قائم على أساس القبلية والكتائب البسيطة، وبسبب هذه نرى ليبيا اليوم مقسمة، وتعود مرة أخرى ليلعب الجيش دورا هاما في حفظ الأمن والاستقرار مع المشير حفتر.

أما المحلل اللبناني، وفيق إبراهيم، فيرى عكس ذلك، ويعترف بأن السبب هو اليأس، ويضيف: الشعب يحاول التحرك على الطريقة الغربية، ويصر على حكومة مدنية، ويتصارع مع المؤسسة الرافضة وهي الجيش، وبعد مدة يصاب باليأس، بمعنى أن لا قدرة له على إحداث التغيير، لأن الجيوش نفسها مغطاة من الغرب، وهذه الدول الغربية لا تريد بلدان عربية فعلية، بل تريد دولة عربية يحكمها الجيش، ويسيطر فيها على الناس، بينما يقوم الغرب باستثمار ثروات هذه البلدان.

بينما يرى العميد المصري بأن السبب يعود إلى قدرة الجيش على حماية البلاد، ويوضح: عندما يحصل فراغ في السلطة أو مرحلة انتقالية، المؤسسة الوحيدة التي قادرة على أن تتولى زمام الأمور هي الجيش، لأنها المؤسسة الوحيدة غير المسيسة، ومحترمة من قبل الجميع، كما أنها ضامنة لبقاء الدولة، ورأينا ذلك في مصر والجزائر والسودان.

الجيش والديمقراطية

بينما تخرج الجماهير للمطالبة بعزل الرئيس طلبا للديمقراطية، يتولى سدة الحكم أحد الضباط الكبار في الدولة، ويعود إلى السيناريو القديم من كبت للحريات وتسير البلاد وفقا للأنظمة التي تربى عليها، وعن هذه الحالة يقول الدكتور عمرو أديب: أن تحافظ على الأمن والأمان وعلى الحد الأدنى من الديمقراطية وحقوق الإنسان هي معادلة صعبة، ويمكن تحقيق هذه المعادلة بترك تسيير الأمور الداخلية للبلاد عن طريق القوى السياسية الموجودة في الداخل، أم أمن واستقرار البلاد فهو خط أحمر، يكون على عاتق الجيش القيام بحمايته، وحاليا في مصر يمكن القول أن تحقيق هذا الأمر قد تم بعض الشيء.

بينما يرى المحلل وفيق إبراهيم غير ذلك، ويعترف: لا يمكن أن يكون هذا أبدا، فالديمقراطية متناقضة مع المؤسسة العسكرية، ولا يوجد هناك بلد واحد في العالم وصل إلى الديمقراطية من خلال الجيوش، والثورات التي أوصلت البلاد إلى الديمقراطية أتت بشكل شعبي.

ويستدرك:

هذا لا يعني أن الجيش ضد الديمقراطية، بل الجيش مهمته الدفاع عن البلاد وتأمين الأمن الداخلي، وهذا ما تقوم به الجيوش في البلاد الديمقراطية، أم دورها في البلدان العربية فهو السيطرة على الناس.

أما الخبير العسكري، سمير راغب،  فيقول إن السبب هو استسلام الشعوب لدينا، ويوضح: في الغرب هناك مؤسسات ويستطيع أي شخص ان يحكم الدولة، سواء كان بخلفية عسكرية أو مدنية، ولا يؤثر في عمل المؤسسات، كما لا يؤثر في دور الجيش ومهمته المنوطة وفق الدستور، والأمر الهام هنا هو طبيعة الحكم في الدولة وليس في خلفية الحاكم، هل هذه الطبيعة مدنية، وهل هناك حريات وتكافؤ للفرص بين الجميع، فالشعوب في منطقتنا تسعى إلى التغيير بإرادة، لكنها تستسلم بعد ذلك، ولا تحاول صنع نخب جديدة، لذلك يأتي الجيش ويملئ هذا الفراغ.     

مناقشة