9 استقالات من البرلمان
قدّم يوم الثلاثاء 29 مايو/ أيار الجاري 9 نواب من مجموع 15 نائبا المكونين للجبهة الشعبية (ائتلاف سياسي يساري ذو توجه اشتراكي قومي يضم 11 حزبا و تتزعم المعارضة بـ15 مقعدا في البرلمان) استقالتهم من البرلمان على خلفية حرب داخلية اشتعلت بين قياداتها منذ ما يزيد عن العامين، أشعل فتيلها الخلاف الأخير حول مرشح الجبهة في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ففي الوقت الذي تتمسك فيه القوى المسيطرة على مجلس الأمناء بترشيح الناطق الرسمي للجبهة حمة الهمامي اعتبارا لقاعدته الشعبية، تصر الأطراف الأخرى وعلى رأسها حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد على اختيار القيادي والنائب بالبرلمان منجي الرحوي تطبيقا لمبدأ الديمقراطية والابتعاد عن عقلية الفردنة.
وشملت الاستقالات كلا من النائب زياد الأخضر وشفيق العيادي وهيكل بلقاسم ونزار عمامي وعبد المومن بالعانس ومنجي الرحوي وأيمن العلوي ومراد حمايدي وفتحي الشامخي. وفي حال قبول هذه الاستقالات التسع تفقد الجبهة الشعبية كتلتها البرلمانية لعدم بلوغ النصاب القانوني الذي ينص على وجوب توفر سبعة نواب وفقا للفصل 34 من الباب الخامس من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
خطوة اضطرارية
وعلق القيادي بالجبهة الشعبية منجي الرحوي في تصريح لـ"سبوتنيك" (المرشح المفترض لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) قائلا "قرار الاستقالة جاء على خلفية انسداد كل أبواب الحوار مع الكتلة البرلمانية رغم دعواتها المتتالية للناطق الرسمي بالتواصل".
وأضاف الرحوي "القرار الذي أقدمنا عليه والذي نعتبره في مستوى خطورة الأوضاع التي تعيشها الجبهة كان ترجمة لواقع متأزم فرضته بعض مكونات الجبهة التي سعت إلى الاستحواذ عليها باصرارها على اقصاء مكونات ومناضلين منها".
وشدد القيادي بالجبهة الشعبية على أن الخلاف القائم داخل مكونات الحزب يتعدى مسألة تحديد مرشح الجبهة الشعبية للانتخابات الرئاسية إلى مسائل تنظيمية تتعلق أساسا باتخاذ القرارات المحورية، معتبرا أن "من لا يريد تنظيم الجبهة الشعبية سياسيا لا يريد برامج حقيقية للشعب" وأن مسألة الهيكلة والتنظيم هي مسألة في صميم العملية السياسية.
ونبه الرحوي إلى ضرورة أن تبنى الجبهة كمشروع له برامج وهياكل ومناضلون يقع تشريكهم واستشارتهم في كل المحطات وأن "لا تقتصر على المحطات الانتخابية وذلك بغية تحقيق أهداف الثورة وليس أهداف شخصية".
من جانبه، اعتبر النائب بالبرلمان عن الجبهة الشعبية أيمن علوي لـ"سبوتنيك" أن الاستقالة كانت خطوة اضطرارية للخروج من الأزمة التي تعيشها الجبهة منذ فترة وأنهم مستعدون للتراجع عنها في حال حدوث اتفاق مع مجلس الأمناء.
وشدد علوي على أن المشكل الحقيقي في الجبهة يكمن في القيادة المركزية ممثلة في الناطق الرسمي حمة الهمامي وفي مجلس الأمناء وفي سوء التسيير والطريقة الأحادية المتبعة في اتخاذ القرار وعدم الإعتراف بالكتلة البرلمانية، نافيا أن يكون السبب الرئيسي لاستقالتهم هو الخلاف حول مرشحهم للانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، قائلا إن "هناك أطراف تحاول جاهدة الاستيلاء على الجبهة الشعبية والكتلة البرلمانية لتمرير قراراتها الأحادية".
ودعا النواب المستقيلون، خلال ندوة صحفية انعقدت أواخر الأسبوع الجاري، جميع مكونات الجبهة إلى التفاعل الإيجابي من أجل المساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة بتجاوز الأزمة الراهنة، من خلال انعقاد المجلس المركزي فورا وطرح المسائل العالقة على طاولة الحوار ومشاركة جميع مكونات الجبهة في ذلك، محملين الشق الآخر مسؤولية زلزال الاستقالات الذي ضرب الكتلة البرلمانية والذي سينعكس حتما على حظوظ الجبهة الشعبية في الاستحقاقين القادمين التشريعي والرئاسي.
ابتزاز سياسي
في المقابل يعتبر الشق المحسوب على الناطق الرسمي للجبهة الشعبية حمة الهمامي، والذي يقوده كل من حزب العمال، التيار الشعبي، رابطة اليسار العمالي، حزب الطليعة العربي الديمقراطي، حركة البعث، حزب الوطد الاشتراكي والحزب الشعبي للحرية والتقدم، أن قرار الاستقالة بمثابة ابتزاز سياسي للتشويش على قرارات مجلس الأمناء.
ويرى أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي في تصريح لـ"سبوتنيك" أن قرار الاستقالة أسهم في تصدع الجبهة الشعبية بشكل لم تعرفه الكتلة منذ خمس سنوات.
ويعتبر حمدي أنه لا توجد دواعي منطقية وراء هذه الاستقالات وأن الخلاف وقع نتيجة رفض مجلس الأمناء طلب جزء من الكتلة البرلمانية تشريكهم في النقاش وأخذ القرار، وهو ما يعتبره شق حمة الهمامي أمرا مرفوضا على اعتبار أن ذلك من صلاحيات أعضاء المجلس المركزي المنتخبين من الندوة الوطنية، والذين يحق لهم اتخاذ القرار بموجب النظام الداخلي للمجلس.
وتعليقا منه على تصريحات المستقيلين خلال الندوة الصحفية المنعقدة بتاريخ 30 مايو/ أيار الجاري، اعتبر زهير حمدي أن الحديث عن الاستبداد والخروج عن أسس الديمقراطية مجرد ذريعة لا أساس لها من الصحة.
وأكد حمدي على أنه منذ غياب المستقلين لم يقع إلى حد اليوم اتخاذ أي قرار يؤثر على الوضع القانوني أو السياسي للجبهة الشعبية رغم أنه لم يبق سوى شهر واحد على انتهاء الفترة النيابية.
وشدد حمدي على أن محاولة عدم الانضباط لرأي الأغلبية فيما يتعلق بقرار اختيار مرشح الجبهة للرئاسية هو ما يتنافى مع مبدأ الديمقراطية، مضيفا أن "مجلس الأمناء والناطق الرسمي على ذمة كل الإخوة والرفاق النواب في النقاش والتحاور، أما أن يكونوا هيكلا موازيا للمجلس فهذا أمر غير ممكن ولا نقدم هذه الصفة لأي كان"، معتبرا أن الشق الآخر مجرد امتداد للجبهة الشعبية داخل البرلمان.
ويضيف الأمين العام للتيار الشعبي أن النواب المستقيلين "استبطنوا نوعا من الإقصاء لأن ليس لديهم آلية لطرد بقية الأعضاء على غرار عمار عمروسية ومباركة عواينية وغيرهم"، محذرا من أن يكون هذا الإجراء تمهيدا لخطوة أخرى لإعادة انتاج كتلة جديدة والاستحواذ على هذا المكون السياسي.
خلاف قديم
الخلاف حول المرشح الرئاسي للجبهة الشعبية في الانتخابات الرئاسية القادمة وطريقة تقسيم الدوائر الانتخابية التشريعية، يبدو أنه الشجرة التي تخفي الغابة كما يعتقد ذلك أمين عام حزب التيار الشعبي زهير حمدي والذي أقرّ بوجود خلافات سابقة غير معلنة بين مكونات الجبهة. فالقضية برأيه مسألة سياسية بالأساس انطلقت منذ 2014 تاريخ أول استحقاق انتخابي تشارك فيه الجبهة، بعد تعمق الخلاف حول الشخصية التي ستدعمها الجبهة في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية التي حسم فيها الشعب بين مرشحين رئيسيين هما الباجي قائد السبسي ومحمد المنصف المرزوقي.
وفي الوقت الذي استقرت فيه مكونات الجبهة على البقاء موضع الحياد بدأت الانقسامات تدب داخلها حول تشكيل الحكومة الجديدة وإمكانية المشاركة فيها من عدمها، وصولا إلى الانتخابات البلدية في 06 مايو/أيار 2018 والتي تحصلت فيها القوائم المستقلة المختلفة على أعلى نسب من الأصوات ب 32.2 %، تليهم حركة النهضة ب28.6 % من الأصوات، ثم نداء تونس ب20.8 %. فيما لم تتحصل الجبهة الشعبية سوى على 3.95 % من الأصوات بما يعادل 261 مقعدا انتخابيا.
ويعتبر زهير حمدي أن ترشيح حمة الهمامي للرئاسية هو القطرة التي أفاضت كأس الخلافات، مؤكدا في الوقت نفسه أن اختيار الهمامي ليس اعتباطيا وإنما لأسباب موضوعية وأن على جميع مكونات الجبهة احترام رأي الأغلبية لأن هذا ما تقتضيه الديمقراطية.
وكان مجلس الأمناء العامين للجبهة الشعبية المنعقد بتاريخ 19 مارس/آذار 2019 حسم في قرار ترشيح حمة الهمامي في الانتخابات الرئاسية القادمة، مؤكدا في نص بيانه أن اجتماع الأمناء العامين هو الإطار المخول رسميا للبت في آلية الحسم في اختيار مرشح الجبهة في الانتخابات الرئاسية القادمة بناء على تفويض رسمي في الغرض من قبل المجلس المركزي للجبهة الشعبية بتاريخ 5 مارس/آذار 2019.