على الرغم من الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لإسرائيل، تؤرق هذه الإحصائيات صانعي القرار في إسرائيل، ويدفعهم إلى وضع المزيد من المخططات الاستيطانية، وتشجيع المواطنين الإسرائيلين على البقاء في القدس.
أسباب الهجرة من القدس
وحول الهجرة السلبية من القدس يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد رفيق عوض في حديث "لسبوتنيك": هناك ثلاثة أسباب تدفع الإسرائيليين إلى الهجرة من مدينة القدس، أولها أن المزاج المسيطر عليها هو المزاج المتدين (الحريدي) المتطرف، وبالتالي هناك هجرة علمانية إلى المدن المختلطة والعلمانية، حيث أن المتطرفون يسيطرون في القدس ويفرضون قوانين الشريعة والسبت وغيرها، وبالتالي ليس هناك حياة مدنية كالملاهي والنوادي.
ويتابع: ثاني هذه الأسباب أن المدينة تشهد الكثير من المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي مسرح من مسارح الاشتباك بين الطرفين، وبالتالي هناك نسبة عالية من الحوادث.
ويضيف: المسألة الأخرى هي الازدحام السكاني في المدينة، وهذا يؤثر على جودة الخدمات ونوعيتها، والمواطن الإسرائيلي يحب الراحة، لذلك يذهب إلى مدن أخرى ذات خدمات وبنية تحتية جيدة.
ويؤيد الأكاديمي الإسرائيلي والمحلل السياسي إيدي كوهين هذه الأسباب، ويقول: هناك عدة أسباب لهذه الهجرة، أول سبب هو أن العاصمة الإسرائيلية لا تحتوي على وسائل ترفيه، كنوادي ليلية للشباب، وهو بسبب المتدينين، ما يدفع بالشباب إلى الذهاب لتل أبيب، وثاني الأسباب بأن تل أبيب هو العاصمة الاقتصادية لإسرائيل، والسبب الثالث هو الاحتقان في العاصمة بين العرب واليهود وبين المتدينين وغير المتدينيين بالإضافة إلى الأقليات الأخرى، وهذه الأسباب تؤدي إلى خروج السكان من القدس.
الخوف في القدس
وحول أن يكون الخوف أحد الأسباب التي تدفع سكان القدس الإسرائيليين إلى مغادرة القدس، يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية أحمد عوض بأن الخوف سبب مهم في هذه الهجرة، ويكمل: في القدس بشطريها الغربي والشرقي نسبة عنف عالية، لأن الاحتلال أيضا يشدد قبضته على الفلسطينيين، وهي أحدى المساحات المتوترة جدا، لتجليات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث هناك الأماكن المقدسة ذات الرمزية العالية، لذلك هناك الكثير من الحوادث، ويمكن القول أن إسرائيل هي البلد الأقل أمانا.
فيما يقلل كوهين من أهمية هذا الأمر، ويرجعه إلى التسليط الإعلامي على الحوادث الأمنية في القدس، ويوضح: ما تراه في التلفزيون غير صحيح، نعم هناك طعن وهناك احتجاجات ومظاهرات، لكنها ليس كما يسوقها الإعلام العربي، حيث أنها ليست على مدار الـ24 ساعة، ويمكن القول أن هناك حالات وهناك بعض الخوف، لكن ليس بالشكل الذي يسوق له.
بناء مستوطنات جديدة
وعلى الرغم من هذه الإحصائيات فإن الحكومة الإسرائيلية تواصل بناء المستوطنات، وحول ذلك يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس: هذا جزء من الرؤية والمشروع الصهيوني، والاستيطان هو جزء من تكريس للاحتلال وفرضه، وإسرائيل تبني شقق فارغة ولا يسكن فيها أحد، وهي تخطط للمستقبل ولتغيير الديموغرافيا في البلد كله، وبالتالي الاستيطان لا علاقة له بمن يسكن هذه الشقق.
فيما أكد المحلل السياسي الإسرائيلي أن أمر المستوطنات غير مرتبط أبدا بالهجرة، ويتابع: بناء المستوطنات لا دخل له في الهجرة وليس هناك أي رابط بينهما، فالمستوطنات هي خارج القدس، وهذه المستوطنات هي لحماية القدس، وهي كأسوار للقدس.
عاصمة فارغة
وتشهد الإحصائيات تزايد مطردا في الأعداد التي تغادر القدس، وإن بقيت على هذه الوتيرة قد تصل في يوم إلى أن تكون نسبة الإسرائيلين قد تكون قليلة جدا، ويقول حول ذلك الخبير أحمد رفيق عوض: دائما الهاجس الديمغرافي عالي جدا، حيث أن نسبة الولادات قليلة، ونسبة الهجرة تتزايد عاما بعد عام، ونسبة العنف تزيد والأمن تنخفض، وبالتالي إسرائيل تتحول تدريجيا من أن تكون دولة جاذبة إلى دولة طاردة.
ويتابع: القدس لن تكون فارغة بهذا المعنى، لكن ذلك هو الهاجس الأكبر بالنسبة لإسرائيل، لذلك هي تشجع على التوالد ، وتعطي دعم للأولاد وتخفف من قروض السكن من أجل تشجيع النمو لليهود، والحكومة تقول إذا بقي الحال على ما هو عليه، فإن الديموغرافية ستنقلب وسيكون العرب أكثر من اليهود، وستتجه إسرائيل لأن تكون دولة أكثر عنصرية.
فيما يعتقد الأكاديمي كوهين بأن هذا الأمر غير ذي أهمية، ويضيف: هذا ليس مؤشر على شيء، وهناك الآلاف يدخلون يوميا إلى القدس، ويعملون هناك، بالإضافة إلى الفنادق التي ليست فارغة، ومع ذلك هذا الأمر يقلق المسؤولين في إسرائيل، لذلك يجب على الحكومة أن تستقطب الشباب وفتح نوادي ليلة وفتح فرص عمل وإقامة شركات في القدس، فالجميع يذهب إلى تل أبيب لهذه الأسباب.