أخطأ شخص قبل بضع سنوات وحسب آلة "إنيغما" الألمانية مجرد آلة كاتبة من عصر الحرب العالمية الثانية وقام ببيعها في سوق للسلع الرخيصة والمستعملة مقابل أجر زهيد، لكن لحسن الحظ، تم اكتشافها في نهاية المطاف وتم بيعها مقابل أموال كبيرة في مزاد بسبب قيمتها التاريخية، بحسب "تيكرانتش".
والآلة المعلنة في المزاد يوم 30 مايو/أيار من نوع "إم — 3 إنيغما" تبدو جديدة، لكن تحتاج إلى بطارية ومصباح واحد من أصل 26 وتعرض بسعر قدره 200 ألف دولار في مزادات "Nate D. Sanders"، وقد تم بيع الآلة من قبل بـ20 ألف دولار ويبدو أن قيمتها تزداد عبر الزمن.
وجهاز "إنيغما" هو جهاز إنشاء كودات ابتكره المهندس الكهربائي الألماني، آرثر شيربيوس، وتعتبر الآلة نواة لأول حاسوب من نوعه في العالم، إذ كان يحسب بسرعة هائلة الخيارات التي يجب استبعادها من قائمة الاحتمالات. وتعني "إنيغما" بترجمتها من الإنجليزية اللغز، أو شيئ غامض. ومظهرها يشبه آلة الطابعة القديمة، لكنها زودت بلوحة "مفاتيح ضوئية" فوق لوحة المفاتيح التقليدية بالإضافة إلى لوحة مآخذ يقوم بتغيير مشغل الآلة فتجبر العدو أن يبتكر آلة أخرى لخرق الشفرات، واستطاع النازيون التخاطب فيما بينهم بشرط أن يمتلكوا نفس الآلة فالأحرف الموجودة في الرسائل المبعوثة غير حقيقية والآلة تساعد على كشف الأحرف الحقيقية، فمثلا حينما تطبع حرف "ج" الوهمي تضيء المفاتيح حرف "ز" الصحيح، فالأبجدية المشفرة لم تكن مفهومة إلا لمالك هذه الآلة.
وتم إنشاء مئات نماذج للإنيغما واستخدمها الجيش النازي في أواخر العشرينات القرن الماضي، وأنتجت الآلة 103 سكستليون احتمال زوج لستة أحرف فقط وهذا يخلق العديد من النصوص المختلفة الممكنة غير قابلة للكسر.
وفي البداية اخترع المهندس هذه الآلة لحفظ سرية بيانات البنوك والشركات المالية في المراسلات، لكن قرر هتلر استخدامها للجيش النازي.
ولماوجهة الجيش النازي ومعرفة تحركاتهم ومخططاتهم تم تأسيس فريق في المدينة الإنجليزية بليتشلي بارك، عمل على اختراق أشهر شفرة في التاريخ الحديث لآلة "إنيغما"، وكان آلن تورينغ عالم الرياضيات الإنجليزي هو من ابتكر جهازا الذي اخترق شفرة "إنيغما" ويقال أن ذلك قصر الحرب العالمية الثانية لمدة عامين وسمى جهازه "فيكتوري" أي النصر.
وما ساعد الفريق الإنجليزي بالاشتراك مع علماء بولنديين، الذين أول من قاموا بفك شفرات الرسائل عام 1932، على اختراق الشفرة هو حقيقة أن النازيين كانوا ينهون كل رسالة بعبارة "يحيا هتلر" (Heil Hitler)، والعامل الآخر هو استخدام المتخاطبين نفس الشفرة الثلاثية (ثلاثة أحرف) لبرمجة الآلة كل مرة، فكان من يرسل الرسالة يختار حروفاً متتالية من الأبجدية كـ"أ — ب — ت"، فسهل فهم بعض الرسائل المشفرة، ونرى في يومنا هذا أن بعض المواقع ترفض الكلمات السرية التي تبدأ بالأحرف المتتالية لسهولة اختراقها.
وتم خرق شفرة الآلة في يناير/كانون الثاني عام 1940، لهذا تمكن الإنجليز من إرسال رسائل كاذبة إلى العدو، ادعوا فيها أن هناك عدد كبير من عناصر الجيش الإنجليزي في جنوب شرقي إنجلترا، ومئات الدبابات والطائرات والبواخر الحربية ستعبر القناة البحرية باتجاه أوروبا؛ حيث تتمركز قوات هتلر. ورغم أن قادة الجيوش الألمانية لم تصدق تلك الرسائل، فإن تلك الرسائل أثرت على استراتيجية هتلر.
وصدرت خلال الحرب، تعليمات للقوات النازية الألمانية بتدمير آلاتهم خشية أن يصادرهم الحلفاء، عندما انتهت الحرب، كما أصدر ونستون تشرشل مرسوما يقضي بتدمير أي إنيغما باقية، على هذا النحو، نجا حوالي 250 آلة فقط إلى يومنا هذا.
وتم صناعة آلة "إم — 4 إنيغما" عام 1941 للاستخدام في القيادة البحرية النازية في النرويج وكانت وسيلة التواصل الرئيسية بين السفن والغواصات الألمانية في معاركها بالأطلنطي.
كما استلهم مؤلف سلسلة "جيمس بوند" الشهيرة، إيان فليمنغ، أفكاره من هذه الآلة في رواياته الاستخباراتية.