رقم قياسي
رغم تواضع عدد المقبلين على التبرع بالأعضاء، أعادت عائلة تونسية في نهاية شهر أبريل المنقضي الأمل لكثيرين ممن يعانون من مرض القصور الكلوي في تونس بحياة طبيعية أخرى، بعد قبولها التبرع بأربعة أعضاء لابنها المتوفى دماغيا، وهو ما مكّن الفرق الطبية من اجراء أربع عمليات الأولى بقسم القلب والشرايين بمستشفى الرابطة (هيكل صحي عمومي يقع في قلب العاصمة) وهي أول عملية زرع قلب لمريض بعد الثورة كللت بالنجاح في الخامس والعشرين من أبريل. كما تمت زراعة كبد في المستشفى الجامعي المنجي سليم فضلا عن زراعة احدى الكليتين بالمستشفى العسكري والأخرى بالمستشفى الجامعي شارل نيكول.
نجاح طبي باهر كما يصفه عبد الرؤوف الدنقري رئيس قسم القلب والشرايين بمستشفى الرابطة، فتح المجال من جديد لعودة عمليات القلب في تونس بعد أن تعطلت على مدار سنوات.
ويقول الدنقري في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، إن العملية حققت نسبة نجاح قدرت بـ 100 بالمائة، وأن المريض تمكن من مغادرة المشفى في غضون 15 يوما من اجراء العملية وهو اليوم يعيش حياة سليمة.
ويضيف محدثنا أن العمل على إعادة عمليات زراعة القلب انطلق التخطيط له منذ عام تقريبا بالتنسيق مع المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء.
وكشف الدنقري أنه ومنذ نجاح هذه العملية النوعية، أجريت عمليتان أخريان الأولى في 25 مايو أيار المنقضي وأخرى في 16 يونيو حزيران الجاري، ليسجل بذلك نجاح 3 عمليات خلال أقل من شهرين.
ويؤكد محمد سامي المورالي رئيس قسم الكشوفات والإنعاش لأمراض القلب ورئيس اللجنة الطبية لمستشفى الرابطة، أنه ورغم تطور الأدوية من حيث النجاعة والجودة فإن عملية زراعة القلب تبقى الحل الأنجع لإنقاذ حياة المرضى ممن يعانون من القصور الكلوي، خاصة وأن نسبة الوفاة بهذا المرض تفوق 50 بالمائة.
ويضيف المورالي أن هناك طلبا متزايدا على زراعة القلب من المرضى الذين يعانون من مشاكل وضعف في عمل عضلة القلب، فقائمة الانتظار تعدّ اليوم ما يزيد عن 50 مريضا في حالات حرجة منهم من يفقد حياته، حسب قوله.
ورغم أن نسبة النجاح في عمليات زراعة القلب في تونس لا يمكن حصرها، فإن نسبة الربح تبقى دائما أكبر من الخسارة نظرا لأن هؤلاء المرضى ينتظرون موتا مبرمجا كما يصفه محدثنا.
ويتوقع المورالي بلوغ ما بين 8 و9 عمليات لزراعة القلب في مستشفى الرابطة لوحده إلى نهاية العام الجاري بمعدل عملية على الأقل في الشهر الواحد، مبينا أن الطلب يفوق ذلك بكثير.
وعن عملية اختيار المريض، يؤكد رئيس اللجنة الطبية أن القواعد المتبعة في ذلك صارمة جدا وتخضع لضوابط معينة تتعلق أساسا بأحقية العملية استنادا إلى الوضع الصحي للمرضى فضلا عن تطابق فصيلة الدم والسن وحتى البنية الجسدية.
التبرع ثقافة
يؤكد رئيس المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء الطاهر قرقاح، أن أول عملية لزراعة القلب أجريت في المستشفى العسكري بتونس العاصمة سنة 1993، ثم توقفت في 2008 لأسباب عدة تتعلق أساسا بالتراجع الحاد في حجم المتبرعين بالأعضاء نظرا لغياب الثقة في الهياكل الصحية العمومية خاصة مع تواتر الأخطاء الطبية والحوادث الصادمة التي رافقت عمل الأطباء بعد الثورة آخرها فاجعة وفاة 6 رضع بمستشفى التلاتلي في محافظة نابل (25 يونيو حزيران 2019) وقبلها بشهرين وفاة 14 من الولدان في مستشفى الرابطة بتونس العاصمة (9 آذار 2019).
ويضيف قرقاح أن ثقافة التبرع بالأعضاء ما تزال غائبة عن المجتمع التونسي لارتباط ذلك بعادات وتقاليد تنبذ المس بجسد الميت.
فوفقا لاستبيان علمي أجري مؤخرا، فإن نسبة القبول بالتبرع بالأعضاء في تونس بلغ نسبة 77 بالمائة. رقم ايجابي يقول قرقاح إنه لا يتطابق مع الواقع، فنسبة رفض التبرع تبلغ ما بين 80 و90 بالمائة.
وفي الآونة الأخيرة يبدو أن نسبة المقبلين على التبرع بدأت في الارتفاع ، وهو ما يرجعه قرقاح إلى الإستراتيجية التي اتبعها المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء عن طريق التحسيس بأهمية هذه البادرة الانسانية ومساهمتها في انقاذ حياة العديد ممن فقدوا أمل العيش من خلال مقاربة تشاركية مع جميع الأطراف المتدخلة في عملية الزرع، إلى جانب توفر الامكانيات اللازمة والإرادة الكافية للعودة إلى اجراء هذه العمليات التي تتطلب الكثير من الإمكانيات البشرية واللوجستية والمستلزمات الطبية والأدوية نظرا لكونها طبا فائق التطور.
ويؤكد محدثنا أن إجراء 3 عمليات لزراعة القلب في مدة وجيزة يعطي دفعا معنويا مشتركا من أجل السير في هذا المجال والسعي إلى تطويره خاصة مع تطور التقنيات الطبية وتوفر الخبرات التي مكنت أيضا من الترفيع في نسب نجاح عمليات زرع الأعضاء.
فإلى جانب زراعة القلب تمكن الأطباء في المستشفيات العمومية من إجراء 52 عملية زراعة كبد و1800 عملية زراعة كلى من متبرعين أحياء وآخرين في حالة موت دماغي، آخرها العملية التي أجريت في المستشفى الجامعي بالمرسى (شمال العاصمة تونس).
ولضمان شفافية العملية وحفاظا على العدالة في اختيار المرضى ومنعا للمتاجرة بالأعضاء يشرف المركز الوطني للنهوض بزراعة الأعضاء بشكل مباشر على جميع العمليات المتعلقة بأخذ أو نقل أو زرع الأعضاء في كامل تراب الجمهورية التونسية. ويحرص أيضا على التأكد من حالات الموت الدماغي سواء عن طريق اجراء تخطيط على الدماغ أو التشخيص بالمفراس.
وتتطلب عملية التبرع أيضا فحص السجل الطبي للتأكد من عدم وجود المتبرع في قائمة المعترضين، إلى جانب أخذ موافقة العائلة حسب الترتيب الذي ينص عليه القانون (الأبناء فالأب فالأم..).