بعد اجتماع الحكومة... هل تنعش "مصالحة الجبل" الاقتصاد اللبناني؟

يربط الخبراء دائمًا ما بين الأزمة الاقتصادية في لبنان والانقسام السياسي، ويقول هؤلاء إن تحسن الوضع مرهون بانفراجة سياسية ومصالحة مصحوبة بتدخل حكومي عاجل لحل الملفات العالقة.
Sputnik

يعاني اقتصاد لبنان من أوضاع صعبة، في ظل الأزمات المتتالية، التي كان آخرها خفض وكالة "موديز" تصنيف بيروت من درجة (B3) إلى (Caa1). 

وفاقم حادث تبادل إطلاق النار في منطقة جبل الشوف من الأوضاع الاقتصادية المتردية، خاصة بعد أن تسببت في شلل حكومي انقطع لقرابة شهر كامل.

واجتمعت الحكومة اللبنانية، السبت الماضي لأول مرة منذ أواخر يونيو بعد نجاح المصالحة الحكومية بين الزعيمين الدرزيين وليد جنبلاط وطلال أرسلان، الأمر الذي طرح تساؤلا مفاده: إلى أي مدى قد تسهم هذه المصالحة في إيقاف نزيف الاقتصاد اللبناني؟".

الحريري في واشنطن لمنع انهيار الوضعين السياسي والاقتصادي في لبنان
السياسة مرآة الاقتصاد

رياض عيسى، الناشط المدني والمحلل السياسي اللبناني، قال إن "الأزمة التي حدثت بين القيادات الدرزية تسببت منذ اليوم الأول في شلل تام بأداء الحكومة".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "رئيس الوزراء سعد الحريري تعامل مع هذه الأزمة بإيجابية، وتمكن بشكل فعال في تهدئة الأوضاع، قبل أن تعمق الشرخ داخل الحكومة، ونجح في عقد مصالحة سياسية".

وأكد أن "توقيت المصالحة هام وحساس بشكل كبير، وخطوة إيجابية تركت ارتياحًا لدى الشارع، وإلا كانت ستؤدي إلى مزيد من زعزعة الثقة في لبنان".

وبشأن علاقة المصالحة بتحسن الاقتصاد، أشار المحلل السياسي اللبناني إلى أن "الاقتصاد اللبناني مرتبط بشكل كبير بالأوضاع السياسية، فكلما تمكنت الحكومة من نزع فتيل أي إشكال سياسي بالدولة، يؤدي بدوره إلى تعزيز الثقة في لبنان واقتصادها".

وتابع: "مجرد أن حدثت هذه الفتنة قام السائحون بإلغاء حجوزاتهم للسفر، فأي مشكلة صغيرة في لبنان تترك أثرًا سلبيًا على السياحة والاقتصاد، وكذلك الخدمات".

ومضى قائلًا: "بمجرد فتح أبواب الحوار بين اللبنانيين، ويصاحبه تهدئة إعلامية، يتحسن وضع الاقتصاد وترتفع قيمة الليرة اللبنانية، أما في حال اندلعت مزيد من المشاحنات والأزمات يتأثر الاقتصاد سلبيًا".

وزير الاقتصاد يكشف لـ"سبوتنيك" حقيقة الوضع الاقتصادي في لبنان
واقع اقتصادي

الدكتور عماد عكوش، خبير مالي واقتصادي لبناني، قال إن "الواقع الاقتصادي يعاني من جوانب متعددة، منها السياسي والاقتصادي والنقدي، وكذلك الإصلاح ومحاربة الفساد".

وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "السياسة لا تقتصر فيها المشاكل على حل أزمة بين زعيمين درزيين، المشكلة بالأساس موجودة بين التيارات السياسية جميعها، وكلها تتصارع على الحصص التي يمكن أن تتحصل عليها من الحكومة، من خلال التعيينات والصفقات التي تتم".

وتابع: "ليست السياسة فقط من تؤثر على الاقتصادي اللبناني، فهناك مشكلات أخرى أهمها الدين العام، والذي يتفاقم حتى وصل إلى 150%، إذا ما احتسبنا بعض الديون التي لم يتم إدراجها ضمن الدين العام، مثل دين الضمان وبعض التعهدات التي أجيزت في الدولة".

مشكلات مستمرة

ومضى قائلًا: "هناك مشكلة أخرى وهي عدم الالتزام بالموازنات السابقة، فلبنان لا يلتزم بالموازنات التي وضعها لنفسه، بل كان العجز أكثر من المتوقع بالموازنة كما حدث في عام 2018".

كما يعاني الاقتصاد اللبناني – والكلام لايزال على لسان عكوش- من تصنيف وكالات التصنيف العالمية، ولبنان ينتظر تصنيف وكالة ستاندر أند بورز يوم 23 أغسطس المقبل، ويتوقع الجميع أن يكون سيئًا".

واستطرد الاقتصادي اللبناني قائلًا: "اليوم نحن على أعتاب نهاية 2019، والأرقام تدل على عدم إمكانية الالتزام بموازنة هذا العام، ولدينا أيضا مشكلة أخرى وهي استخدام القروض في مشروعات استهلاكية، بدلا من استهلاكها بالشكل الذي يكبر الاقتصاد".

وأنهى حديثه قائلًا: "بالإضافة إلى هذه المشكلات، الجانب النقدي يؤثر بشكل أساسي في هذا الملف، خصوصا وأن مصرف لبنان يصر على تثبيت سعر الصرف منذ عام 1996، ما فاقم الأزمة الاقتصادية بسبب كلفة التثبت والتي تخطت حاجز الـ 2 مليار دولار سنويًا".

قرارات مفيدة

وقال المحلل الاقتصادي اللبناني زياد ناصر الدين، في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، إن "لبنان يعاني من مشكلة اقتصادية بموانع سياسية كبيرة، تمنع أن يكون هناك حلول تساعد الدولة على تحسين تصنيفها".

الحريري يعلن انتهاء الأزمة السياسية في لبنان
وأضاف أن "المشكلة في لبنان سياسية ذات ارتدادات اقتصادية، وعلى الموانع السياسية أن تتوقف، كي تستعيد الدولة قرارها".

وأشار إلى أن "اجتماع مجلس الوزراء سيساهم في وضع حد لنزيف الاقتصاد، عن طريق اتخاذ قرارات عاجلة ومفيدة".

 انفراجة سياسية

وعقد الزعيمان الدرزيان اللبنانيان وليد جنبلاط وطلال أرسلان الجمعة اجتماع مصالحة وضع حدا لأزمة سياسية التي اندلعت بعد تبادل لإطلاق نار في منطقة جبل الشوف، وتسبب في شلل حكومي يفاقم من الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.

وقال رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إنه وعلى إثر المصالحة ستعقد الحكومة السبت اجتماعها الأول منذ أسابيع.

وارتفعت السندات الحكومية اللبنانية المقومة بالدولار الجمعة الماضية بعد تقارير عن اجتماع لزعماء البلاد بهدف مصالحة بين السياسيين الدرزيين.

وصرح الحريري في تصريحات بثها التلفزيون "المصالحة صارت وإن شاء الله من اليوم وصاعدا يكون في صفحة جديدة ونتعاون كلنا جميعا لمصلحة البلد ولمصلحة المواطن اللبناني".

وجاءت كلمة رئيس الوزراء اللبناني بعد اجتماع بين كبار المسؤولين لمناقشة الوضع الاقتصادي في البلاد.

وقال الحريري إن المجتمعين اتفقوا على "إقرار موازنة 2020 في مواعيدها الدستورية، والالتزام بتطبيق دقيق لموازنة 2019" التي تم إقرارها الشهر الماضي.

قرارات اقتصادية

وترأس الاجتماع الرئيس ميشال عون وحضره الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري إضافة إلى وزراء المالية والاقتصاد والتجارة وحاكم مصرف لبنان المركزي.

وأشار الحريري إلى أن المجتمعين أكدوا "التزامهم الواضح باستمرار الحفاظ على استقرار سعر صرف الليرة والاستقرار الائتماني".

في تصنيف "ستاندر أند بورز" المنتظر... هل يهبط اقتصاد لبنان إلى مرحلة الخردة؟
وتابع أنهم اتقفوا أيضا على وضع خطة تفصيلية للمباشرة بإطلاق المشاريع الاستثمارية التي قررها مجلس النواب بقيمة 3,3 مليار دولار بالإضافة إلى تمويل مشروع وعد به مانحون أجانب في مؤتمر باريس العام الماضي.

وقال إنهم وافقوا أيضا على الالتزام بالتطبيق الكامل لخطة الكهرباء الباهظة في لبنان والتي كانت المساهم الرئيسي في الدين العام في البلاد، كما أكدوا على إقرار جملة القوانين الإصلاحية، لا سيما المناقصات العامة والتهرب الضريبي وغيرها.

وتسعى حكومة الحريري التي تواجه أحد أعلى مستويات الدين العام سنويا والتي تقدر بحوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى خفض العجز المالي السنوي وتعزيز الاقتصاد.

وكانت مواجهة قد اندلعت بين حزبي جنبلاط وأرسلان تطورت إلى إطلاق نار في جبل الشوف في 30 يونيو/حزيران قتل فيها مساعدان للوزير بالحكومة صالح الغريب الحليف لأرسلان.

ونظرا لتمثيل الطرفين في حكومة الحريري، لم تتمكن الحكومة من الاجتماع، مما عقد الجهود المبذولة لإجراء إصلاحات تشتد الحاجة إليها لتوجيه البلاد بعيدا عن الأزمة المالية.

وأعلن الغريب أن حادث إطلاق النار محاولة اغتيال اتهم حلفاؤه حزب جنبلاط بالمسؤولية عنها. فيما قال حزب جنبلاط إن هذا كان ردا على إطلاق نار بدأه المرافقون لغريب وأسفر عن إصابة اثنين من أنصار جنبلاط.

واختلف الجانبان بشأن المحكمة التي ينبغي أن تنظر القضية. لكن الحريري قال إن الحادثة "باتت في عهدة القضاء العسكري الذي يتولى التحقيق في ظروفها وملابساتها، وذلك استنادا إلى القوانين والأنظمة المرعية الإجراء. وفي ضوء نتائج التحقيقات، يتخذ مجلس الوزراء القرار المناسب".

مناقشة