قضية إسراء أثارت جدلا واسعا عبر الشبكات الاجتماعية، لتعيد تسليط الضوء على "جرائم الشرف" في البلدان العربية وتعديل القوانين في هذه البلدان لحماية النساء المعنفات.
ماذا حدث لإسراء؟
تعود بداية القصة عندما توفيت فتاة تدعى إسراء ناصر غريب (21 عاما) من بلدة بيت ساحور قضاء بيت لحم، في فلسطين، قيل إنها فارقت الحياة إثر تعرضها لنوبة قلبية، لكن هناك روايتين للوفاة.
الأولى، إن أخاها قتلها عمدا بعد تعذيبها وذلك اعتمادا على مقطع فيديو ومعلومات متداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتسن لـ"سبوتنيك" التحقق من صحتها بشكل مستقل.
والثانية، تقول إن الوفاة طبيعية إثر اضطرابات عقلية، إذ أصدرت عائلة الشابة بيانا نشر على عدد من المواقع الفلسطينية نفت فيه الاتهامات التي يتم تناقلها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ووصفوها بـ "الشائعات المغرضة".
فيما قال محمد صافي، زوج شقيقة إسراء، في مقطع فيديو عبر موقع "فيسبوك" إن السبب الرئيسي في وفاة اسراء هو إصابتها بجلطة دماغية مجهولة السبب، متهما المواقع والصفحات التي تداولت فيديو صرخات إسراء بعدم المصداقية.
وأضاف صافي، إن:
"هذه الصفحات والمواقع استقت الأخبار من صفحة تابعة لأشخاص مجهولين، مشيرا إلى أنهم قدموا شكوى رسمية على هذه الصفحات".
وفيما يتعلق بالتسجيل الصوتي الذي انتشر على الشبكات الاجتماعي والذي يظهر به صوت صراخ إسراء، أوضح صافي، أن وزارة الصحة الفلسطينية هي من تتحمل مسؤوليته.
وقال إن التسجيل الصوتي صدر في أول يوم باتت فيه إسراء في مستشفى الحسين، حيث أنها منقولة من الجمعية العربية؛ بسبب وجود كسر في العمود الفقري.
"كلنا إسراء غريب"
أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغ #كلنا_إسراء_غريب وآخر #إسراء_غريب، للتضامن مع الفتاة، وسرعان ما تصدر الوسمان موقع "تويتر" في عدد من الدول العربية.
وعبر الكثيرون عن غضبهم منددين بما حدث لإسراء ومطالبين بسن قوانين تحمي النساء في البلدان العربية، فكتب وائل منصور: "صراخ إسراء في المستشفى كسر ضلوعي.. اللهم عليك بهم، يارب ما يضيع حقها، اسكنها فسيح جناتك، الله حق.. الله هيجيب حقها".
وقال محمد آل جاسم التميمي: "نطالب بالعدالة ونطالب بحماية صديقاتها من أظهروا الحق ووثقوا الموضوع وتثبتوا لأنهم الآن مُستهدفين من قبل أناس مرضى لا يوقفهم لا دين ولا عقل ولا مرجله".
في حين غرد "جليل" بالقول: "ولكي أكون واضحا، إسراء خرجت مع خطيبها ومع شقيق لها وبعلم والدتها. ولكن، حتى لو خرجت مع حبيب، وبدون علم أحد، أيضا. ستبقى إنسانة ليس من حق أحد أن يمسّ شعرة من رأسها. دم الإنسان مبدأ إلهي، لا يخضع لتعريفكم القذر للشرف ولا غيرو، للدم حرمة".
وكان للفنانين والمشاهير العرب ظهورا لافتا عبر الوسم، إذ كتبت المطربة اللبنانية نانسي عجرم: "الشرف مش بالقتل.. الشرف مش بالضرب والتعذيب والتعنيف. كلنا إسراء غريب واليوم وبأعلى صوت العدالة لازم تتحقق والقاتل لازم يتعاقب ويتحساب.. هو وحده المجرم مش البنت اللي حبِّت وراحت تشوف خطيبها".
بينما كتبت المطربة اللبنانية، إليسا: "ما في شي بيبرر القتل. ما شي أبدا أبدا أبدا. والشرف منو معلق بالبنت وحياتها الخاصة، خلصنا رجعية. بس الأسوأ من القاتل هوي اللي بيبررلو أو بيقلو كنت ربيها عا جنب بدل ما تبهدل العيلة بالسمعة. القاتل هوي السمعة السيئة، مش البنت اللي بتحب".
"إسراء قضية مجتمع"
لاحقا، أصدرت النيابة العامة الفلسطينية في مدينة بيت لحم بيانا حول القضية، قالت فيه إن "التحقيقات ما زالت جارية، وإن تقرير الطب الشرعي لم يصدر بعد"، موضحة أنها "باشرت بإجراءات التحقيق بوفاة اسراء، عقب ورود بلاغ من الشرطة يفيد بوصول جثة الفتاة إلى مستشفى بيت جالا الحكومي"، وفقا لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وأشارت النيابة في بيانها الذي نشرته الجمعة إلى أنها أجرت الكشف الظاهري على الجثمان، وصدر قرار بإحالته للطب الشرعي لإجراء الصفة التشريحية عليه، كما باشرت سماع إفادات الشهود وجمع الأدلة والبينات الأولية والتحقيق وفقا للوقائع والملابسات.
وصلت الضجة المُثارة حول القضية إلى رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، الذي بدوره علق الوفاة الغامضة، قائلا إن "قضيتها أصبحت قضية مجتمع"، مؤكدا على "الشعور بنبض الشارع تجاه هذه القضية، والالتزام الكامل بأحكام القانون الفلسطيني وسرية التحقيقات وعدم الاستعجال في إطلاق الأحكام المسبقة، وذلك احتراما لروح الفقيدة ومشاعر ذويها".
كما كان للقضية صدى دولي، إذ طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان السلطة الفلسطينية بفتح تحقيق جدي وفوري لكشف ملابسات وفاة إسراء وما يثار حول قتلها على خلفية "قضايا الشرف".
وقال المرصد ومقره جنيف في بيان صدر الجمعة، إنه رصد منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى تعرض إسراء لحالة تعنيف شديد من أسرتها، مشيرا إلى أن صورا لها منشورة بالإنترنت تؤكد ذلك.
ونقل المرصد عن إحدى صديقات إسراء قولها: "قد تكون إسراء فارقت الحياة أثناء محاولتها الهرب من العنف الذي تعرضت له حين قفزت من منزلها، لكن ثمة من أوقف قلبها بالاعتداء عليها والتحريض عليها منذ فترة طويلة".
تبع ذلك، وقفة احتجاجية في ساحة المهد ببيت لحم اليوم للمطالبة بالكشف عن تفاصيل قضية وفاة إسراء.
"تقدم كبير في التحقيق واعتقالات"
أعلنت النيابة العامة الفلسطينية، الخميس 5 سبتمبر/أيلول، توقيف 3 أشخاص على خلفية وفاة إسراء غريب، وقالت النيابة في بيانها إن "التحقيقات ما زالت مستمرة من قبل فريق التحقيق المشكل من نيابة بيت لحم ونيابة حماية الأسرة من العنف ونيابة الجرائم الإلكترونية".
وشددت على أنه "تم إنجاز تقدم كبير في التحقيق، حيث تم سماع العشرات من الشهود وتدوين أقوال كل الأشخاص الذين تربطهم صلة بالمرحومة، خاصة الذين رأت النيابة إمكانية الاستفادة من أقوالهم وشهاداتهم".
وأعلنت النيابة "توقيف 3 أشخاص على خلفية واقعة الوفاة، للوقوف على حقيقة ما جرى خلال الأشهر الماضية من أحداث مع المرحومة إسراء غريب، وما تبعه من إصابات تعرضت لها وحتى إعلان وفاتها".
ويوم الأربعاء، تظاهر مئات الفلسطينيين في الضفة الغربية، من جديد للمطالبة بالحماية القانونية للنساء على خلفية وفاة إسراء غريب، رافعين لافتات، كتب عليها "كلنا إسراء" و"جسدي ملك لي" و "لا أحتاج رقابتك.. ولايتك.. رعايتك.. شرفك".
ووفقا للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ومنظمات أخرى، فقد لاقت 18 فلسطينية على الأقل حتفهن هذا العام على أيدي أفراد أسرهن، الأمر الذي تسلط عليه قضية إسراء غريب الأضواء.
يذكر أنه في مايو/ أيار عام 2014، أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، مرسوما ألغى بموجبه العذر المخفف لقضايا القتل على خلفية الشرف بعدما كان قانون العقوبات المعمول به في الأراضي الفلسطينية، الذي يعود إلى عام 1960، يمنح عذرا مخففا لمن أقدم على قتل امرأة بدواعي الدفاع عن الشرف.