الأمومة المجمدة... ما الذي يدفع الفتيات إلى التفكير في حفظ البويضات

كان تصريح الفتاة المصرية ريم مهنا، كحجر كبير ألقي في بركة من المياه، وأثار حوله الكثير من الجدل...إذ كشفت عن إجرائها عملية نزع بويضات من جسدها وتجميدها لفترة معينة.
Sputnik

الإفتاء المصرية تعلن الرأي الشرعي في عملية "تجميد البويضات"
نشرت ريم مقطع فيديو أعلنت فيه خضوعها لعملية تجميد للبويضات، وقالت إن السبب في ذلك هو قناعتها التامة بأنها لن تكون مهيأة للزواج قبل أن تتم الـ30، وأنها لا تعلم تحديدًا الفترة التي ستتزوج فيها، وأنها تنتظر ظهور شريك حياة مناسب ولو بعد سن الأربعين، ولذلك اتخذت هذا القرار.

تأخير فكرة الزواج في العالم العربي بات موضوع سجال في الأوساط الاجتماعية، مع زيادة التعقيدات والالتزامات، لكن يبدو أن الفكرة تطورت إلى من ليست لديهم أسباب مادية تمنعهم من الارتباط بشريك الحياة.

ما قامت به الفتاة المصرية، ريم مهنا، التي خضعت لعملية تجميد البويضات، حتى ظهور زوج مناسب لها، بعد سن الثلاثين، أو حتى بعد الأربعين، أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد إعلانها أنها مضت في إجراء العملية التي تتم عبر الحقن ثم سحب البويضات ووضعها في الثلاجة لمدة تصل إلى 20 عاما.

الفكرة قد تبدو مثيرة، إذ كيف يمكن أن تبقى بويضة المرأة حية طوال هذه المدة، ثم بعد ذلك تزرع من جديد في رحم المرأة لتبدأ حياتها كجنين بعد إخصابها.

تلك العملية شرحها لـ"سبوتنيك" استشاري الصحة الإنجابية، الدكتور رؤوف رشدي، في لقائه مع برنامج "أضواء وأصداء" على "راديو سبوتنيك" مؤكداً في البداية أنه "لا توجد مخاطر  حقيقية من عملية تجميد البويضات بقدر المخاطر الطبيعية لأي جراحات من هذا النوع".

وأوضح رشدي أن العملية في البداية تحتاج إلى أن تأخذ الحالة دفعة تنشيطية  لإحداث تبويض بكميات أكبر، ثم يتم التقاط البويضات تحت تأثير مخدر عام عن طريق المهبل أو البطن أو الشرج.

"ولكن ماذا بعد التقاط البويضات وتجميدها، وكم من الوقت يمكن الاحتفاظ بتلك البويضات وحتى أي سن للمرأة يمكن استعادتها؟".. تلك هي الأسئلة التي أجاب عنها الدكتور رؤوف رشدي وقال إنه لا توجد سن معينة حتى تستعيد المرأة بويضاتها ففي أي سن يمكنها استعادتها بعد تخصيبها.

لكنه أشار في الوقت ذاته إلى وجود جزء قانوني في هذه النقطة وهو أن الفتاة يجب أن تحضر إلى المستشفى بعقد زواج موثق قانونيا لتخصيب هذه البويضات بعد فك تجميدها ثم تُخصب من الزوج ويتم نقلها كأجنة داخل جسد المرأة.

وعن فترة بقاء البويضات دون تعرضها لأي ضرر، أوضح أنه لا يمكن الحكم قطعيا بهذا لأنها تجربة تعتبر حديثة في تاريخ البشرية، وهناك مدد وصلت من 5 إلى 7 سنوات وفي مصر تقترب المدد من 3 و4 سنوات، ولكن على المستوى التخيلي قد يصل هذا إلى عشرات السنوات مع تقدير أسلوب التجميد.

سؤال آخر يطرح نفسه في هذا الموضوع وهو "من التي تفكر في هذا النوع من العمليات ما هي الأسباب؟"..

الأسباب بحسب ما أكد إخصائي الصحة الإنجابية تتلخص في "الحالة الاجتماعية والمادية التي تؤدي إلى تأجيل الزواج، وأيضاً تعرض الفتاة لعلاج كيميائي أو إشعاعي يمنعها من الإنجاب، ولذلك تلجأ إلى التقاط البويضات قبل بدء العلاج".

بعيداً عن الجانب الطبي لعملية تجميد البويضات، أثارت قصة الفتاة المصرية ريم مهنا جدلاً على المستوى الاجتماعي، إذ استغرب البعض العملية، بينما رفضها البعض الآخر، وهناك من رأى أنها مفيدة للمرأة في بعض الأحيان.

أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الاردنية، ميساء الرواشدة، ترى أن المجتمع العربي يعاني من مشكلات اجتماعية واقتصادية ساهمت في دفع متوسط سن الزواج إلى أن أصبح 29 عاماً للإناث و35 عاماً للشباب، ما يعد ارتفاعا ملحوظا حيث كانت سن الزواج في السابق في العشرينات.

وقالت إن "المشكلات الاقتصادية والاجتماعية متداخلة ومترابطة وأغلب أسبابها الفقر والبطالة المنتشر بين صفوف الشباب في العالم العربي والتي تؤخر من إقدامهم على فكرة الزواج بسبب المسؤوليات المادية المترتبة على العلاقة الزوجية".

وفي رأي أستاذ علم الاجتماع فإن فكرة تجميد البويضات "فكرة ذكية تمنح المرأة فرصة أن تكون أم حتى في سن متقدمة، ومع ارتفاع متوسط عمر الزواج قد تكون فكرة تجميد البويضات الحل المناسب حتى تحظى المرأة بفرصة الأمومة كأي امرأة كانت الفرصة سانحة لها أن تتزوج في سن صغيرة".

وتوقعت الرواشدة انتشار فكرة تجميد البويضات في العالم العربي، وخصوصاً عندما تكون التكلفة المادية المترتبة عليها أقل.

وعن قبول الفكرة اجتماعيا أوضحت أنه "عادة مما تحدث تغيرات في المجتمعات والتغير الاجتماعي يحتاج إلى وقت وعادة التغير الاجتماعي الذي يستغرق وقت أطول يكون أكثر استقرارا وديمومة".

وأن "المشكلة المترتبة على تجميد البويضات تتعلق بالتربية والتنشئة الاجتماعية ما بين الآباء والأطفال".

في المجتمعات العربية تأخذ مثل هذا القضايا بعداً دينياً مهماً، إذ ترتبط عادات الزواج والإنجاب بشكل وثيق بالعقائد الدينية في تلك المجتمعات، ولذلك أثارت قضية الفتاة المصرية جدلاً دينياً يكاد يفوق الجدل العلمي والاجتماعي، وهو الأمر الذي دفع دار الإفتاء في مصر إلى التعليق سريعاً على الموضوع.

وأعلنت دار الإفتاء المصرية، بشكل واضح أن عملية تجميد البويضات "جائزة، وليس فيها محظور شرعي إذا ما تمت وفق ضوابط معينة".

وأوضحت الدار في أحدث فتاواها، أن عملية تجميد البويضات تعتبر من التطورات العلمية الجديدة في مجال الإنجاب الصناعي، ما يتيح للزوجين فيما بعد أن يكررا عملية الإخصاب عند الحاجة، وذلك دون إعادة عملية تحفيز المبيض لإنتاج بويضات أخرى".

لكن دار الإفتاء المصرية وضعت عدة ضوابط شرعية يجب مراعاتها عند عملية تجميد البويضات، وهي: أن تتم عملية التخصيب بين زوجين، وأن يتم استخراج البويضة واستدخالها بعد التخصيب في المرأة أثناء قيام علاقة الزوجية بينها وبين صاحب الحيوان المنوي، ولا يجوز ذلك بعد انفصام عرى الزوجية بين الرجل والمرأة بوفاة أو طلاق أو غيرهما.

كما أكدت ضرورة حفظ اللقاحات المخصبة بشكل آمن تمامًا تحت رقابة مشددة، بما يمنع ويحول دون اختلاطها عمدًا أو سهوًا بغيرها من اللقائح المحفوظة.

أما الشرط الثالث الذ وضعته دار الإفتاء المصرية فهو "ألا يتم وضع اللقيحة في رَحِمٍ أجنبيةٍ غير رحم صاحبة البويضة الملقحة لا تبرعًا ولا بمعاوضة"، بينما ذكرت الفتوى الضابط الرابع وهو "ألا يكون لعملية تجميد البويضة آثار جانبية سلبية على الجنين نتيجة تأثر اللقائح بالعوامل المختلفة التي قد تتعرض لها في حال الحفظ، كحدوث التشوهات الخِلقية، أو التأخر العقلي فيما بعد".

وكيل وزارة الأوقاف المصرية الأسبق، سالم عبد الجليل، كان له رأي مختلف إذ قال لـ"سبوتنيك" إن "موضوع تأخير الزواج أو تعديله لم يعد يمثل خيارا للشاب أو الفتاة بل أصبح مسألة مفروضة عل الطرفين"، مؤكدا أن "السبب الرئيسي لذلك مادي بحت وكل الأسباب الأخرى هي أسباب فرعية يمكن أن تتلاشى تمام أو لا ينظر إليها".

وأشار إلى أن "الظروف التي يمكن تأجيل الزواج بسببها قليلة جدا ومنها أن يكون الشاب يهوى السفر والرحلات أو من تكون لها الرغبة في استكمال دراستها العليا لكنها نسب ضئيلة لا تذكر في المجتمعات".

وعلق عبد الجليل على الفتاة التي خرجت وأعلنت عن تجميد بويضاتها بسبب التأخر في الزواج أو الخوف بأنها تبلغ سنا لا تستطيع معه الإنجاب، وقال إن "الواقع الذي لا بد أن نلتفت إليه أن الشريعة الإسلامية نؤمن بأن الإنجاب قدر بحت وأن السبب الوحيد للإنجاب هو الزواج وإلا فالأمر قدري لا يتعلق بأسباب أخرى سوى أن تكون طبية يمكن علاجها من عدمه".

وأكد على أنه "ليس ضد العلم فعملي كخبير في مركز الدراسات السكانية سابقا زمن خلال الخبرة نعلم أن التدخل الطبي في عملية التبويض أو التلقيح الصناعي نسبته ضئيلة جدا لا تتجاوز 20 في المئة فمن باب أولى عدم تجميد البويضات لاستعمالها لهذا الأمر وبهذا الشكل".

ولفت إلى أن "الحُرمة تأتي من كونها عملية لم تجرب كثيرا ونسبة نجاحها ضئيلة جدا والأمر الآخر هو كيفية الحفاظ على البويضات مع تأمين أنها لا تختلط مع بويضات أخرى وهي مسألة في غاية الصعوبة ما يبرز إشكاليات كثيرة من اختلاط الأنساب وما شابه ذلك بالتالي نحكم على المسألة بالتحريم لما يترتب عليها من اختلاط الأنساب".

مناقشة