بيانات الإدانة العربية خرجت من فلسطين والأردن، ومرت بمعظم البلدان العربية وما زالت مستمرة، بيد أن التحرك الفعلي على الأرض لم يبدأ بعد، فالتطورات الأخيرة طرحت تساؤلات عدة مفاداها: كيف سيرد الأردن وفلسطين على تصريحات نتنياهو، وهل يمكن لتلك الدول إلغاء أو تجميد اتفاق السلام مع إسرائيل؟.
وبرغم تأكيد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني لـ"سبوتنيك" إمكانية وقف العمل باتفاقية السلام مع إسرائيل، استبعد مراقبون أردنيون وفلسطينيون الأمر، مؤكدين أن الردود لن تكون بتلك الحدة، رغم خطورة الموقف.
تهديدات نتنياهو
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، إن إسرائيل لن تعود أبدا دولة على عرض عدة كيلومترات وغور الأردن سيبقى تحت سيادتها إلى الأبد.
وأضاف نتنياهو:
أعلن عن نيتي مع تشكيل الحكومة المقبلة فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت.
وتابع قائلا "أسعى إلى بسط السيادة الإسرائيلية على جزء كبير من المستوطنات بالتنسيق مع الولايات المتحدة، علينا أن نصل إلى حدود ثابتة لدولة إسرائيل لضمان عدم تحول الضفة الغربية إلى قطاع غزة".
وفي وقت سابق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إنه يعتزم ضم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، لكنه لم يقدم إطارا زمنيا في تكرار لتعهد انتخابي قطعه قبل خمسة أشهر.
وذكر نتنياهو، في كلمة من مستوطنة الكانا بالضفة الغربية المحتلة حيث حضر مراسم افتتاح مدرسة، "بعون الله، سنمد السيادة اليهودية على جميع المستوطنات كجزء من أرض إسرائيل كجزء من دولة إسرائيل".
نواب الأردن: هكذا سيكون الرد
نضال الطعاني، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، قال إن "اليمين الإسرائيلي المتطرف وعلى رأسه بنيامين نتنياهو، يحاول دائمًا تصدير أزمته الداخلية إلى الخارج، فيصيب بها دول الجوار، سواء بشكل عسكري أو استفزازي، كان آخرها إعلانه ضم غور الأردن ومنطقة البحر الميت".
وأضاف في تصريحات خاصة لـ "سبوتنيك"، أن "تصريحات نتنياهو لا تخرج عن كونها استفزازات وحرب انتخابية، تأتي في ظل ما يواجه اليمين المتطرف من مشكلات، ما دفعه إلى زيادة وتيرة استفزازه في الفترة الأخيرة، عبر قرارات كثيرة، من بينها ضم الجولان السورية، ويهودية الدولة، والأونروا، وانتشار سرطان المستوطنات الإسرائيلية، وغيرها".
وأكد الطعاني، أن "هذه الاستفزازات الإسرائيلية تعترض عملية السلام، خصوصا في ظل وجود طروحات للسلام الاقتصادي، والتي لا يمكن أن تتم بعيدة عن السلام السياسي"، مشيرًا إلى أن "التصريحات الأخيرة تؤرق عملية السلم".
وأشار رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأردني، إلى أن "هناك بنود تضبط عملية السلام القائمة بين الأردن وإسرائيلة، وتحددها ولا يمكن الخروج عنها".
وبسؤاله عن الرد الأردني في حال نفذ نتنياهو تهديده، أجاب بالقول: "الأردن يملك عدة طرق للرد على استفزازات نتنياهو، تبدأ من تجميد عملية السلام، وتنتهي بإنهاء اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين".
تصعيد خطير
من جانبها قالت الدكتورة نادية سعد الدين، الكاتبة الأردنية والباحثة في العلوم السياسية، إن "الأردن أكد على موقفه الثابت من إدانته ورفضه لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بشأن تعهده بضم جزء من الضفة الغربية المحتلة، وفرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الأردن، كما الدول العربية، يعتبر التصريحات الإسرائيلية تصعيدًا خطيرًا، ومن شاها تدمير عملية السلام، مثلما تقوّض حل الدولتين، وقد تدفع المنطقة بأسرها نحو مزيد من العنف".
وتابعت: "قد يلجأ الأردن الرسمي إلى التعبير عن غضبه ورفضه لتلك التصريحات عبر القنوات الدبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي، فضلًا عن المشاركة في أي اجتماع، على المستويين العربي والإسلامي، ينعقد لهذا الخصوص".
وبشأن إمكانية إلغاء الأردن للاتفاقيات بين الدولتين، قال: "من المستبعد، بل من المستحيل، أن يتجه الأردن نحو إلغاء المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية، عام 1994، أو التهديد بتجميدها".
ومضت قائلة "إذا كانت تصريحات نتنياهو تأتي قبل أسبوع تقريبًا من إجراء الانتخابات الإسرائيلية، المقررة في 17 من الشهر الجاري، بما قد يوحي للبعض أنها تدخل في إطار المزايدات الانتخابية، إلا أنها تعكس المنظور الإسرائيلي الحقيقي من الكيان الفلسطيني القادم، الذي لا يخرج بالنسبة إليه عن حكم ذاتي محدود، معنيّ بالشؤون السكانية، خلا الأمن والسيادة الموكولتين للاحتلال".
وأنها حديثها قائلة إن "الجزء المقتطع من الضفة الغربية الذي تحدث عنه نتنياهو في خطابه الخطير يستهدف، فعليا زهاء 62% من مساحتها الإجمالية، والمسماة "ج"، وفق تصنيف "اتفاق أوسلو"، وهي تعدّ من أغناها، بما تحويه من إمكانيات استثمارية وطبيعية واقتصادية، بينما يقع 90% من غور الأردن ضمنها، والذي يشكل "الظهير" الاستراتيجي للكيان الإسرائيلي، بما يصعب على الاحتلال التخلي عنه في أي مسار تفاوضي قادم يؤسسّ لاتفاق قد يتم التوصل إليه لاحقا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".
رؤية فلسطينية
من الجانب الفلسطيني، قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القدس والأقصى والقيادي بحركة فتح، إن "تصريحات نتنياهو المتطرفة بشأن غور الأردن والبحر الميت، وهي أجزاء أساسية من الضفة الغربية، تعد تحديًا كبيرًا لكل العملية السياسية، والقرارات الدولية".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "حديث نتنياهو جاء لتشجيع الناخب الإسرائيلي على انتخابه، بعد أن شعر أن انتخابات سبتمبر القادمة ستلقى نفس مصير انتخابات ابريل، وأنه لن يستطيع تشكل الحكومة".
وأكد أن "حديث نتنياهو في ضم مناطق من الضفة الغربية، وأن هناك دعمًا كاملًا من إدارة ترامب، تعطي صورة كاملة عن هذه الحكومة اليمينية المتطرفة التي يقودها، وأيضا مدى عداء الإدارة الأمريكية للعرب بشكل عام، وفلسطين بشكل خاص".
وبشأن الرد الفلسطيني، قال إن "بيانات كثيرة خرجت من كل القوى الفلسطينية والسلطة، لإدانة هذه التصريحات لم تدخل حيز التنفيذ، سوى حركة حماس والتي أطلقت صواريخها أمس، وأوصلت رسالتها لنتنياهو".
وتابع: "ما صدر من بيانات فلسطينية، يعطي دلالة أن السلطة تهدد ولا تنفذ، فهناك قرارات صدرت منذ 2015 من المجلس المركزي الفلسطيني، بوقف التعامل مع الاحتلال بما فيه التنسيق الأمني، وقبل شهر تحدث أبومازن عن الانفكاك من الاحتلال ووقف كل أشكال التعاون، وشكل لجنة لدراسة الأمر، لكن لم نسمع أنها اجتمعت".
وأشار القيادي في حركة فتح إلى أن "القيادة الفلسطينية لا تستطيع في الوقت الجالي تنفيذ أي من تهديداتها، لأنها تدرك أنه في حال تم وقف التنسيق الأمني، سيكون هناك ضرر على علاقاتهم وتحركاتهم، لذلك لا نعتقد أن تصدر قرارات من السلطة ضد نتنياهو، لكنها ستنتظر الانتخابات".
كل استطلاعات الرأي في إسرائيل – والكلام لايزال على لسان الرقب- تؤكد أن سيناريو انتخابات أبريل سيتكرر، والسلطة تحاول ألا تدخل في صراع كبير قد يدفع إلى انهيارها.
ومضى قائلًا "أخشى أن نتنياهو يدخل في حرب مفتوحة على غزة أو لبنان ليهرب من الانتخابات، التي لو خسرها سيذهب إلى السجن ليحاكم على ملفات الفساد التي ارتكبها".
إدانات مستمرة
أدانت الرئاسة الفلسطينية تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعزمه فرض السيادة الإسرائيلية على غور الأردن ومنطقة شمال البحر الميت.
وأكدت الرئاسة الفلسطينية أنه في حال تم تنفيذ هذه الخطة، ستنتهي كل الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
وأعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إدانته لإعلان نتنياهو، واعتبره تصعيدا خطيرا ينسف الأسس التي قامت عليها العملية السلمية ويدفع المنطقة برمتها نحو العنف وتأجيج الصراع".
وبحسب البيان، أكد الصفدي أن "إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي واعتبره خرقا فاضحا للقانون الدولي وتوظيفا انتخابيا سيكون ثمنه قتل العملية السلمية وتقويض حق المنطقة وشعوبها في تحقيق السلام".
قال رئيس مجلس النواب الأردني، عاطف الطراونه، إن اتفاقية السلام مع إسرائيل على المحك بعد تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول نيته ضم غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات.
وقالت جامعة الدول العربية إن خطة نتنياهو ستنتهك القانون الدولي و"تقوض" أسس السلام.
كما أدانت السعودية الإعلان، ووصفته بأنه "تصعيد خطير للغاية"، ودعت إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، البالغ عددها 57 دولة.
ووصف وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، تعهد نتنياهو بأنه "عنصري"، وانتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي لأنه "يبعث رسائل غير شرعية وغير قانونية وعدوانية" قبيل الانتخابات.
وجدد الاتحاد الأوروبي، تأكيده على رفض سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، مؤكدا أنه لن يعترف بأية تغييرات على حدود ما قبل عام 1967.
ويخوض نتنياهو انتخابات جديدة للكنيست، في 17 سبتمبر/ أيلول الجاري، وإذا تمكن من الفوز فيها فسيحاول تشكيل ائتلاف حاكم مرة أخرى.
تشكل منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت حوالي ثلث الضفة الغربية.
وفرضت إسرائيل سيطرتها على الضفة الغربية، إلى جانب القدس الشرقية وغزة ومرتفعات الجولان السورية، في حرب يونيو/ حزيران عام 1967. وأعلنت ضم القدس الشرقية رسميا عام 1980، ومرتفعات الجولان في عام 1981.
ويمثل مصير الضفة الغربية أحد أهم جوانب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فقد قامت إسرائيل ببناء حوالي 140 مستوطنة هناك وفي القدس الشرقية، وهو ما يفتقر للشرعية بموجب القانون الدولي، رغم أن إسرائيل تعارض ذلك.