يعد الأردن واحدًا من أكثر البلدان التي تعاني الفقر المائي، الأمر الذي انعكس سلبًا على مناحي الحياة في البلاد، وأثر على قطاعات الدولة المهمة، خاصة الزراعية، والصناعية".
بينما تحصل إسرائيل على حصة الأسد من نهر الأردن الذي يمر عبر الأردن وسوريا ولبنان، فلا تتجاوز حصة عمان 1 % من هذه المياه، وتشير الدراسات إلى حصول الأردن على خمسين مليون متر مكعب فقط من الماء سنويا.
ومؤخرًا حذرت وزارة المياه والري الأردنية من التحديات المائية المتزايدة، لافتة إلى أن شح المياه وقلة المصادر المائية وعدم القدرة على الوصول للمياه في جميع المناطق، تمثل أهم تلك التحديات في المملكة.
تتفاقم أزمة المياه في الأردن بسبب التغير المناخي، فخلال العقود الماضية ازداد الطلب على المياه مع نمو سكاني كبير بسبب موجات اللاجئين من حروب المنطقة.
كما انحدر منسوب نهر الأردن بشكل كبير، ويأتي ارتفاع معدلات الحرارة وانخفاض معدلات تساقط الأمطار ليفاقم المشكلة.
وتقول وزارة المياه والري الأردنية أن هناك اعتداءات وسرقة مياه متكررة، من حصص مياه الشرب، لتستغل في سقاية مزروعات مخالفة، وتعبئة برك كبيرة من خلال شبكات مياه مخالفة.
وقبل ذلك، قام مجهولون باعتداء على خط "الديسي"، تسبب في كسره وتسرّب المياه، وتسبب ذلك في تخفيض حصص المياه المخصصة للعاصمة الأردنية عمان، وعدد من المحافظات.
ومنذ يونيو/ حزیران 2013، تم ردم 1151 بئرا مخالفة، وضبط نحو نصف مليون اعتداء على خطوط میاه رئیسة، بينها 190 ألف اعتداء على قناة الملك عبد الله، وحجز 71 حفارة مخالفة.
كميات مياه شحيحة
الدكتور إلياس سلامة خبير وأستاذ علوم المياه في الجامعة الأردنية، قال إن "معظم المناطق في الأردن يصل ضخ المياه للمستهلكين لأغراض الشرب إلى 36 ساعة أسبوعيًا، تخزن المياه في خزانات منزلية، ويتم استخدامها في الأيام التالية للضخ".
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "الأردن يعاني من شح مائي، ولا يوجد كميات مياه كافية نستطيع من خلالها الحفاظ على المياه في كل الشبكات حول بمناطق الأردن، لذلك نضخ لأجزاء من المدينة كل 36 ساعة، وهكذا على مدار العام".
وتابع: "بعض المناطق النائية، وغير النائية أيضا تشهد ارتباكًا في الضخ، لا يحصلون على المياه في المواعيد المحددة أو للفترة نفسها، بسبب الحوادث أو أي عوامل أخرى تظهر بشكل طارئ".
ومضى قائلًا "تحلية المياه مشروع يحتاج إلى طاقات هائلة، واستثمار ضخم، وبناء شبكات إضافية، والأردن يفكر جديًا في تحلية المياه بالعجبة لضخها في مناطق مختلفة بالأردن".
أهم الحلول
من جانبها قالت الدكتورة، غيداء العبداللات، الباحثة الأردنية في مجال المياه والبيئة، إن "مياه الأردن أصبحت شحيحة، وباتت من ضمن مخاوف الأردنيين، خاصة وأنها تأتي لكل منطقة في وقت محدد لا يزيد عن 24 ساعة".
وأضافت في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن "المواطنين الأردنيين يهمتمون بشكل كبير جدًا بمشاكل المياه، من حيث التزويد وترشيد الاستهلاك".
وتابعت: "الأردن من الدول المعروفة بشح المصادر المائية السطحية والجوفية، وحاليا العديد من الآبار المياه الجوفية التي تعد المصدر الريئسي للمياه تعاني من مشاكل التملح نتيجة الضخ الجائر والتعدي بحفر الآبار المخالفة، بالإضافة إلى مشاكل مرتبطة بأمن المنطقة والاعتداءات على المصادر المائية".
وعن الحلول المطلوبة لمواجهة شح المياه في الأردن، قالت الباحثة الأردنية، إن "هناك حلولا معمول بها حاليًا مثل إعادة استخدام المياه العادمة، وحلولًا أخرى لابد من التفكير فيها مثل تحلية المياه، وتحديد اتفاقية المياه المشتركة بين الأردن وسوريا وإسرائيل، بحيث تزيد حصة الأردن كحق وطني بالتساوي مع الدول المجاورة، إضافة إلى استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة من نظام الري ونوع النباتات".
وقالت إن "البحر الميت هو الآخر يواجه شحًا كبيرًا في المياه، ويحتاج إلى حلول سريعة كي لا يجف، منها ضخ المياه من البحر الأحمر، واستخدام قناة البحرين".
وتقول تقارير بيئية، إن منسوب مياه البحر الميت ينخفض بمعدل متر ونصف سنويا، وقد تقلصت مساحته بنسبه 35 في المئة، خلال 4 عقود.
والبحر الذي يتوسط وادي الأردن تبلغ مساحته نحو 550 كليو مترا، ويصل عرضه في أقصى حد إلى نحو 17 كيلومترا، ويصل طوله لـ70 كيلومترا، وينخفض عن مستوى سطح البحر بنحو 400 متر.
وبدأت حفر كبيرة في الظهور بالسنوات الأخيرة في البحر الميت، وتسبب هذه الحفر في تسرب كميات إضافية من مياه البحر، ويرجع خبراء هذه الحفر إلى تركيبة التربة الضعيفة في المنطقة.
وبحسب خبراء، يعود سبب هذا التراجع إلى عوامل بشرية وطبيعية، مثل قيام إسرائيل بتحويل مياه نهر الأردن إلى صحراء النقب في الجنوب مما قلل من موارد البحر المائية التي تصب فيه.
وفي هذا السياق قال الدكتور حازم الناصر، رئيس ومؤسس منتدى الشرق الوسط للمياه، وزير المياه والزراعة الأردني سابقا، إن "البحر الميت عبارة عن بحيرة مغلقة تصلها المياه بشكل رئيسي من نهر الأردن وروافده الأخرى الموجودة في دول الحوض مثل لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، بالإضافة إلى إسرائيل، ونتيجة لتحويل مياه نهر الأردن من قبل إسرائيل عام 1964، وما قامت به دول الحوض الأخرى من تطوير لمصادر المياه وبناء السدود وخاصة سوريا والأردن، فان المياه الجارية باتجاه البحر الميت أصبحت قليلة جدًا".
وأضاف في تصريحات سابقة لـ "سبوتنيك"، أن "الجريان التاريخي باتجاه البحر الميت قبل تحويل مياهه من قبل إسرائيل وتطوير المصادر الأخرى بلغ حوالي 1,3 مليار متر مكعب سنويا، في حين أن الجريان الحالي لا يتجاوز 0,2 مليار متر مكعب في أفضل السنيين الماطرة".
وتابع: "هذا الوضع أدى إلى هبوط مستمر في سطح البحر الميت وبحوالي المتر سنويا وبمجموع بلغ لغاية تاريخه حوالي 35 م، أي أن سطح البحر الميت قد هبط من حوالي -395 تحت سطح البحر عام 1964 إلى -430 في الوقت الحالي".
وعن المحاولات الأردنية السابقة في هذا الإطار، قال الدكتور حازم الناصر، إن "الأردن عمل جادًا خلال السنوات الماضية لتنفيذ ما يسمى بمشروع ناقل البحرين وهو مشروع بيئي ومائي كبير والذي يهدف إلى المحافظة على بيئة البحر الميت من النضوب، وذلك من خلال جلب مياه إضافية من البحر الأحمر".
الأردن وإسرائيل
وبهدف منع تقلص مساحة البحر الميت، وقعت فلسطين والأردن وإسرائيل اتفاقاً عام 2013 لربط البحرين الأحمر والميت عبر قناة مائية، وإقامة مجمع لتحلية المياه شمال مدينة العقبة الأردنية.
وبموجب الاتفاق، ستتم تحلية مياه البحر الأحمر وتوزيعها بين الأردن وإسرائيل وفلسطين، ونقل المياه المالحة في أعقاب عملية التحلية عبر قناة يصل طولها إلى 200 كم إلى البحر الميت لإنقاذه من الانحسار وانخفاض مستوى المياه فيه.
وتتعهد إسرائيل بموجب الاتفاق بتزويد الأردن أيضا بكميات إضافية (50 مليون متر مكعب) من مياه بحيرة طبريا. لكن المشروع لا يزال في مرحلة الدراسات وطرح العطاءات.
جاء هذا الاتفاق بعدما صدرت دراسات عن البنك الدولي تشير إلى أن وصل البحرين الميت والأحمر ببعضهما بشكل مباشر، سيؤدي إلى نتائج كارثية وسيغيّر التركيبة الكيميائية والفيزيائية للبحر الميت بسبب خلط مياهه بمياه البحر الأحمر.