الصور التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي لجنة أصابت الجميع بالصدمة، طفلة لم تتجاوز عامها الخامس بعد، ملقاه على سرير في مستشفى وتحيطها الأجهزة الطبية من كل جانب، ما الذي فعل بها هذا؟ ولماذا؟ وكيف؟ أسئلة كثيرة أعادت طرح القضية الأهم والأخطر المعروفة بـ"العنف ضد الأطفال".
الأرقام الرسمية بحسب، المجلس القومي للطفولة، تتحدث عن تلقيه بلاغات بممارسة العنف ضد أكثر من 11 ألف حالة في العشرة شهور الأولى من 2019، منهم الطفلة جنة.
ما هي قصة جنة؟
القصة بدأت بنشر صورة طفلة ملقاة على سرير في أحد المسشفيات في محافظة الدقهلية، (شمال شرقي القاهرة)، ثم انتشرت الصورة بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تكشفت بعض ملامحها، لتكتب الصحافة في مصر أن أهالي قرية بساط كريم الدين بالدقهلية سمعوا صراخ طفلة بشكل هستيري داخل منزلها، وبعد دخولهم إليها فوجئوا بآثار تعذيب على جسدها، فنقلوها إلى المستشفى.
وكانت المفاجأة أن الطفلة ضحية عملية تعذيب قامت بها جدتها لأمها، وأنها (الطفلة جنة) في حالة خطر، وتكشف أنها ليست الضحية الوحيدة إذ ترقد شقيقتها أماني التي تبلغ من العمر ست سنوات هي الأخرى في أحد المستشفيات وتعاني تقريبا من نفس التعذيب لكنه بصورة أقل بشاعة.
بعد نقل جنة إلى المستشفى ظلت أيام تصارع الموت إلا أنها هُزمت في النهاية وفارقت الحياة، بينما تتلقى شقيقتها العلاج في أحد المستشفيات.
صدمة في التقرير الطبي
كشف التقرير الطبي للطفلة جنة، عن طبيعة الإصابات التي تعاني منها الطفلة، فجاء الوصف مؤلما وموجعا، إذ جاء فيه أن الطفلة أصيبت بجلطة بالطرف السفلي، وسحجات واعتداء بالظهر والبطن، ونتيجة لكسر في ساقها لم تعالج منه أصيبت بغرغرينة أدت إلى ضرورة بتر القدم.
وجاء بتقرير الطب الشرعي المتعلق بسبب وفاة جنة أنه "بالانتقال لمشرحة مستشفى المنصورة الدولي لفحص جثة المجني عليها جنة تبين أن سبب الوفاة حروق نارية بالجسم أدت إلى حدوث صدمة تسممية بالدم وهبوط حاد بالدورة الدموية والتنفسية والوفاة".
وأثبت الأطباء الشرعيين إصابة شقيقتها بحروق نارية من الدرجتين الأولى والثانية بمواضع عفتها وكدمات بأنحاء مختلفة من جسدها نتيجة ضربها بمواد صلبة واعترفت الجدة بضربهما وحرقهما باستخدام أدوات صلبة بزعم تربيتهما.
الأقارب متهمون بتعذيب الأطفال
يقول صبري عثمان، مدير عام خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة بمصر، في حديث مع "سبوتنيك"، إن خط نجدة الطفل تلقى من 1يناير /كانون الثاني، وحتى نهاية سبتمبر/أيلول، 11924 شكوى ضد الأطفال عنف، من بينهم 4240 بلاغا عنف تجاه الأطفال بمراحله المختلفة بما يمثل نسبة 35%، بينهم 2793 من بلاغات العنف في محيط الأسرة، أي أن الطفل تعرض للعنف من أفراد الأسرة.
في قضية جنة اتهمت النيابة العامة المصرية الجدة بتعذيب الطفلتلين جنة وأماني، وأمر النائب العام بإحالة الجدة إلى محكمة الجنايات بشكل عاجل، وأمرت النيابة، أمس الأحد، بإخلاء سبيل 5 من المتهمين بتعذيب الطفلة، ونفت النيابة ما تردد على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الطفلة وأختها تعرضتا لاعتداء جنسي على يد خالهما.
القومي للطفولة: تعذب جنة جريمة شروع في قتل
يقول صبري عثمان مدير عام خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للطفولة والأمومة بمصر، إن الخط تلقى شكوى في 24سبتمبر/أيلول، بحق الطفلة جنة التي يتعدى عمرها 5 سنوات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، ونقلت للمستشفى المركزي بالمحافظة، ومن ثم إلى مستشفى المنصورة الدولية.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، الطفلة كانت تعاني من التعذيب والحروق بمناطق حساسة من الجسد، وإصابات بالقدم اليسرى أدت إلى بترها، ثم فارقت الحياة إثر تدهور حالتها الصحية.
وأشار عثمان إلى أن المجلس أبلغ النيابة العامة بالتحقيق باعتبارها "جريمة شروع في قتل".
وشدد على أن القومي للطفولة يسعى بكل السبل لعدم تكرار الواقعة مرة أخرى مع شقيقتها أماني، وأن اللجنة العامة بمحافظة الدقهلية واللجنة الفرعية أجروا بحثا للاسرتين الأم والأب، حيث أكد التقرير أن الأسرتين "الأم والأب" لا يصلحا لبقاء الطفلة أماني لديهم، وأنه طبقا للقانون للمادة 99 مكرر من قانون الطفل طلبنا إيداعها بإحدى دور الرعايا، وبناء على الطلب المقدم للنيابة العامة أصدرت قرارها بإيداع الطفلة إحدى دور الرعايا.
تعذيب الأطفال في مصر ليس ظاهرة
وبحسب بيانات المسح السكانى الصحى على مستوى مصر كلها، والذى أجرته وزارة الصحة المصرية عام 2014، فإن 93 % من الأطفال في مصر تعرضوا لأحد الأساليب العنيفة لضبط السلوك من قبل والديهم أو مقدمى الرعاية لهم والتى تشمل العنف النفسى والبدنى، كما تعرض 78 % من البنين والبنات للعقاب البدنى، كما تعرض 79 % في أفقر مستوى لمؤشر الثروة لأساليب ضبط سلوك بدنية مقارنة بـ71 % من الأطفال في أغنى مستوى.
ويرى عثمان أنه على الرغم من الأرقام التي تتحدث عن العنف ضد الأطفال في مصر إلا أنها ليست بظاهرة في مصر وتمثل حالات فردية.
وتابع: "للأسف من بين وقائع العنف التي تقع على الأطفال العنف الجنسي صبية وفتيات يتعرضون لهتك عرض من بين أفراد الأسرة، وهو ما شدد المجلس على ضرورة تشديد الرقابة والعقاب".
وتعليقا على ذلك يقول الدكتور سعيد صالح أستاذ علم الاجتماع، إن جرائم العنف الأسري منتشرة في جميع المجتمعات، وغالبا ما تكون نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمر بها هؤلاء الأشخاص.
وأضاف صادق، في حديث مع موقع "بوابة الأهرام" الإلكترونية، "المجرم ينفث عن فقره وجهله ومشكلاته النفسية في الأطفال، وهناك الكثير من القضايا البشعة غير المعروفة، نظرًا لثقافة العار التي تمنع البعض من الإبلاغ على مثل هذه الجرائم".
ما هي أبرز المحافظات التي ينتشر فيها العنف ضد الأطفال
في 2005 أطلق المجلس القومى للأمومة والطفولة ما أطلق عليه "خط نجدة الطفل" لإنقاذ الأطفال من كل صور وأشكال العنف الموجه ضدهم، وهو خط مجاني يقدم الخدمة على مستوى الجمهورية من خلال التعاون بين المجلس القومى للطفولة والأمومة ومكاتب المحافظين وتقديم الخدمات اللازمة لـ 29 محافظة بالإضافة لدور المجتمع المدنى " الجمعيات الأهلية " من خلال تعاون الجمعيات الأهلية مع خط النجدة.
وفي دراسة لمنظمة "يونيسيف" كشفت أن ثلثى الأطفال من 13 لـ17 عاماً في محافظات القاهرة والإسكندرية وأسيوط تعرضوا للعنف الجسدى، و78% من إجمالى الأطفال ضحايا للعنف النفسى، كما أن البالغين في كثير من الأحيان يعتبرون العنف مقبولاً كوسيلة للتربية، ويعتبره 50% من الآباء و35% من المعلمين مهما في بعض المواقف.
وأشارت الدراسة إلى أن الأعداد الكبيرة من ضحايا ختان الإناث باعتباره عنفاً يبلغون 94% في أسيوط، و65% في القاهرة، و39% في الإسكندرية.
ويؤكد صبري عثمان مدير عام خط نجدة الطفل، على أن النسب الأعلى بشأن العنف ضد الأطفال تتركز في "القاهرة - الجيزة - الإسكندرية - الشرقية - أسيوط –الفيوم"، حيث ينتشر في بعضها زواج الأطفال وختان الإناث والعنف المتعلق بالاعتداء الجنسي والجسدي.
ما هي الإجراءات المتبعة بعد البلاغات
يقدم المجلس الخدمات القانونية عبر الخطوط المفتوحة وشبكة المحامين في كل المحافظات، كما يقدم المشورة والدعم النفسي، كما يتدخل بالشكل الوقائي من خلال التوعية مع الأسر بعقد الورش والندوات بكافة المحافظات والمدن.
وتقول المحامية دينا المقدم، إن قضية تعذيب جنى مثلها مثل الكثير من القضايا التي تتحول إلى قضية ضرب وجنحة، قد لا يتجاوز الحكم فيها ٣ سنوات، وإذا تسبب الضرب في عاهة مستديمة قد تصل إلى ٥ سنوات، وأنه في حالة الموت، قد تصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وأضافت في حديثها لـ"سبوتنيك"، أن مصر من أوائل الدول التي صدقت على اتفاقية الطفل لعام 1989، بشأن تعرض الأطفال للخطر.
وأشارت إلى المادة ١٩ من الميثاق العالمي لحقوق الطفل التي تنص على أن تتخذ الدول الأطراف كافة التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية الملائمة لحماية الطفل، من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية بما في ذلك الإساءة الجنسية، وهو في رعاية الوصي القانوني أو الحاضن.
ولفتت إلى أن بعض القوانين قد لا تطبق نظرا للاحتكام للعواطف لا القانون، وأن هناك الكثير من الأطفال يتعرضون للتعذيب والعنف دون أن يتلقى الأهل العقاب المستحق.
وشددت على ضرورة قيام المجلس الاعلى للأمومة والطفولة ونجدة الطفل بمراقبة رعاية الطفل بشكل دوري وإعادة دور الإخصائي الاجتماعي بالمدرسة، وتشكيل هيئات تأهيل نفسي بالمدارس والجامعات، وكذلك إعادة صياغة الفرق بين العادات والتقاليد وتنفيذ القانون، لحماية أطفالنا من العنف المتزايد تجاههم.
وتنص المادة 93 من قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، على أن تعذيب الطفل عقوبة لا تسقط بالتقادم، ولذلك يقع الأب والأم اللذان يعذبان أطفالهما ويضربانهم تحت المساءلة القانونية، بل والعقوبة المشددة لكونهما موضع المسئولية والمؤتمنين على أطفالهما، ولذلك هما أساءوا إلى تلك السلطة الممنوحة لهما.