جاء هذا الإعلان وفقا لما قاله الرئيس التركي، بعد الاتصال بين أردوغان وترامب، في الوقت الذي أكد وزير الخارجية التركي أن بلاده عازمة على تطهير المنطقة الحدودية من الجماعات الإرهابية، وضمان أمن تركيا من تلك الجماعات.
خيانة أمريكية والعلاقة مع الأكراد
صدر بيان عن البيت الأبيض يقول أن القوات المسلحة الأمريكية لن تدعم أو تشارك في هذه العملية، وأن قواتها لن تتواجد في المنطقة المجاورة، بعد أن هزمت تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو ما يعني أن الولايات المتحدة قد تخلت عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مواجهة العملية التركية.
حول هذا الموضوع يقول أحمد سليمان، عضو المكتب السياسي في الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي في لقاء مع "سبوتنيك": الوضع أصبح صعبا جدا بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فالأمريكي كان يضمن عدم دخول الأتراك، وكان هناك اتفاق مبدئي، لكن يبدو أن الأمريكي أعطى الضوء الأخضر لتركيا، ووافق على إنشاء المنطقة الآمنة.
ويتابع سليمان: الخيارات صعبة جدا أمام قوات سوريا الديمقراطية، وكان عليها منذ البداية أن تعمل بشكل آخر، وأن تجد نوعا من التفاهم مع دمشق، لكي تحاول قدر الإمكان أن تمنع تركيا من الدخول إلى هذه المنطقة، وأعتقد أن هذا الأمر أصبح صعبا جدا في هذه المرحلة.
ويكمل عضو المكتب السياسي للحزب الكردي: قوات سوريا الديمقراطية تقول أن الأمريكان قد تخلوا عن التزاماتهم، والولايات المتحدة انسحبت من المنطقة التي تريدها تركيا، وحتى الآن لم تنسحب من المناطق الأخرى في دير الزور والرقة، ولا أعرف حتى الآن كيف ستكون علاقات قوات سوريا الديمقراطية مع الولايات المتحدة في هذه المنطقة.
ويضيف سليمان: أعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية ليس لديها خيارات كثيرة، فهي محكومة بالموقف الأمريكي تماما، وعليها أن تتخذ موقف أكثر إيجابية، فتنفيذ هذه العملية سيكون كارثة بالنسبة للمنطقة.
ويرى المحلل العسكري المقرب من الجيش الوطني (الجيش الحر سابقا) أحمد رحال بأن العملية ستتأجل لأسبوع على الأقل، لحين انتهاء الإنسحاب الأمريكي من المناطق، حتى لا يكون هناك اصطدام بين القوات التركية والأمريكية.
ويتابع: الجيش الوطني أعلن أنه سيزج بحوالي 14 ألف مقاتل في العملية، وبأنه رفع الجاهزية، وأعتقد أن هناك بعض الفصائل قد دخلت الأراضي التركية للالتفاف نحو رأس العين وتل أبيض، المشاركة ستكون قوية من الجيش الحر، وذلك كان على لسان وزير الدفاع وعلى لسان الناطق باسم الجيش الوطني.
ويكمل رحال: أحد الناطقين باسم "قسد" قال اليوم، لقد خانتنا أمريكا، وبالتالي دائما نقول "أن من يتغطى بالأمريكان سيبرد"، ودعنا نقول أن هناك تعاونا عسكريا بين الأكراد والولايات المتحدة، لكن أمريكا حليفة مع تركيا، حيث أن التحالف بين الدول، وأمام التحالفات تزول العلاقات مع الميليشيات الصغيرة.
الاستعدادات الكردية:
وحول ما تقوم به قوات سوريا الديمقراطية من استعدادات لمواجهة العملية العسكرية التركية المرتقبة، يقول عضو المكتب السياسي أحمد سليمان: لدى قوات سوريا الديمقراطية قرار بأنهم سيدافعون عن المنطقة، ولكني أعتقد أن مواجهة دولة بقدرات عسكرية كتركيا وبدون أي غطاء دولي، سيكون صعب جدا.
فيما يقول الخبير العسكري أحمد رحال: الدخول في معركة من قبل قسد ضد الجيش التركي والجيش الوطني "الحر سابقا" هو قرار انتحار، فمهما امتلكت من قوة ومهما زودتها الولايات المتحدة من وسائط ، فهي تبقى تتعامل مع الجيش الثاني في حلف الناتو، مدعوم من الجيش الوطني.
ويكمل رحال: في حال سلمت قسد المنطقة للنظام السوري سيسبغ عليها صفة الخيانة، لذلك يجب البحث عن سبل سياسية، فالمنطقة الوحيدة التي لم تدمر في سوريا هي منطقة شرق الفرات، لذلك يجب عدم سوق الدمار إلى هناك، والبحث عن صيغ وحلول مشتركة سياسية.
أهم المناطق التي تريدها تركيا:
وعن أكثر المناطق التي تريد تركيا السيطرة عليها، يرى أحمد سليمان أن المناطق بين رأس العين وتل أبيض هي الأهم بالنسبة لتركيا، ويتابع: كما ورد في بيان أمريكي هناك مخطط اتفقوا عليه، وبأن يكون التدخل لعمق محدد في هذه المناطق، لكن الخطوات التالية وكيف ستكون فهذا أمر غير واضح.
فيما يعتقد الخبير العسكري أحمد رحال بأن العملية لن تكون واسعة، حيث أن سقف التصريحات التي تحدث عنها وزير الخارجية التركي والرئيس أردوغان قد يتم التنازل عنها، ويضيف: المناطق التي سيتم العمل فيها هي مناطق ذات حساسية بسيطة، فهناك مناطق ذات أغلبية كردية وأخرى ذات غالبية عربية، وأحيانا مختلطة.
ويكمل رحال: تركيا ستركز على منطقة تل أبيض ورأس العين ذات الغالبية العربية، وهي لن تكون بعمق 30 كم وعرض 500 كم، بحيث أنها لن تخترق الأماكن الحساسة، وبنفس الوقت ستؤمن هواجس الأمن القومي التركي، بالحد الأدنى أما الداخل التركي، وبنفس الوقت لن تزعج واشنطن.
ويتابع: في الوقت ذاته لن تقترب تركيا من أماكن سيطرة النظام السوري، وستحاول تركيا عدم إغضاب موسكو بالاصطدام بالجيش السوري، وبالتالي أعتقد أنها ستكون محدودة في مناطق غير حساسة.
مصير مقاتلي داعش:
ذكر في بيان البيت الأبيض أن تركيا ستكون مسؤولة عن كل مقاتلي تنظيم "داعش" في المنطقة، والذين اعتقلوا على مدى العامين الماضيين، ويقول عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي حول مصير هؤلاء المقاتلين: أعتقد أنها ستكون المسألة الأخطر في العملية، فهناك أكثر من 70 ألف في مخيم الهول من عائلات وعناصر من داعش، لأن التحقيقات غير مكتملة في هذا المخيم، كما أن المعتقلات تحوي من 5-7 آلاف داعشي موجود هناك.
ويكمل: كل هؤلاء قنابل موقوتة، ولا أعتقد أن تركيا قادرة على السيطرة على الوضع في حال قامت الفوضى، خاصلة عندما تتخلى الولايات المتحدة وقوات التحالف عن حماية هذه المناطق، وتركيا لن تكون الطرف الضامن لحماية هذه المنطقة، لكون تركيا قد ساهمت إلى حد ما في نشوء داعش.
ويضيف سليمان: ممكن أن يستخدم هؤلاء المقاتلون في أماكن أخرى، فالمقاتلون الذين كانوا في الباغوز هم الآن في ليبيا، وأعتقد أن هؤلاء سيكونون استثمار للقوى الإقليمية والدولية، وهذا أمر معتاد بالنسبة لهذه القوى.
ويعترف الخبير المقرب من الجيش الوطني "الحر سابقا" أن هنا تكمن المشكلة الكبرى، حيث أن هناك أكثر من 70 ألفا من مقاتلي وأنصار داعش في المنطقة، وأن أفكار هؤلاء لا يمكن تغييرها، كون عقولهم مغسولة ولا يمكن التعامل معهم بالمطلق.
ويقول رحال: تسليم هؤلاء لتركيا سيكون مشكلة، فهناك تيار كبير في واشنطن يقول أن تركيا من جلبت هؤلاء الدواعش، لكن أعتقد أن هناك تعهدات في هذا الموضوع، ولا أعتقد أنها ستنقلهم إلى تركيا لأن المعارضة هناك لن تسمح بهذا الشيء.
ويكمل: قسد هددت بأنها ستتركهم ولن تسلمهم، وإذا حدث هذا الشيء فسيكون كارثة حقيقية، وكل العمل الذي كان خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية سيكون دون معنى.
ويختم رحال: في حال كان هناك تعهدات واتفاقات أعتقد أن تركيا ستقيم معسكرات وتضعهم فيها، لكن ذلك سيكون قنبلة موقوتة، وإذا لم يعد كل مقاتل منهم إلى دولته لا يمكن الاستمرار بهذا الأمر، وإذا تم نقلهم إلى إدلب فسيكون ذلك جريكة كبرى، فإرهاب جبنهة النصرة كاف هناك، ولا أعتقد بأنه تركيا ستقوم بذلك.
موقف الحكومة السورية:
حول الموقف الذي يمكن أن تتخذه الحكومة السورية في وجه التدخل التركي في الشمال، يرى عضو الحزب الكردي أحمد سليمان بأن هذا الأمر قد يكون المفصل الأهم في المرحلة الأخيرة، ويضيف: سيضاف إلى موقف الحكومة الموقف الروسي والإيراني في حال حصول تفاهم بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة، وقد يشكل ذلك ردعا لدخول الأتراك، ونحن في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي نأمل بأن يكون المخرج بهذه الطريقة، وأن يكون مع الحكومة السورية، وبأي شكل يمنع هذا الهجوم والتأثيرات السلبية على المنطقة.
فيما يقول عضو مجلس الشعب السوري آلان بكر في حوار مع "سبوتنيك": من حيث المبدأ الدولة السورية تعتبر أي دولة تعتدي على أي ذرة تراب من الأراضي السورية دولة غازية ومعتدية، ومن حق الدولة السورية أن تدافع عن مواطني الدولة السورية والتراب الوطني بكل الوسائل.
ويستطرد بكر: اليوم يثبت التاريخ مرة أخرى أن كل من يرتهن للأمريكي هو كرت أو ورقة للتفاوض، ودائما كانت الدولة السورية تتحدث لمواطني الجمهورية العربية السورية، أن لا يراهنوا إلا على دولتهم وعلى دستور بلادهم وجيشهم.
ويكمل عضو مجلس الشعب السوري: اليوم يلوح التركي ويهدد بأنه سيحتل جزء من الأراضي السورية، والتي تقع تحت سيطرة مجموعات تتبع للولايات المتحدة الأمريكية، وهذه المجموعات قامت بهدم التحصينات على الحدود مع تركيا، لكي تقنعها بأن لا نيات عدوانية لديها تجاه تركيا.
وعن رد الحكومة السورية يتحدث آلان بكر: بالطبع سيكون هناك رد من الدولة السورية وهي أعلنت منذ أول يوم من هذه الحرب أنها ستحرر كل ذرة تراب، وكل من يعتدي على الأراضي السورية هو هدف، وسيخرج من أرضنا إما عن طريق السلم أو الحرب.
ويتابع: الدولة السورية لا تنتظر إذن للدخول إلى أي منطقة سورية، وهي الآن محكومة بأولويات في العمل العسكري تضعها القيادة العسكرية، وعندما يتخذ القرار من قبل القيادة العسكرية والرئيس السوري، لن يكون هناك تردد أو خوف من قسد أو تركيا أو الولايات المتحدة أو غيرها.
ويختم بكر قوله: إذا قامت هذه المجموعات وأبلغت الدولة السورية بشكل رسمي بأنها تحت سقف دستور البلاد وتحت سقف الوطن، فكل تأكيد الدولة السورية سترحب بذلك، وهي تسعى إلى ذلك، وهي حريصة بأن لا تسقط أي قطرة دم لأي مواطني سوري في الجمهورية العربية السورية.