ومن أبرز هذه التطورات قوائم جديدة في ترتيب أكبر الدول في الاحتياطيات النفطية وأحجام الإنتاج اليومي منه، وترتيب الدول المستهلكة، خريطة النفط العالمية تتغير بنضوب الخام في بعض وظهور مناطق وأنواع جديدة من النفط.
قال الدكتور محمد الصبان المستشار النفطي الدولي في حديث مع "سبوتنيك"، اليوم الثلاثاء، إن بعض دول العالم وصلت إلى ذروة الاستهلاك من النفط وبدأت عملية النمو السنوي بها بالتراجع، وفي الوقت ذاته دخلت مناطق إنتاج جديدة إلى السوق لم تكن معروفة من قبل، كما ظهرت أنواع جديدة من النفط لم تكن معروفة أيضا مثل النفط الصخري والذي لم يغامر أحد أو يجرؤ على إنتاجه، كما أن تطوير بدائل حقيقية لاستخدامات النفط وبالذات في قطاع النقل، مع انخفاض سريع في تكلفتها إلى المستويات التي أصبحت في متناول اليد ساهم أيضا في التغييرات التي تشهدها الأسواق النفطية.
وأضاف المستشار النفطي، التغيرات السابقة لم تعد نتائجها خافية على المتعاملين مع سوق النفط، حيث بدأ يؤثر في عدم ارتفاع الأسعار عن مستويات معينة، ولم تعد الانقطاعات المتعددة في إمدادات بعض المنتجين تؤثر في اتجاهات الأسعار تصاعدياً، كما غدت المضاربات في هذه الأسواق والانطباعات عن مختلف الأحداث هي المحرك الرئيس للتقلبات السعرية اليومية، بعد أن توسعت أسواق التعاملات بسلعة النفط، بين الأسواق الفورية والآجلة، والتوسع في المخزونات الإستراتيجية والتجارية درءاً لمخاطر هذه التقلبات.
وأوضح الصبان، أن السرعة التي انجزت بها المملكة العربية السعودية عملية إصلاح العطب الذي أصاب شركة النفط السعودية "أرامكو" بعد "الإعتداء الإجرامي والذي أثر على 50% من إنتاجها، أعاد الثقة إليها عالميا كمصدر موثوق وآمن ويمكن الاعتماد عليه".
وتابع الصبان "النقطة الأهم والتي حرصت الشركة عليها "أرامكو"، هى أن كبار مستهلكي النفط في العالم كانوا جاهزين للتعامل مع ما أسموه أزمة إمدادات عالمية، باستخدام المخزون الاستراتيجي لديهم، لضمان عدم تجاوز أسعار النفط مستويات معينة ريثما يعود الإنتاج السعودي إلى مستوياته السابقة، كما أن المملكة، وخلال فترة توقف الإنتاج، استخدمت أجزاء متزايدة من المخزون الاستراتيجي المحلي منه أو الدولي للوفاء بكامل التزاماتها مع عملائها التقليديين.
وأشار المستشار النفطي إلى أن الفترة القادمة ستشهد تحديات أكبر تتمثل في كيفية تعاملها هي وبقية المنتجين في تحالف (أوبك بلس) مع أساسيات السوق، والتي ستضغط بشكل أكبر على الأسعار نحو مزيد من الانخفاض بالرغم من الغياب القسري لمعظم إنتاج النفط الذي تعاني منه كل من فنزويلا وإيران نتيجة للعقوبات الأمريكية عليهما.
وتابع الصبان، جميع الدراسات تنبئ عن تراجع في معدلات نمو الطلب العالمي على النفط، وإن اختلفت عن بعضها البعض في نسبة هذا التراجع، فلا أحد يستطيع أن يؤكد أن الحرب التجارية الأمريكية - الصينية ستتوقف وسيصل الطرفان إلى اتفاق تجاري بنهاية هذا العام، ولا يجب الاستهانة بثورة الإنتاج النفطي الأمريكي، وخاصة النفط الصخري والذي يخطو سريعا نحو خفض تكلفة إنتاجه، وقال رئيس شركة اكسون أنه ستنخفض تكلفة إنتاج البرميل من النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى أقل من 15$ للبرميل، بعد أن وصلت حالياً إلى أقل من 40$ للبرميل نتيجة للتطورات التقنية، مشيرا إلى أن الإنتاج الأمريكي من النفط سيتجاوز هذا العام 13 مليون برميل يومياً، منها حوالى 9 ملايين برميل يومياً من النفط الصخري، على أن يتزايد الإنتاج إلى أكثر من 13.5 مليون برميل يومياً العام القادم 2020.
ولفت المستشار النفطي إلى أن كل هذه التحديات وغيرها، تلقى عبء كبير على تحالف الأوبك والمنتجين من خارجها بضرورة ضبط أداء الأسواق، والحفاظ على أسعار النفط عند مستويات معينة، وأعتقد أن اجتماع ديسمبر القادم سيشهد مزيداً من التحرك نحو خفض أكبر من الإنتاج، والتشديد على جدية الالتزام.
وأكد الخبير النفطي العالمي المستقل دانيال يرجين، في ورقة له مؤخراً، أن ثورة النفط الصخري هي مفاجأة القرن الحالي في أسواق النفط، وأنه والمضاربات القائمة يحركان الأسواق في اتجاه مزيد من انخفاض الأسعار، وأن زيادات المعروض العالمي من النفط من دول منتجة عديدة، قادمة للأسواق، عكس ما يعتقده البعض والذين ما زالوا يروجون لنضوب النفط الطبيعي منذ الستينات من القرن الماضي.