تقوم تركيا بالدفع بتعزيزات عسكرية إلى حدودها مع سوريا، استعدادا للعملية العسكرية المرتقبة في منطقة شرق الفرات، للقضاء على الممر الإرهابي ومحاربة منظمة حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، ومكافحة "داعش" ومنعه من استرداد قوته.
أسباب العملية العسكرية ومداها
عن أسباب هذه العملية يقول الكاتب والمحلل السياسي باكير أتاجان في حوار مع "سبوتنيك": تركيا تقوم بهذه العملية بسبب التهديدات التي تأتي من هذه المنطقة، فالتفجيرات التي حصلت ومازالت تحصل في الداخل التركي، والأسلحة التي تستعمل، هي من الأسلحة الموجودة في يد حزب الاتحاد الديمقراطي والوحدات الشعبية، وهناك تنسيق فيما بينهم وبين هذه العمليات الإرهابية في تركيا.
ويكمل أتاجان: هناك أكراد قبض عليهم في تركيا، وعلى الرغم من حملهم الجنسية التركية، فقد ذهبوا للتدريب في معسكرات حزب الاتحاد الديمقراطي والوحدات الشعبية، وهذه المعسكرات تدرب 7 فصائل لها عناصر في الداخل التركي.
وعن مدى العمق الذي ستذهب فيه القوات التركية، يقول أتاجان: حسب تصريحات رئيس الجمهورية والمسؤولون الأتراك سوف تكون على عمق 30 إلى 35 كم، وهي لتأمين الشريط الحدودي في الدرجة الأولى، وتمتد من حدود جرابلس إلى الحدود العراقية شرقي الفرات.
ويكمل المحلل باكير: غرب الفرات هناك عفرين وجرابلس وهي الآن تحت سيطرة القوات التركية مع الجيش الحر، وإدلب مشتركة بين روسيا وتركيا، ولا يوجد مشكلة في ريف اللاذقية على الحدود مع أنطاكية.
فيما يرى الخبير والمحلل السياسي التركي بركات قار بأن العملية التركية هي فقط للتغطية على الإخفاقات الداخلية، ويكمل قار: التدخل ليس فعلا بسبب الأمن القومي بقدر ما هو التغطية على الأزمات السياسية والاقتصادية القائمة في تركيا، وعلى تغطية الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية.
ويتابع: نعرف أن المجتمع يغلي خاصة في صفوف حزب العدالة والتنمية، وهذا التدخل ممكن أن يؤجل الانقسامات والاختلافات تحت اسم الدفاع عن الأمن القومي.
ويضيف المحلل السياسي التركي: كل الإعلام التركي وكل المسؤولين في الدولة يحاولون القيام بحملة شرسة جدا للتصعيد، والوقوف وراء كل القرارات المتخذة بالتدخل، فهو وضع يقلق الشعب في تركيا بشكل عام، والشعب بكل أطيافه لا يريد الحرب، وليس صحيحا كما يقول المسؤولون بأننا سنكسب هذه الحرب، فلا يوجد رابح في الحرب، وهي خسارة للجميع.
ويستطرد: بتقديري تركيا لن تتراجع عن قراراها مهما كلف الأمر، ولكن ليس على المستوى الذي يطمح إليه، بالقيام بعملية شاملة تؤمن لهم منطقة واسعة، وأن يقودوا هذه المنطقة، فالأمر ليس بهذه السهولة، بل هم قادرون على الدخول في بعض الجيوب بعدما أخذوا الضوء الأخضر من أمريكا، كتل أبيض وسركانيا.
ويتابع بركات: منذ أشهر وهم يهللون للشعب التركي بحل مسألتي اللاجئين ونقلهم إلى هذه المنطقة والتخلص منهم، وجمع القوى المتطرفة التي تعاونت معهم وخدمتهم لمدى سنين، وهذه القوى ستجتمع في المنطقة ويشكلون جدار لمنع أي حركة من الطرف الآخر، وإذا احتاج الأمر لأي قتال فسيحركون هذه القوات من الجيش الحر وغيره من القوات حتى يصل الأمر إلى جبهة النصرة.
إلى متى؟ ومن سيدير المنطقة؟
وعن مدة بقاء الجيش التركي على الأراضي السورية، يرى الخبير التركي باكير أتاجان أنه مؤقت ولأسباب محددة، ويتابع: التصريحات التركية تقول بأنها إلى جانب وحدة التراب السوري ووحدة الشعب السوري، وفي حال انتهت العملية السياسية وتم تشكيل الدستور ورجوع الأمن والاستقرار إلى سوريا، لا بد من أن تنسحب تركيا من هناك.
ويكمل أتاجان: وزير الخارجية قال يوم أمس، نحن لن نكون محتلين في سوريا، بالعكس نحن نريد الحفاظ على أمنها واستقرارها، وهذه نقطة مهمة، وبالطبع ستتولى الحكومة السورية إدارة هذه المناطق بعد خروج القوات التركية، فبعد تشكيل الدستور سيكون هناك مرحلة انتقالية وحكومة معترف بها دوليا، وبهذه الحالة ستكون الحكومة المنخبة مشرفة على كل سوريا.
فيما يعتقد بركات قار بأن تركيا ستبقى لفترة طويلة جدا، ويوضح: خروج تركيا سيكون بعد زمن طويل جدا، والتهاون من قبل الحكومة السورية أو من قبل روسيا والاعتقاد بأن تركيا ستدخل وعندما تسوي وضعها ستخرج فهو من الخيال.
ويكمل قار: هناك نظرة عميقة في تركيا قومية شوفينية تعتبر هذه المنطقة تابعة تاريخيا للعثمانين وحتى الآن، لذلك أعتقد أنه سيكون هناك شبه دولة، وكل المؤسسات تابعة إلى تركيا وستدار من قبل تركيا، والخروج من هناك سيكون صعبا جدا، طالما سيكون هناك قوى إسلامية تابعة لتركيا، تستمر في حمايتها.
اللجنة الدستورية
وحول اللجنة الدستورية وتأثير العملية العسكرية على مسار عملها، يعتقد باكير أتاجان أن لا تأثير أبدا سيطال هذه اللجنة، ويؤكد: لن يكون لهذه العملية أي تأثير على اللجنة الدستورية، بالعكس ستعطي إحساس بالأمان وبأن سوريا ستعود تدريجيا وتخرج من الازمة، وتذهب إلى الاستقرار.
ويكمل: كان هناك تهديد بالتقسيم، وتركيا تريد تأمين أمنها القومي نعم، ولكنها ضد هؤلاء الانفصاليين الذي يريدون تقسيم سوريا، وبدعم أمريكي.
وبعكس ذلك يعتقد الخبير بركات بأن هذه العملية سيكون لها تأثير كبير على عمل اللجنة الدستورية، ويتابع: ستؤجل اجتماعات وقرارات اللجنة الدستورية، لأن تركيا تهدف أساسا للكسب على الأرض، ومن ثم الانتقال إلى المفاوضات، لتقوية يدها على الطاولة، وهي لذلك تحتاج إلى هذا النوع من التدخلات وإطالة الوقت في اللجنة الدستورية.
فرصة للحكومة السورية؟
تقول التقارير الإعلامية أن أكثرمن 14 ألف مقاتل من عناصر الجيش الحر سيشاركون في العملية العسكرية التركية شرق الفرات، وهو ما قد يمنح أفضلية للحكومة السورية في إدلب وقد يمكنها من شن عملية لتحرير إدلب من المعارضة والتنظيمات الإرهابية، وعن ذلك يقول أتاجان: الجيش الحر الذي تدعمه تركيا ليس ضد الشرعية الموجودة في سوريا، بل هو ضد القتل والإرهاب إن كان متمثل في النظام السوري أو المنظمات الإرهابية وعلى رأسها النصرة، والمنظمات الأخرى المتطرفة، حيث أن المشكلة هناك هي مع هذه التنظيمات وليست مع الشعب.
ويكمل باكير: الشعب هناك يريد الاستقرار والأمن، فإذا كان هذا الاستقرار تحققه تركيا أو روسيا أو حتى من قبل الجيش السوري فأعتقد أنه سيكون مرحب به.
ويتابع : ربما تستغل الحكومة السورية هذه العملية للدخول إلى إدلب، لكن قد تمنع الاتفاقات بين روسيا وتركيا وإيران حول وقف إطلاق النار هذا الأمر، وإذا استغلت الحكومة ذلك الأمر فذلك يعني أن هذه الاتفاقات كلها من دون معنى.
ويختم أتاجان: في ظل بناء الدستور الجديد، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار واستقرار، لكي تخرج القرارات والدستور الجديد بشكل جيد، وإذا عاد القتال فهذا يعني أن يعود التدخل من قبل الدول الأخرى.
فيما يعتبر بركات قار بأن الوضع مقعد أكثر من ذلك، في إدلب ويوضح: سيخرج المقاتلون من إدلب، ولكن لدى تركيا قوى كثيرة داخل وخارج تركيا، في عفرين والباب وجرابلس وغيرها، حيث يوجد الجيش الحر والتنظيمات الأخرى المتحالفة معها.
ويختم: هذا الخروج لا يضعف كثيرا مسألة إدلب، لكن المسألة بالنسبة لسوريا وروسيا قد طالت وتجاوزت الحدود بالوعود التركية، ولم يحل الأمر حتى الآن، ولكن بتقديري صعب جدا أن تتدخل الحكومة السورية في الوقت الحالي، خصوصا وأن هناك نقاط مراقبة تركيا لن تنسحب منها تركيا طالما الأمر غير مستتب وغير مستقر.