من خلال متابعة اللقاءات وتواريخها والمحاور التي ركزت عليها، يمكن استشفاف بعض النقاط التي يمكن اعتبارها تغيرا في طريقة تعاطي السياسة السورية مع الواقع الحالي الذي تشهده المنطقة خصوصا في ظل الاحتجاجات التي تعصف في المنطقة من لبنان إلى العراق وإيران.
أولى لقاءات الرئيس الأسد كانت مع محطتين حكوميتين، "السورية" و"الإخبارية" السورية، بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 ولم يحدث ذلك عن عبث، فالاستقرار الداخلي من وجهة النظر السياسة، أهم دعائم استقرار السياسة الخارجية، لذلك يمكن اعتبار اللقاء موجها إلى الشعب السوري، خصوصا أن الرئيس الأسد ركز على محاور داخلية، محاربة الفساد، الحصار الاقتصادي، الواقع الاقتصادي السوري وغيرها الكثير من القضايا التي تلامس هموم الداخل السوري.
صحيح أن الواقع الاقتصادي السوري قاسي جدا، لكن الواقع الداخلي الأمني والعسكري مختلف، فالداخل السوري يشهد تحسنا ملحوظا بالنسبة للمساحة الجغرافية التي ينتشر فيها الجيش السوري، خصوصا مع توسعه مؤخرا في الشمال الشرقي، وأيضا بالنسبة إلى الاستقرار الأمني الداخلي الذي تشهده جميع المحافظات السورية، والتحسن الكبير في حركة وتنقل المواطنين والبضائع داخل البلاد.
وركز الرئيس الأسد في جمع اللقاءات على المخاطر التي يشكلها الحصار الاقتصادي، الأحادي الجانب، والخارج عن إطار القانون الدولي على البلاد "الوضع المعيشي في سورية يخضع لعوامل خارجية في مقدمتها الحصار الغربي... والأولويات هي تأمين الحد الأدنى الضروري لحياة المواطن".
نبني بلدنا بأنفسنا...لدينا حليف قوي
ثاني اللقاءات مع الرئيس الأسد كان في مقابلة مع قناة "آر تي إنترناشيونال ورلد" الروسية في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، الناطقة باللغة الإنكليزية، أكد فيها على صوابية موقف الحليف الروسي في الدفاع عن سوريا.
الأسد "روسيا تساعد سورية لأن الإرهاب وأيديولوجيته لا حدود لهما في العالم... التواجد العسكري الروسي في سوريا هو في إطار التوازن العالمي ومكافحة الإرهاب".
بالإضافة إلى ذلك ركز الأسد على موضع إعادة الإعمار في البلاد "كل بلد وقف ضد سوريا لن يُعطى الفرصة ليكون جزءاً من إعادة الإعمار" مؤكدا على إمكانية إعادة إعمار البلاد بجهود محلية وبمساعدة الحلفاء الاستراتيجيين لسوريا.
الأسد: نستطيع أن نبني بلدنا تدريجياً ولدينا ما يكفي من الموارد البشرية وبالتأكيد فإن الصين وروسيا وإيران ستكون لها الأولوية في إعادة الإعمار.
هل انتقل الأسد إلى الهجوم؟
ثالث الحوارات كان مع قناة "روسيا 24" ووكالة "روسيا سيغودنيا" ويكفي أن نذكر بأن وكالة "روسيا سيغودنيا" تنشر بـ32 لغة حول العالم، لينشر عدة رسائل عالمية من خلالها.
وجه الأسد رسالة مباشرة إلى أمريكا، محذرا وبطريقة غير مباشرة من مصير جنودها مستقبلا، في حال لم تخرج من البلاد، بوجود مقاومة عسكرية شعبية ستتشكل كنتيجة لتواجدهم في المنطقة "الوجود الأمريكي في سوريا سوف يولد مقاومة عسكرية تؤدي إلى خسائر بين الأمريكيين وبالتالي للخروج الأمريكي"، بالإضافة تفنيد الحجة التي تروج لها تركيا دوليا لتبرير دخولها الأراضي السورية.
الأسد "لا أحد يصدق أن تركيا تريد إعادة ثلاثة ملايين لاجئ سوري إلى المناطق الشمالية فهو عنوان إنساني الهدف منه الخداع".
أولى الضحايا فرنسا...وعلى لسان إعلامها
وفي اللقاء الأخير مع مجلة "باري ماتش" الفرنسية في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، كان الرئيس السوري واضحا جدا، يمثل السياسة السورية بموقفها الجديد، والذي تخطى موقف الدفاع عن حدود البلاد الداخلية، إلى الهجوم على من وقفوا ضد حكومتها، ودعموا ومازالوا يدعمون مجموعات مسلحة.
الأسد: الحرب ضد الإرهاب لم تنته بعد... الوجود الفرنسي في سوريا احتلال والمطلوب من الحكومة الفرنسية العودة إلى القانون الدولي
وفند الأسد في لقائه الحجة الفرنسية لتواجدها في سوريا بأنها تدعم الأكراد لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي (المحظور في روسيا) "لكن لا نصدق بأن هناك حسن نوايا. الحكومة السورية كانت تحارب (داعش الإرهابي المحظور في روسيا)، فلماذا لم يتم دعمها؟! ولماذا تحارب الحكومة الفرنسية "داعش" وتدعم "النصرة"؟! وكلاهما إرهابي ؟".
الأسد: سنعامل مواطنيكم المنتسبين إلى "داعش" كإرهابيين
أكد الرئيس السوري بأن أي إرهابي موجود على الأراضي السورية يخضع للقوانين السورية، بغض النظر عن جنسيته.
الأسد "هناك مؤسسات وهناك قانون. موضوع إرسال الإرهابيين أو أي شخص محكوم إلى دولة أخرى يخضع للاتفاقيات الثنائية بين الدول، أما أن تُخرج شخصاً من السجن وأنت تعرف أنه إرهابي وتُرسله لدولة أخرى كي يقتل مدنيين فهذا عمل غير أخلاقي".
المقابلات الأربع للرئيس السوري ترافقت مع لجنة مناقشة الدستور، التي أقيمت في جنيف، ومع تقدم وانتشار ينفذه الجيش السوري على الحدود الشمالية الشرقية، في حالة لم يتوقعها أي سوري قبل أعوام، عندما كانت تحاول المجموعات الإرهابية بمختلف تصنيفاتها قطع الطرقات الرئيسية، ورمي قذائف الهاون على المدن، فهل نشهد اليوم انتقالا نوعيا في أجندات السياسة السورية، ومحاولة لإعادتها إلى عهدها القديم، كعنصر فاعل وأساسي ومحوري في رسم سياسات المنطقة، كما عهدناها سابقا؟ ربما ستستطيع السياسة السورية التي توصف عادة "بسياسة النفس الطول" القيام بذلك.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)