ويأتي انسحاب الخطيب في الوقت التي تشير فيه كل المعطيات إلى تسلم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري لرئاسة الوزراء، حيث يـحظى بدعم كبرى الكتل النيابية في مجلس النواب، كحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر.
ما الذي تغير؟
وبعد أن استقال الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة تلبية لمطالب المحتجين كما قال منذ أكثر من شهر، قد يعود إلى رئاسة الحكومة، فما الذي سيتغير في لبنان بين الولاية السابقة والقادمة؟
وعمّا سيكون من تغير في الوضع اللبناني يرى المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية جمال واكيم في حديث ل"وكالة سبوتنيك" أن الوضع سيذهب نحو الأسوأ، ويقول: للأسف لن يتغير شيء بل سيزداد الوضع سوءًا، لأن هذه الطبقة السياسية أوصلت البلد إلى ما نحن عليه، والبديل لم يختمر بعد، والحالة معقدة في لبنان.
ويكمل: بالتالي أعتقد بأنه يمكن الاعتماد على بعض الرشاوي والمال الذي سيأتي من القوى الغربية، في حال وصل سعد الحريري ضمن تسوية إقليمية يبدو أنها اختمرت، وعندها سنعود إلى التهدئة قليلا لفترة، ولبنان منذ بدء تكوينه ينتقل من أزمة إلى أخرى.
وكذلك يعتقد الباحث والمحلل السياسي اللبناني توفيق شومان في تصريح لوكالة "سبوتنيك" بأن الوضع غير واضح المعالم في لبنان، ويواصل: "في البداية واضح تماما أن الرئيس سعد الحريري والفريق الذي يسانده يعمل على حرق الأسماء المرشحة لتولي رئاسة الحكومة، من محمد الصفدي وحتى سمير الخطيب مؤخرا".
ويتابع: "حركة أمل وحزب الله يريدان سعد الحريري في رئاسة الحكومة، ولكن الحريري يشترط تشكيل حكومة تكنوقراط، واستبعاد الأسماء المنافرة كما يسميها، وهي نقطة الخلاف الأساسية، في حين أن الثلاثي حركة أمل وحزب الله والتيار الوطني الحر يريدون حكومة تكنوسياسية".
ويستدرك شومان: "بين شروط سعد الحريري وشروط الثلاثي ضاعت خارطة طريق تشكيل الحكومة، لذلك أعتقد أن الفرصة المتوخاة حتى يوم الثنين المقبل قد لا تنتج رئيسا مقبلا للحكومة الجديدة، طالما أن الفاعلين الأساسيين ما زالوا يختلفون على نوع الحكومة، وعلى شكلها وبرنامجها، وعلى خارطة طريق هذه الحكومة".
تهدئة الشارع
وكانت الاحتجاجات اللبنانية قد انطلقت في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول، للمطالبة بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد ورحيل الطبقة السياسية. فهل سيهدأ الشارع في حال عاد سعد الحريري، أم أنه سينتفض بشكل أكثر خصوصا وأن استقالة الحريري جاءت بناء على طلب الشارع كما قال الحريري نفسه؟
وحول هذا يجيب أستاذ العلوم السياسية جمال واكيم، ويقول: هناك قوى مستقلة وعلمانية غاضبة ورافضة لكل النظام السياسي، وهناك قوى في الحكومة كالمستقبل والقوات اللبنانية وجماعة جنبلاط نزلوا ليبتزوا في الشارع من أجل تحسين شروطهم في الحكومة، وبالتالي هؤلاء سينسحبون في حال تمت التسوية، وسيبقى في الشارع العلمانيين والرافضين لكل النظام السياسي.
ويتابع واكيم: هناك مسار تصاعدي منذ عام 2010، ولا أعتقد أن المتظاهرين سيعودون إلى بيوتهم، وكل شيء يعتمد على قدرتهم على بلورة قيادة موحدة وإيجاد برنامج واضح، وللأسف في حالة لبنان قد يبلور ذلك تحالفات جديدة.
أما الباحث توفيق شومان، فيرى أن لبنان أمام مرحلة خطرة، ويوضح: "أعتقد أن تولي أو تعويم سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة لن يهدأ الشارع، صحيح أن الحريري حاول الاستثمار في الحراك الشعبي، ولكن منطلق الحراك الشعبي كان بصورة عامة يستهدف كل مكونات السلطة اللبنانية، والرئيس الحريري من بين مكونات هذه السطلة".
ويضيف: ل"ذلك أظن لو تم الاتفاق بين الحريري والقوى السياسية الرئيسية الفاعلة في لبنان، لا أعتقد أن الحراك الشعبي سيتوقف، بل سينتقل إلى مسار آخر، وبالتالي نحن سنكون أمام مرحلة جديدة ومنعطف جديد، بغض النظر إذا ما كان سعد الحريري على رأس الحكومة أو خارجها".
شكل الحكومة القادمة
وعن شكل الحكومة القادمة، بعد اختلاف وجهات النظر بين مختلف القوى السياسية في لبنان، يقول المحلل واكيم : "في حال تم التوصل لتسوية ستكون حكومة تكنوسياسية برئاسة الحريري، والأمريكي هو من اشترط أن تكون الحكومة تكنوقراط عبر الحريري، لأنها ستكون الذريعة بالتوجه نحو تطبيق القرار 1559 والقرار 1701، والذي هو عمليا نزع سلاح حزب الله، ووضع لبنان تحت الانتداب الأمريكي بالمطلق".
ويضيف: "الهدف من ذلك هو جعل لبنان كما كان في الخمسينات والستينات مصدرا لإحداث قلاقل في سوريا، بعد فشل المشروع الأمريكي هناك".
أما الباحث توفيق شومان فيرى أن الوضع يحتاج إلى توافق الكتل السياسية، ويبين: "من دون شك أي حكومة لبنانية لا بد أن تحظة بتوافق سياسي يمهد لها الطريق، ولكن لغاية الآن هذا التوافق غير موجود، ولذلك بدأ الحديث الآن عن حكومة تكنوقراط مطعمة بنكهة سياسية، وبالتالي الطابع السياسي سيكون أقل مما كان مطروحا في الأيام القليلة الماضية".
ويكمل: "لغاية الآن لا يمكن الحديث على الإطلاق عن اتجاه معين لتشكيل الحكومة اللبنانية ولا عن اسم الرئيس، وبالتالي الأمر يتعلق عما يتم الحديث عنه الآن، عن ربط تشكيل الحكومة اللبنانية بتوافقات إقليمية، وكلما تعقدت الأمور على المستوى الداخلي، كلما كانت الأطراف الإقليمية والتدخل الخارجي أكبر".
ويختم شومان حديثه: "إذا ما صحت التوقعات فالأزمة اللبنانية دخلت مسارًا خطيرًا، وبالتالي تصبح أمام ثلاث إشكاليات، الأولى هي الأزمة السياسية الداخلية، والالتباسات والتضارب القائم بين مختلف الجهات في لبنان وبين الحراك الشعبي، وبين الأجندات الإقليمية، بالإضافة إلى اختلاف الأجندات الإقليمية مع الأجندات الدولية".