المعهد الوطني للإحصاء وخلال نشريته الأخيرة الثالثة في هذا العام، أعلن عن ارتفاع عام في أسعار العقارات بما نسبته 3.8 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام المنقضي، إذ شهدت أسعار الشقق ارتفاعا بـ 2.18 بالمائة، والمنازل بنسبة 9.17 بالمائة، والأراضي المخصصة للبناء بنسبة 8.1 بالمائة وهو ما أدى ضرورة إلى تراجع حجم المبادلات العقارية بنسبة 4.8 بالمائة خلال الثلاثية الأخيرة.
ارتفاع أسعار العقارات فاقم معاناة التونسيين الراغبين في الحصول على مسكن والذين يمثلون ثلث سكان البلاد تقريبا، يواجه غالبيتهم ضغط القدرة الشرائية المتدنية وغلاء المعيشة، مما يجعل السكن بالنسبة لهم مسألة ثانوية أمام ضروريات الحياة الأخرى.
محمد بن هوية، شاب تونسي ثلاثيني يكابد يوميا من أجل تحصيل دخل إضافي يمكنه من شراء منزل لإتمام زواجه بعد ست سنوات من الخطوبة.
يقول محمد في حديثه لـ "سبوتنيك" إنه يشتغل يوميا لأكثر من 14 ساعة لتحصيل ثمن منزل لن تتجاوز غرفه على أقصى تقدير الاثنتان، فتقاليد منطقته تفرض على الرجل امتلاك منزل كشرط متمم للزواج.
ويضيف محدثنا أنه يخيّر شراء شقة سكنية جاهزة على بناء منزل، نظرا لارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء فضلا عن الكلفة المرتفعة لليد العاملة التي تتجاوز أحيانا دخله اليومي.
من جانبها تقول إيمان الخليفي وهي حديثة العهد بالزواج، إنها تطمح وزوجها لامتلاك مسكن يجنبهما أعباء الإيجار الذي ييمثل أكثر من نصف أجرتهما الشهرية، وتستدرك إيمان قائلة "البنوك هي المستفيد الأكبر من أحلامنا، فالحصول على قرض سكني ينعش حساباتهم البنكية، نظرا لارتفاع نسبة الفائدة المسلطة على هذا النوع من القروض، فمرابيحهم تقدر بـ 30 بالمائة من نسبة القرض" وهو مبلغ تعتبره إيمان مشطا ويمكن استثماره في مشاريع أخرى.
وتضيف محدثتنا "بدأنا تدريجيا نستغني عن فكرة شراء المنزل، فالركض خلف مشروع السكن متعب جدا وقد لا يفضي إلى نتيجة".
تراجع الإقبال يعمق أزمة الباعث العقاري
وبالرغم من أن أصابع الاتهام في أزمة ارتفاع العقارات تُوجه دائما إلى الباعثين العقاريين، فإن هؤلاء يصفون أنفسهم بالضحية الأكثر تضررا من تراجع إقبال المواطنين على شراء المنازل والشقق.
إذ يوضح لنا رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين فهمي شعبان في تصريح لـ "سبوتنيك" أن الرفع من أسعار العقارات ليس غاية منظوريهم، وإنما هو نتيجة حتمية لعوامل عدة، أبرزها ارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء بـ 15 مرة عن العام 2011، وانزلاق الدينار التونسي أمام العملة الصعبة رغم تسجيله تحسنا طفيفا في الآونة الأخيرة.
الزيادة المسجلة في أسعار مواد البناء وارتفاع كلفة المواد الأولية وخاصة منها الحديد مقارنة بالسنوات الماضية، من بين الأسباب الأخرى التي ذكرها لنا شعبان، يضاف إليها رفع الدعم عن الطاقة وارتفاع أسعار المحروقات الذي يؤثر مباشرة في تكلفة النقل.
ويضيف رئيس الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين، أن اليد العاملة في البناء تتضاعف سنويا، يقابل ذلك ارتفاع نسبة الفائدة المديرية التي تؤثر بشكل كبير في ثمن الشقق والمنازل.
وينبه شعبان إلى أن عدد التونسيين القادرين على الحصول على قرض سكني تراجع عددهم من 80 بالمائة سنة 2011 إلى 12 بالمائة في العام الحالي، نتيجة تراجع المقدرة الشرائية عموما، وهو ما أدى إلى تراجع حجم المبيعات.
مبادرة وطنية لصالحي محدودي الدخل
وفي محاولة للتخفيف من أزمة السكن على طرفيها سواء من باعثين عقاريين أو طالبي المساكن، تقدمت الغرفة الوطنية للباعثين العقاريين بمبادرة وطنية إلى مجلس نواب الشعب، بهدف توفير زهاء 500 ألف مسكن اجتماعي ميسر لفائدة طالبي السكن من الأسر محدودة الدخل وفاقدي السند والعائلات المعوزة.
وتتطلب المبادرة وفقا لرئيس الغرفة فهمي شعبان، جهدا من الدولة وهياكلها المعنية لتوفير الأراضي المعدة للبناء، على أن يتم تمويل هذا المشروع من الاقتطاع الذي تنفذه الدولة على مداخيل الأفراد والمقدرة قيمته المالية بنحو 200 مليون دينار سنويا، إلى جانب الهبات والمساعدات التي توفرها
ويقدر ب شعبان المدة اللازمة لتنفيذ المشروع بأربعة أشهر على أقصى تقدير في حال توفرت الإرادة السياسية لذلك.
قانون المالية الجديد لم ينقذ الموقف
وعلى خلاف ما انتظره البعض وخاصة الباعثون العقاريون، فإن قانون المالية الجديد لسنة 2020 الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب ليلة الثلاثاء 10 ديسمبر/ كانون الأول 2019، لم يحمل في فصوله إجراءات محفزة لقطاع البعث العقاري قادرة على حل أزمة البناء وتخفيف أعباء السكن على المواطنين، باستثناء فصل وحيد يقضي بطرح أعباء القروض السكنية على المنخرطين في مشروع السكن الأول الذي أقرته الدولة سنة 2016 والقاضي بتمكين المنتفعين به من قرض قيمته 200 ألف دينار.
وأمام تقلص مساحة العرض والطلب في سوق العقارات والمساكن الاجتماعية في تونس وغياب سياسة جدية تأخذ في الاعتبار مصلحة جميع الأطراف المتداخلة، انتعشت تجارة السماسرة والمضاربين في هذا القطاع وانتشرت ظاهرة البناءات العشوائية التي استفادت من ضعف رقابة الشرطة البلدية ومن هشاشة الرصيد المالي للمواطن التونسي الآخذ في التراجع.