والملاحظ أن الآثار العالمية لتغير المناخ زادت مؤخرا بتغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، وارتفاع منسوب مياه البحر ما يهدد بخطر الفيضانات الكارثية، وانتشار الأمراض والأوبئة، حتى أن المراقبين أكدوا على ضرورة استبدال بعض المحاصيل بأخرى يمكنها مقاومة هذا التغير المناخي بشكل أكبر.
تحذيرات دولية متواصلة
حثت منظمات تابعة للأمم المتحدة الحكومات على ضرورة تحقيق أهداف طموحة لخفض انبعاثات الكربون المسببة للاحتباس الحراري، قائلة إن ذلك يمكن أن ينقذ حياة مليون شخص سنويا من خلال خفض تلوث الهواء وحده.
وذكرت ماريا نيرا مديرة إدارة البيئة وتغير المناخ والصحة في منظمة الصحة العالمية أن "الصحة تدفع ثمن أزمة المناخ، لماذا؟ لأن رئتنا وأدمغتنا وأجهزة القلب والأوعية الدموية لدينا تعاني بشدة من أسباب تغير المناخ التي تتداخل إلى حد كبير مع أسباب تلوث الهواء".
وأضافت ماريا نيرا، بحسب "رويترز"، أن أقل من واحد في المئة من التمويل الدولي المخصص لمواجهة تغير المناخ يذهب إلى القطاع الصحي، وهو ما وصفته بأنه "أمر مخزٍ للغاية".
وذكر خبراء المناخ أن درجات الحرارة العالمية قد ترتفع بشكل حاد خلال القرن الحالي، وحذروا من عواقب "واسعة النطاق ومدمرة" بعد أن سجلت انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري مستويات قياسية العام الماضي.
كيف تهدد التغيرات المناخية العالم؟
الدكتور ماهر عزيز، استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ، عضو المجلس الطاقة العالمي، قال إن "التغيرات المناخية حتى الآن لم تحتدم بعد، لكن هناك مقدمات عديدة وأحداث متطرفة حدثت بالفعل تنبئ أن هناك تغيرات حقيقية في المناخ".
وأضاف عزيز في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "العالم أمام خطر جاد كان يُظن في السابق باحتمالية حدوثه، لكن صار يتأكد يوم بعد يوم، من كثرة الأحداث المتطرفة، مثل الحرائق الأخيرة في أستراليا وأمريكا ولبنان، وتوسونامي والعواصف الترابية والأعاصير".
وتابع عزيز: "نحن أمام خطر حقيقي يتزايد كلما تزايدت انبعاثات الغازات الناتجة عن الاحتباس الحراري، وتراكمها في غلاف جو الأرض".
شح مياه النيل وغرق دلتا مصر
وفي مصر، صعدت الدوائر الحكومية المعنية بالأمر من خلال حملات التوعية لمخاطر تغير المناخ، فيما تحاول وزارة البيئة زيادة الإجراءات التي تتخذها للحد من الانبعاث الحراري، عبر مشروعات قومية في مجالات المياه والزراعة والطاقة.
وقال مراقبون إن مصر من الدول المعرضة لمخاطر تغير المناخ، وإن هذا يهدد الأمن الغذائي بسبب موت النباتات، بجانب شح المياه، وانتشار الأوبئة.
عن خطورة تأثير تغير المناخ على مصر، قال عزيز: "مصر تشارك العالم نفس التهديد، لكن نحن معرضون على نحو أكبر للخطر، لأن شواطئنا تمتد على نحو 3000 كيلومتر، شمالًا وشرقًا، والتهديد بارتفاع مستوى سطح مياه البحر خطير، ففي حال ارتفع مستوى البحر المتوسط بين متر إلى متر ونصف، سيغرق تقريبا نصف الدلتا وحتى طنطا".
ومضى عزيز قائلا: "آخر تقرير تقييمي صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، سجل أن مصر من أكثر الدول المعرضة للخطر في العالم، حيث أن دلتا نهر النيل مهدد بالغرق، وأحزمة النظام المناخي معرضة للتبدل، وهو ما يؤثر على جغرافيا الزراعة والصحراوات".
وأكمل استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ أن "هناك 96 دراسة قدمت سيناريوهات لتأثر نهر النيل بفعل التغيرات المناخية، حوالي 90 سيناريو أعطوا دلائل سلبية بأن هناك شحًا لمياه نهر النيل قريبًا بسبب التغيرات و6 سيناريوهات فقط قالت إن كميات الأمطار ستزيد".
وفي السياق ذاته، قال المهندس صابر محمود عثمان، مدير إدارة التكيف مع تغير المناخ في وزارة البيئة المصرية، إن "العالم يواجه خطورة حقيقية نتيجة التغيرات المناخية، ومصر واحدة من هذه الدول".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "دلتا نهر النيل واحدة من 3 أماكن مهددة بتأثير ارتفاع سطح البحر، ما يعني تهديدا حقيقيًا لمصر وبنغلاديش وفيتنام، وذلك طبقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ".
دمار للمحاصيل الزراعية
فيما يخص الزراعة يرى ماهر عزيز استشاري الطاقة والبيئة وتغير المناخ إن "درجة الحرارة ستؤدي إلى تدمير المحاصيل التي تعودنا عليها، وبالتالي علينا أن نبحث على محاصيل أخرى تتكيف مع درجات الحرارة الأعلى، وهو ما تعكف عليه مراكز البحوث الزراعية".
وأكد أن "مصر لديها برامج جيدة في وزارة الري لمواجهة مخاطر المياه، وفي وزارة الزراعة لمواجهة مخاطر الزراعة، وفي وزارة الصحة لمواجهة مخاطر الأوبئة والأمراض، وكذلك في الطاقة".
واستطرد عزيز: "مصر والعالم يواجه التغيرات المناخية عن طريق التكيف مع مخاطر التغيرات المناخية من تهديد للسواحل وما سيترتب عليه في المحاصيل، ومخاطر شح المياه والأوبئة والأمراض، لذلك نحتاج إلى محاصيل للتكيف مع هذه التهديدات".
أما المهندس صابر عثمان فيقول إن "الزراعة تواجه مشكلة كبيرة أيضا، فالنباتات تختلف عن الحيوانات باعتبارها لا تتحرك فتكون عرضة أكثر للتأثر من الموجات الحرارية والصقيع والعواصف الترابية والأمطار، والتي تؤدي إلى هلاك المحاصيل الزراعية".
وأكمل عثمان:"عندنا خلل في الأمن الغذائي، حيث تستورد مصر كمية كبيرة من المحاصيل الاستراتيجية من الخارج، محصول القمح مصر تستورد 50% من استهلاكها من دول روسيا وأوكرانيا ورومانيا، وبالتالي لو حصل أي خلل لدينا أو لدى تلك الدول ستؤثر علينا كما حدث في عام 2010 عندما ارتفعت درجات الحرارة وأثرت سلبًا على الإنتاجية، وهذا يؤثر بالطبع على الميزان التجاري والأمن الغذائي للدولة".
وأوضح عثمان: "نعمل حاليًا على مشروع في 4 محافظات بميزانية 7 ملايين دولار من صندوق التكيف مع المناخ، لمساعدة الفلاحين في فهم مخاطر تغير المناخ عليهم وكيفية مواجهتها، بالإضافة إلى مشروعات لترشيد استهلاك المياه، وتسوية المياه بالليزر، ونشر المحاصيل المقاومة للحرارة والجفاف".
"دائمًا ما ندشن حقول استرشادية للمزارعين، لعرض المحاصيل التي يمكنها مقاومة هذه الظروف وكيف يمكنها أن تزيد من إنتاجيتهم وتعود عليهم بالنفع"، يتابع عثمان قبل أن يحدثنا عن إجراءات الحكومة المصرية للمواجهة.
كيف تواجه مصر التغيرات المناخية؟
أكد المهندس صابر عثمان، مدير إدارة التكيف مع تغير المناخ في وزارة البيئة أن "الحكومة المصرية اتخذت العديد من الإجراءات على أصعدة مختلفة لمواجهة خطورة التغيرات المناخية، استكمالًا للجهود السابقة، خصوصا المتعلقة بالمشروع الذي موله مرفق المياه العالمي لرسم خط الشاطئ، وتحديد النقاط التي تتسبب في الغرق، وهذا في المناطق الشرقية مثل بورسعيد وكفر الشيخ ورشيد ودمياط".
وتابع خبير المناخ أنه "بناء على ذلك تم تحديد هذه المناطق، وتم إطلاق مشروع ضخم مدته 7 سنوات، بدأ هذا العام، يموله صندوق المناخ الأخضر بمنحة تقدر بـ31.4 مليون دولار، فيما تدعم مصر المشروع بقيمة 170 مليون جنيه، وذلك من أجل إنشاء حمايات للمناطق المحددة، ووضع خطة لإدارة متكاملة للسواحل".
وأشار عثمان إلى أن "الحكومة تسعى للحد من الانبعاثات للمساهمة في الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض، عبر مشروعات الطاقة المتجددة، حيث تعمل الحكومة على مشروع للطاقة الشمسية في أسوان ينتج 1.8 ميجا وات سنويًا، يمول هذا المشروع صندوق المناخ الأخضر بقيمة 153 مليون دولار، بالإضافة إلى مشاركة مالية من القطاع الخاص".
وأضاف: "لدينا أيضا مشروعات لطاقة الرياح في خليج الزيت، وسلاسل جبال البحر الأحمر بالزعفرانة، للتحول من استخدام المازوت إلى الغاز الطبيعي في النقل والصناعة، بالإضافة إلى مشروعات لترشيد الطاقة، بداية من الأدوات المنزلية وحتى السيارات الكهربائية، حيث وقعت الحكومة مؤخرًا عقدًا مع إحدى الشركات الصينية لتجميع 200 أتوبيس كهربائي في مصر".
وبين أن "الإجراءات المتبعة تشمل تغير السياسات أيضًا، لتقليل الانبعاثات الحرارية، مثل إنشاء مسارات للعجل في عدة محافظات وجامعات، وغيرها من الإجراءات".
معنى تقدم مصر 5 درجات في مؤشر المناخ
بعد أن تقدمت مصر مؤخرا 5 درجات في مؤشر المناخ كما أعلن مجلس الوزراء المصري، يشرح عثمان الأمر قائلا:"مؤشر أداء تغير المناخ مؤشر عالمي وعندما يعلن ذلك فهذا يدل على السير في الاتجاه الصحيح، وجاء نتيجة المشروعات الكبيرة التي نقوم عليها، مثل مشروعات إنتاج الطاقة الشمسية واستخدام مصادر الطاقة المتجددة من رياح وطاقة مائية، بالإضافة إلى إجراءات ترشيد الطاقة".
دور المواطن في خطة المواجهة
أوضح عثمان أن "الحكومة دشنت المجلس الوطني لتغير المناخ، برعاية رئيس الوزراء المصري، القرار صادر في مايو 2019، والآن بصدد تحديد الكيانات، حيث سيكون هناك عضو من كل وزارة وهيئة مصرية بما في ذلك وزارة الأوقاف وممثلين عن المجتمع المدني، لتوعية المواطنين وإيصال هذه الرسائل إلى المواطنين من خلال خطب الجمعة والكنائس".