وكانت السلطة الفلسطينية قد طلبت من المحكمة في مايو/ أيار 2018، إجراء تحقيق في جميع الجرائم المرتكبة في فلسطين وقدم الطلب حينها، وزير الخارجية الفلسطيني، رياض الملكي، مشيرا إلى أن الطلب يشمل الاستيطان الإسرائيلي والاستيلاء على الأراضي والقتل الذي يتعرض له المحتجين السلميين، خاصة في تظاهرات العودة الأسبوعية في قطاع غزة.
القرار الذي انتظره الفلسطينيون على مدار سنوات طويلة، يتطلب بحسب مراقبين عدة إجراءات قوية وفعالة، حتى لا يكون محله الأدراج، كما حدث في مناسبة عدة بالسنوات الأخيرة.
تحقيق دولي
وقالت بنسودا في بيان، نشر على موقع المحكمة الإلكتروني، إن "جميع المعايير القانونية التي ينص عليها ميثاق روما (معاهدة تأسست بموجبها المحكمة جنائية الدولية) توافرت، وتسمح بفتح تحقيق في مزاعم ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية".
وأضافت: "لدي قناعة بأن جرائم حرب ارتكبت بالفعل أو ما زالت ترتكب في الضفة الغربية بما يشمل القدس الشرقية وقطاع غزة".
كما أكدت بنسودا أنه في ظل طلب دولة فلسطين تدخّل المحكمة "فإنها لا تحتاج لطلب موافقة القضاة على بدء التحقيق"، وأشارت إلى أنها ستطلب من المحكمة، تحديد ما هي الأراضي المشمولة ضمن صلاحياتها، كون إسرائيل ليست عضوا في المحكمة.
انتصار فلسطيني
أسامة القواسمي، عضو المجلس الثوري والمتحدث باسم حركة "فتح" الفلسطينية، قال إن "هذا القرار جاء نتيجة جهد فلسطيني عالي المستوى، برئاسة الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، منذ عام 2011 قبل الانضمام للأمم المتحدة كدولة بصفة مراقب، وكانت الخطوة استراتيجية تمهيدًا للوصول لهذه اللحظة".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك": "يعبر هذا الأمر عن قرار وطني فلسطيني مستقل رغم كل الضغوطات التي مورست على الرئيس وحركة فتح، والقيادة الفلسطينية لأجل منعهم من تقديم شكاوى إلى محكمة الجنائية الدولية".
وتابع: "قدمنا الشكاوى فيما يتعلق بالاستيطان، والعدوان على غزة، والإعدامات الميدانية، والكثير من الجرائم التي لها علاقة بالاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين".
وعن التحركات الفلسطينية المقبلة، قال عضو المجلس الثوري، إن "الرئيس أبو مازن اجتمع مع اللجنة المسؤولة عن متابعة ملف الجنائية الدولية، التي يرأسها الدكتور صائب عريقات، وأعطاهم توجيهات واضحة، وصلاحيات كاملة من أجل متابعة هذا الملف حتى النهاية وتقديم كافة الوثائق والأوراق والثبوتيات التي يمكن أن تكون بحاجة إليها المحكمة في استكمال العمل القانوني الذي يكفل تحقيق العدالة الدولية بمحاكمة مجرمين الحرب الإسرئيليين".
تحدي أمريكا
من جانبه قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القدس والأقصى والقيادي في حركة "فتح"، إن "قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أنها تريد فتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة في الأراضي الفلسطينية يعتبر انتصارًا للحق الفلسطيني".
وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "السلطة الفلسطينية تقدمت بطلب منذ عام 2014، للجنائية الدولية للتحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها الاحتلال في القدس من خلال حرق الشهيد محمد أبو خضير حيا، وحرق عائلة دوابشة، واستشهاد العائلة وحروب قطاع غزة، التي كان أخطرها حرب 2014، حيث أقدم الاحتلال على إبادة أكثر من 55 أسرة فلسطينية بشكل كامل وقتل مئات الأطفال".
وتابع: "لقد منع الاحتلال وفد الجنائية الدولية أكثر من مرة زيارة الأراضي الفلسطينية، والتحقيق في هذه الجرائم، ورغم إرسال الأمم المتحدة فريقا للتحقيق، فإن التقرير خلص بإدانة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية دون الحديث عن جرائم الاحتلال".
وأشار إلى إن "تصريح الجنائية الدولية والذي جاء على لسان المدعية العامة، لا يعتبر انتصارا للحق الفلسطيني فقط، بل ويمثل تحد للجهد الأمريكي الداعم والحامي للاحتلال في مؤسسات المجتمع الدولي".
توحيد الجهود
وعن المطلوب فلسطينيًا لاستكمال هذه الخطوة، مضى قائلًا: هذا التصريح يحتاج إلى توحيد الجهد الفلسطيني لضمان إنجاز ملفات قضائية ضد الاحتلال، وتحويله لقرارت من خلال تقديم ملفات جنائية ضد جرائم الاحتلال، وألا تذهب تصريحات الترحيب فقط بهذا التصريح أدراج الرياح واستخدام التضليل الإعلامي، كما حدث من قبل عند الإعلان أكثر من مرة عن تقديم قضايا للجنائية الدولية، التي نفت حينها أنه تقدم لها أي ملف".
وبشأن الموقف الإسرائيلي المتوقع، أكد أن "الاحتلال الإسرائيلي لن يقبل بهذا الموقف من الجنائية الدولية، فقد اعتبره رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أنه معاد لإسرائيل، وأنه لن يسمح للجنائية بإرسال طواقم تحقيق إلى الأراضي الفلسطينية، واعتبر أن موقف المدعية يناهض حق اليهود في فلسطين ويعادي للسامية".
واستطرد: "ألغى نتنياهو اليوم اجتماع لجنة وزارة تدرس ضم غور الأردن حتى لا يكون الحدث محركا للسلطة للتوجه للجنائية من خلال زيادة استفزازها وكذلك تأجيل إخلاء الخان الأحمر، وما تخشاه أن تعتبر السلطة خطوات نتنياهو التكتيكية هو رد مناسب لعدم التوجه للجنائية ويستمر الحال كما هو عليه".
وأنهى الرقب حديثه قائلًا: "هذا الموقف من الجنائية يعني أن العمل لن يكون سهلا، ويكفي أن نرفع ملفات للجنائية، ولا ننتظر للموقف الإسرائيلي، وأتمنى أن تقوم السلطة الفلسطينية في الشروع بتشكيل طاقم حقوقي فلسطيني عربي ودولي، للبدء في إعداد الملفات الجنائية الناضجة ضد الاحتلال، وألا يترك الأمر لانتظار موقف الاحتلال واجتهادات الخارجية الفلسطينية".
مواقف دولية
ورحبت فلسطين بقرار المحكمة الجنائية الدولية وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن "هذا اليوم عظيم لأننا حققنا فيه ما نريد، واعتبارا من اليوم ستبدأ ماكينة المحكمة الجنائية الدولية بتقبل القضايا التي سبق أن قدمناها".
وأضاف عباس: "بعد أربع سنوات من العمل والمتابعة الحثيثة، وتقديم كل ما يلزم حول جرائم الاحتلال المرتكبة بحق شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، صدر اليوم القرار لأن المحكمة كانت تتابع الحيثيات والقوانين والقضايا وتدرسها".
وأشار إلى أنه "أصبح بإمكان أي فلسطيني أصيب جراء الاحتلال أن يرفع قضية".
وشككت إسرائيل، من جانبها، في السند القانوني لطلب قدمه الفلسطينيون للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان مرتبطة بسياسات الاستيطان.
وقالت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان "الإحالة الفلسطينية محل الكلام ليس لها سند قانوني، والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني خارج دائرة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية لأن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة ولأن السلطة الفلسطينية ليست دولة"، وفق "رويترز".
أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة تعارض "بحزم" فتح المحكمة الجنائية الدولية لتحقيق كامل تحقيق بادعاءات حول جرائم حرب ارتكبت في المناطق الفلسطينية.
وانضمت فلسطين إلى المحكمة الدولية في يونيو/ حزيران 2014، فيما تجري المحكمة تحقيقا مبدئيا منذ 2015 في جرائم مفترضة في الأراضي الفلسطينية منها الاستيطان الإسرائيلي.