أخطر ما جاء بقانون الانتخابات... كيف تهدد المادة 15 وحدة العراق؟

خرج العراقيون، منذ الأول من أكتوبر/تشرين أول الماضي، إلى الشارع مطالبين بالتغيير الجذري في الحياة السياسية، وحقق المتظاهرون بعض المكاسب نتيجة الضغط والتضحيات والإصرار كان آخرها قانون الانتخابات الجديد والذي صادق عليه البرلمان أمس الثلاثاء.
Sputnik

وصوت البرلمان العراقي، مساء الثلاثاء، على قانون الانتخابات الجديد بصيغته المعدلة التي تحول العراق من الدائرة الواحدة لكل محافظة إلى تقسيم المحافظات إلى دوائر انتخابية صغيرة.

"تقسيم العراق"... نواب يصدمون الشعب بعد تمرير المادة 15 من قانون الانتخابات
كما اعتمد القانون الجديد على الترشيح الفردي بعيدا عن سطوة القوائم الكبيرة، ويعد ذلك المنجز الثالث الذي يتحقق للمتظاهرين بعد استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، مطلع الشهر الحالي، وتغيير أعضاء مجلس المفوضين واستبدالهم بقضاة استجابة للضغوط الشعبية.

وصوت البرلمان على المادة 15 من قانون الانتخابات التي تسببت بخلافات عميقة بين الكتل طيلة الفترة الماضية، ونصت المادة على أن يتم اعتبار كل قضاء (مدينة) دائرة انتخابية، على أن يكون لكل 100 ألف شخص مقعد بالبرلمان، وفي حال قل عدد نفوس القضاء عن هذا العدد يدمج في قضاء مجاور له.
كما جاء في المادة ذاتها أن الترشيح للانتخابات سيكون فرديا ضمن الدائرة الانتخابية، ويعد فائزا بالانتخابات من يحصل على أعلى الأصوات في الدائرة، وفي حال تساوي الأصوات يتم اللجوء إلى القرعة.

وقد ثارت الكثير من الخلافات حول المادة، وكانت أبرز الكتل الرافضة هم الأكراد، الذين يرون فيه خطورة تهدد وحدة العراق، في الوقت الذي تلقى المنتفضين القانون بارتياح واعتبروه خطوة جديدة على الطريق.. هل تمثل تلك المادة خطورة حقيقية على العراق أم أنها مخاوف من الكتل السياسية خوفا على مكاسب خاصة؟

من دائرة إلى دوائر 

قال أحمد الكناني النائب العراقي عن تكتل صادقون لـ"سبوتنيك"، كل القرارات والقوانين داخل البرلمان تتم عن طريق التوافق بين الكتل السياسية، ولم يكن هناك خلافات حول المادة 15 من قانون الانتخابات والخاصة بتقسيم الدوائر سوى من التكتل الكردي والذي كان يريد أن تكون المحافظة دائرة واحدة في حين أن القانون الذي توافقت عليه الأغلبية يقسم المحافظات إلى دوائر متعددة، وتلك كانت مطالب الشارع بضرورة وجود قانون يمثل ويعبر بشكل حقيقي عن المواطن العراقي.

وأشار الكناني، إلى أن الحقيقة عكس ما يردده البعض وهناك قبول للقانون من قبل الشارع وفي نفس الوقت امتعاض من جانب بعض الكتل السياسية وهذا أمر طبيعي على اعتبار أن هناك أغلبية داخل مجلس النواب أيدت القانون، وبالتالي لا نخشى من وجود مشاكل في المستقبل فيما يختص بهذا الأمر.

المعترضون 

وأكد النائب العراقي، أن الأخوة الكرد هم من اعترضوا على تقسيم الدوائر، ولا قلق من القانون، وليست هناك مشكلة إذا حصلت إحدى المحافظات التي يتواجد بها الكرد على مقعد إضافي، واعتقد ان القانون سوف يسهم في تهدئة الشارع، وإنهاء عمليات التشكيك في كل انتخابات تحدث باعتبار أن قوانيين الانتخابات السابقة كانت تكرس لسطوة الأحزاب والكتل السياسية، أما اليوم فإن الأوضاع تغيرت بشكل كامل وهناك قانون فردي يتيح للجميع الاشتراك ويمثل الشارع بشكل حقيقي. 

قبول شعبي

ما زال الخلاف مستمرا... مقترحات لحل المادة الجوهرية في قانون انتخابات العراق

وحول رد فعل الشارع العراقي تجاه القانون الجديد قال الكناني، هناك تقبل كبير للقانون من قبل الشارع، وهذا القانون يحتاج إلى إجراءات سريعة منها الذهاب إلى انتخابات مبكرة حتى يكون هناك اتفاق واطمئنان وعودة الشارع إلى وضعه السابق.

ولفت النائب البرلماني إلى أنه "بمجرد تشكيل المفوضية العليا للانتخابات في شكلها الجديد سيكون على عاتقها تحديد حجم الدوائر وبالتالي الانتخابات في أقرب وقت ما بين 6-3 أشهر، ولو بقي الحال كما هو في السابق دائرة واحدة، بكل تأكيد ستكون الأمور أكثر تعقيدا والنتائج ستكون غير مقبولة من جانب الشعب العراقي". 

تعقيدات كبيرة

ومن ناحيتها قالت الدكتورة فيان صبري رئيسة كتلة الحزب الديموقراطي الكوردستانى ومتحدثتها الرسمية في البرلمان العراقي، إن "المادة في شكلها الحالي الذي صوت عليه المجلس، ونظام الأقضية قد تكون فيه بعض الإيجابيات، ومنها القرب للناخب والتمثيل المناطقي بالدوائر الأصغر على أساس القضاء، ولكن هذا النظام يحتوي على تعقيدات كبيرة وخاصة في موضوع تحديد الدوائر الانتخابية للأقضية التي لا يصل تعدادها إلى 100 ألف نسمة، ودمج الأقضية مع بعضها، والسجل الانتخابي الذي هو بالأصل على أساس المحافظة".

وأضافت صبري أن "تطبيق تلك المادة يحتاج إلى تحديث سجلات المواطنين على أساس الأقضية وهذا الأمر يحتاج إلى مفوضية انتخابية متمرسة، وقد صوت البرلمان على المفوضية الجديدة، وأيضا موضوع كوتا المرأة والمعقد تخريجه في ظل الدوائر المتعددة، وأيضا موضوع النازحين سيكون فيه تعقيد كبير، علاوة على أن دمج الأقضية في المناطق المتنازع عليها ستواجهه تعقيدات كبيرة، لأن أي نظام انتخابي يجب أن يكون متوافقا مع إرادة الناخبين والبيئة السياسية والواقع الاجتماعي والوعي الانتخابي، ويؤسس لتمثيل كل الأطياف السياسية في البلاد".

وأشارت رئيسة كتلة الحزب الديموقراطي الكوردستانى إلى أن "هذا القانون سيؤسس لتعميق وسلطة بعض الأحزاب الكبرى على الأحزاب الصغيرة، لكنه لا يشكل خطورة على وحدة البلاد فمهما كان النظام أو الدائرة الانتخابية، فالذي سيأتي سيمثل العراق ككل ولن يمثل التقسيمات الطائفية أو المناطقية وغيرها من التقسيمات الطبقية".

وعبرت صبري عن مخاوفها من أن تلك المادة ستؤجل عملية إجراء انتخابات مبكرة، لأنها تتطلب الكثير من الإجراءات على الأرض مثل التقسيمات الإدارية للأقضية وسجلات المواطنين ودوائرهم.

الديمقراطي الكوردستاني 

العبادي يكشف الجهات التي تقف خلف الاغتيالات في تظاهرات العراق
واعتبرت المتحدثة باسم كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني ارام بالاتي، الأربعاء، أن "قانون انتخابات مجلس النواب بصيغته الحالية فصل على مقاس الأقوياء والأحزاب الكبيرة"، مشيرة إلى أن القانون لن يكون نافذا إلا في هذه الحالة.

وقالت بالاتي في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "قانون الانتخابات الجديد فصل على مقاس الأحزاب الكبيرة والأقوياء وسيكون المستقلون والأحزاب الصغيرة هم الضحية في هذا القانون، على اعتبار أن المال والسلاح والنفوذ سيكون لهم الكلمة في ترشيح اسم على حساب آخر".

وبين أن "الديمقراطي الكردستاني لديه قواعد جماهيرية كبيرة ولا يخشى من أي نظام انتخابي، ولكننا دافعنا عن حقوق باقي المكونات والأحزاب الصغيرة لأن العراق لكل العراقيين وليس لجهات وأحزاب محددة".

مناطق احتكاك

أما الدكتور عبد الستار الجميلي أمين عام الحزب الطليعي الناصري، قال لـ"سبوتنيك"، إن "الواقع أن قانون الانتخابات الجديد ومفوضيته الجديدة، لن يحلا مشكلة العراق التي تكمن في طبيعة النظام السياسي ونمطه الطائفي والعنصري الاستبدادي وفساده غير المسبوق.

وأضاف الجميلي "ما أسهل على القوائم الحالية من السيطرة على المشهد الانتخابي من جديد عبر التزوير والمال السياسي والمشاريع الخارجية، خصوصا وأن القانون قد أكد على الانتخاب الفردي في التصويت على المرشح وتعدد الدوائر، وهو اتجاه نؤيده، لكنه يحمل مخاطر محتملة في المادة 15 وغيرها، تخوفا من استغلال هذا النوع من الانتخاب لفرض أمر واقع في مناطق الاحتكاك مع محافظات أربيل ودهوك والسليمانية تحت ضغط السلاح والمال وغير ذلك".

خطورة المادة 15

العراق... إحراق مقرين لفصيلين مواليين لإيران خلال تشييع جثمان ناشط
وتابع الجميلي "يمكن أن يؤدي القانون الجديد إلى مجيء نواب لا علاقة لهم بالمناطق إلا بوصفهم ممثلين لمشروع يهدد وحدة العراق، لذلك فإن تغيير المفوضية وقانون الانتخابات كان المفروض أن يكونا نتاج مشروع دستور وطني جديد، يحقق مطالب الثورة بإلغاء الفيدرالية وتبني النظام الرئاسي البرلماني المختلط، ومحاسبة القتلة والفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة وغيرها من المطالَب المشروعة.

تقليص دور الأحزاب

وقال المحلل السياسي العراقي إياد العناز لـ"سبوتنيك" إن نسبة كبيرة من مواد قانون الانتخابات الجديد جاءت ملبية لمطالب الجماهير المنتفضة في الشارع وتم الرضوخ لمطالبهم بالتقليص الواضح لدور الأحزاب والكتل السياسية خلال المرحلة المقبلة، وذلك من خلال تقسيم الدوائر الذي ورد في المادة 15 من القانون، حيث إن ما جاء بها كان أحد مطالب الشارع.

وأضاف العناز، علينا أن نعلم أن ما حصل من تصويت مجلس النواب على قانون الانتخابات الجديد كان بفعل الانتفاضة الشعبية الكبيرة التي تشهدها البلاد وإصرار أبناء شعبنا المنتفض على نيل حقوقه واسترداد كرامته والحفاظ على استقبال وطنه وأبعاد الأحزاب والكتل السياسية عن عملية الهيمنة والسيطرة وعمليات التزوير التي طالت جميع الانتخابات السابقة.

وأشار المحلل السياسي إلى أن القانون الجديد يقلص دور الأحزاب السياسية ويعمل على تقويض الأساليب التي اتبعتها سابقا في فرض مرشحيها ودعمهم بمختلف الوسائل والأدوات، والتأثير على اختيارات الشعب واستخدام النفوذ السياسي في التدخل بمهام وعمل مفوضية الانتخابات، كما حدث في الأعوام السابقة والاعترافات التي تلت انتخابات عام ٢٠١٨ وحالات التزوير التي طالت العديد من المراكز الانتخابية داخل وخارج العراق و عزوف الناخبين عن المشاركة، بحيث بلغت نسبة المشاركة 19%.

الإرادة السياسية

وأوضح العناز أن الغاية ليست إقرار قانون انتخابات يلبي طموحات وآمال الشعب المنتفض، ولكن المهم الإرادة السياسية التي تساهم في تطبيق القانون وبجميع بنوده وفقراته بعيدا عن حالات الالتفاف أو الاستخدام الخاطئ المتعمد للقانون، أي أن يكون الإشراف الأممي عاملا مهما في إجراء أي انتخابات قادمة مبكرة ونزيهة تسمح لشباب العراق وكفاءاته العلمية والفكرية بالمساهمة في استعادة البلاد لعافيتها، بأطر قانونية صحيحة وبعد تعديل واضح وكامل للدستور، واستخدام النزاهة والعدالة في تقسيم العراق إلى دوائر انتخابية وفقا للمادة 15، مع وجود الحيادية التي تفرض إرادة القانون على الطبيعة السكانية للدوائر بما يخدم المواطن بعيدا عن المحاصصة الطائفية والمنافع الفئوية الحزبية التي قد تستغل بعض فقرات القانون وطبيعة التقسيم الخاص بالدوائر الانتخابية لمصلحتها.

خبراء: الشارع العراقي لا يعنيه ما يجري في "المنطقة الخضراء"

وأكد المحلل السياسي على أن الفاعل العشائري والاجتماعي سيلعب دورا مهما في عمليات الاختيار للأشخاص المرشحين للانتخابات ضمن الدائرة المحددة، وسنرى العديد من الأشخاص التي تحظى بمحبة أهلها وطبيعة العلاقة الاجتماعية مع الوسط الذي يترشح عنه، وأنها من تتسيد الواجهة السياسية بعيدا عن النفوذ والهيمنة الحزبية لأحزاب السلطة التي حكمت العراق في السنوات التي تلت الاحتلال الأمريكي، وبهذا يكون الترشيح الفردي أساسا في الفوز بأعلى الأصوات.

وأشار العناز مجددا إلى أن العديد من الوجوه الحزبية الفاسدة التي استغلت عملية الانتخابات لتحقيق غاياتها ومنفعتها الشخصية وطموحات الحزب والكتلة السياسية التي دعمتها ستغيب عن المشهد.

وشدد المحلل السياسي على ضرورة المطالبة باستخدام النظام البارومتري من قبل الجمهور، الذي يمنع عملية التزوير التي شابتها الانتخابات السابقة، والدفع بانتخابات مبكرة للوصول إلى نظام سياسي وطني وحكومة منحازة لشعبها وجماهيرها المنتفضة ورئيس حكومة بعيدا عن الأحزاب السياسية، ويعتمد هذا على الوعي والإدراك والفهم الواقعي للمشهد السياسي العراقي من قبل الشعب المنتفض سيكون عاملا مهما في التغيير القادم.

واندلعت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العاصمة بغداد، ومحافظات الوسط، والجنوب، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في أكبر ثورة شعبية يشهدها العراق منذ الاجتياح الأمريكي وإسقاط النظام السابق الذي كان يترأسه صدام حسين، عام 2003.

ويرفض المتظاهرون العراقيون، التخلي عن ساحات الاحتجاج التي نصبوا فيها سرادقات عديدة للمبيت على مدار 24 ساعة، يوميا، لحين تلبية المطالب كاملة، بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وسراق المال العام، وتعيين رئيس حكومة جديد من خارج الأحزاب، والعملية السياسية برمتها.

وعلى الرغم من استطاعة المتظاهرين في العراق، إقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، إلا أنهم يصرون على حل البرلمان، وتعديل الدستور، بإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات مبكرة لاختيار مرشح يقدم من الشعب حصرا.

مناقشة