هل حققت إيران انتقامها من الولايات المتحدة... وكيف ستكون العلاقات بين الطرفين؟

حبس العالم أنفاسه خوفا من نشوب حرب على خلفية اغتيال الولايات المتحدة لقائد فيلق "القدس" قاسم سليماني، والرد الإيراني بضربها لقاعدتين أمريكيتين في العراق بصواريخ باليستية.
Sputnik

الولايات المتحدة اغتالت سليماني لأنه "الإرهابي الأول" كما قال رئيسها دونالد ترامب في خطابه بعد الضربات الإيرانية على القواعد في العراق، والتي أكد خلاله أن جميع الجنود الأمريكيين هناك بخير وأن أحدا لم يصب.

في المقابل أكدت الجمهورية الإسلامية في إيران أن العشرات من الجنود الأمريكيين قتلوا وجرحوا خلال الهجوم وأن طائرات عسكرية نقلتهم إلى إسرائيل وإلى الأردن وأماكن أخرى، وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الخطوة العسكرية كانت عبارة عن صفعة، وأن الانتقام من الولايات سيكون بإخراجها من المنطق.

هل اكتفت إيران؟

عن الرد الإيراني وهل حققت انتقامها منه أم أن هناك خطوات أخرى ستقوم بها الجمهورية الإسلامية في إيران، يقول رئيس مركز الامة الواحدة للدراسات الفكرية والاستراتيجية فادي السيد في حوار مع وكالة "سبوتنيك": بحسب المعطيات التي أراها والتي حصلت عليها إن كان من الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو من محور المقاومة هناك سياق للرد على الجريمة التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية بحق الفريق قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس سيكون على الشكل التالي، هناك رد استراتيجي وهناك رد استنزاف، وهذا ما أشار إليه بعض القادة في الجمهورية الإسلامية.

ويتابع السيد: الرد الاستراتيجي هو ما قامت به إيران بقصف قاعدة عين الأسد في العراق، ثم  الخطوة الثانية،رد الاستنزاف، حيث سيكون عبارة عن ردود متتالية سيتولاه محور المقاومة، من أجل إخراج الوجود الأمريكي من المنطقة، وهذا الموضوع غير قابل للبحث في طهران، حيث الكل في إيران مجمع على هذه النقطة.

ويضيف: هناك أيضا الرد الأمني، حيث تمت عملية اغتيال، وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه، حيث أن هناك اتفاق ضمني مبدأي كان بين جميع الدول بأن لا يتم اغتيال قادة من كلا الجانبين وأن هناك خطوط حمراء في هذا الموضوع، فعندما تتجاوز الإدارة الأمريكية هذه الخطوط وتنتهك القوانين الدولية، بقتل قائد من هذا النوع وهو ممثل رسمي للجهورية الإيرانية.

ويكمل: هذا يعطي الحق للدولة المعتدى عليها بالرد على الدولة المعتدية، وهذا يفتح الباب أمام عمليات نوعية أمنية، ومن المرجح أن نرى هذا النوع من العمليات، لأنهم في إيران لا يرضون بهذه العملية التي وصفوها بالصفعة وليست بالرد الكامل.

أما المحلل السياسي أحمد فتحي من الولايات المتحدة فيقلل من أهمية الرد الإيراني على اغتيال سليماني، ويتحدث عن ذلك في اتصال مع وكالة "سبوتنيك"، ويكمل: ما قامت به إيران هو عملية محسوبة من أجل امتصاص الغضب الشعبي في الشارع الإيراني نتيجة لمقتل قاسم سليماني، أما بالنسبة لتصريحات قادة الحرس الثوري فأتصور بأنها تدور في نفس السياق، ولا نستطيع أن نأخذها بشكل مبسط، ولكن لا نستطيع أن نعطيها  أكبر من حجمها الحقيقي.

ويتابع: الرئيس ترامب مع استعادة اختيار الردع أرسل رسالة واضحة إلى إيران والوكلاء لها في المنطقة، أن الرد سيكون متصاعدا، ولا أتصور أن إيران سترد عبر وكلائها، فرأينا الطيران الإسرائيلي يطير فوق مواقع "حزب الله" في لبنان والطيران الأمريكي فوق سوريا، ومقتدى الصدر في العراق صرح بأن العمليات العسكرية انتهت ولن يكون هناك تصعيد.

ويضيف: بالطبع سيكون هناك عناصر لا يوجد سيطرة كاملة عليها، وقد تطلق بعض صواريخ الكاتيوشا كما حدث يوم أمس في المنطقة الخضراء، ولكن كعمل منهجي منظم أشك في ذلك كثيرا أن يحدث.

بدوره علق كبير الباحثين في مركز الخليج المتخصص في الاستراتيجيات والعلاقات الدولية هشام الغنام خلال اتصال مع "سبوتنيك"، ويتحدث عن طبيعة الرد الإيراني: حتى نفهم ونتوقع طبيعة الرد الإيراني يجب أن نعلم الحالة الصعبة التي يجد النظام نفسه فيها فهو من جهة بحاجة إلى مواصلة استراتيجيته الإقليمية العدوانية وبنفس الوقت هو بحاجة ماسة إلى تخفيف العقوبات الأمريكية عليه التي تخنقه.

ويكمل: لكنه أيضا يعلم انه بحاجة إلى الرد علناً على استهداف الولايات المتحدة لقاسم سليماني، لكنه بتصوري سرعان ماسيلجأ إلى إستراتيجيته المعتادة، استراتيجية حافة الهاوية المحسوبة، بدلاً من الهجمات المعلنة والواضحة.

ويواصل الغنام: الإيرانيون يهمهم أمران رئيسان في المرحلة الراهنة اقتصادهم المنهار وأماكن نفوذهم الرئيسة في الهلال الخصيب وتحديدا العراق، لذلك فإن رد إيران المحدود على اغتيال  سليماني يؤكد بأنها مصممة على مواصلة مسيرتها الأولى، المحسوبة، في التعامل مع الضغط الأمريكي.

ويردف الخبير السعودي: إيران  لا تريد أن تنخرط في عملية انتقامية غير محسوبة تؤثر على استراتيجيتها العامة في الإقليم كمحاولة استهداف شخصيات أمريكية هامة. همها الرئيسي الآن هو أن يتغير حال العقوبات المفروضة عليها. في الوقت الحالي، لا أتوقع ردود أكثر مما رأيناه، لكن إيران بالتأكيد ستسخدم وكلائها الإقليميين في مهاجمة مصالح الولايات المتحدة.

ويشير إلى أن التركيز الإيراني الآن سيكون على هجمات في العراق تستهدف المصالح الأمريكية مع قدرة على إنكار نسبة الهجمات لها كجزء من حملتها الرامية إلى تحطيم أية علاقة أو ارتباط أمريكي مع العراق.

وفي حوار مع وكالة "سبوتنيك" يرى الأستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة روسيا المالية كيفورك ميرزايان بأن هناك اختلافا داخل الإدارة الإيرانية حول الرد على مقتل سليماني، ويبين قصده: هناك وجهات نظر مختلفة في هذا الصدد، فيعتقد البعض أن إيران حققت بالفعل ضربة انتقامية كافية، وهذا يشمل وزير الخارجية الإيرانية، التي أعلنت ذلك رسميا، وبالنسبة لهم أن ضربة انتقامية قد حدثت، وهذا إذا جاز التعبير يحفظ ماء وجه البلد، وأي إجراءات أخرى من جانب إيران في هذا الاتجاه قد تتسبب في تصعيد غير ضروري.

ويكمل: لكن هناك مجموعة أخرى هم الجيش الإيراني، وهم يريدون الاستمرار في اتخاذ الخطوات التي لا يستطيع ترامب الإجابة عليها، فعندما قصف الإيرانيون قاعدة أمريكية في العراق، تجاهل ترامب ببساطة الحادث، فلأول مرة ضربت دولة القواعد الأمريكية، ولم يكن هناك رد على ذلك، وهذه سابقة خطيرة للغاية، حيث قد تحذو الدول الأخرى حذو إيران في المستقبل.

رد فعل ترامب

وبعد أن خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأعلن أن الرد على ضرب القواعد الأمريكية سيكون عبر العقوبات الاقتصادية، اختلف المحللون فيما أن رد ترامب كان لحسابات أربكها الرد الإيراني، أو أنه اختار لغة العقل والمنطق لمنع انزلاق المنطقة إلى الهاوية.

عن ذلك يقول المحلل الإيراني فادي السيد: نوعية الصواريخ التي أطلقت من إيران باتجاه قاعدة عين الأسد، والتي يصل مداها إلى أكثر من 800 كم، وتحمل أكثر من رأس متفجر وتعمل بالوقود الصلب، وقد شلت كافة الرادارات والقبة الحديدية التي كانت تتغنى بها الولايات المتحدة هذا بحد ذاته رسالة للولايات المتحدة بأن إيران تمتلك وسائل عسكرية متقدمة جدا ومتطورة.

ويواصل: كما أن الرئيس الأمريكي معروف بأنه لا يحترم أي مواثيق دولية ولا أي اتفاقيات، كما جرى مع الاتفاق النووي الإيراني عندما خرج منه، الذي يحمل الشرعية الدولية من قبل مجلس الأمن، فعندما يضرب الرئيس الأمريكي عرض الحائط بكافة هذه المواثيق يعني بأنه غير جدير بالقثة وبالمصداقية، فعندما جلس مع كوريا الشمالية ووقع اتفاقيات مع كوريا الشمالية، لم يلتزم بأي بند من هذه الاتفاقيات، حتى أًصبحت الأمور أسوأ مما كانت عليه بين البلدين.

 ويتابع المحلل الإيراني: اليوم طهران ترى بتصريحات ترامب الأخيرة بأنها نفاق سياسي، وأنه يريد القفز فوق الحماقة التي ارتكبها وردة الفعل الإيرانية التي لم يكن يتوقعها الجانب الأمريكي، فلذلك يحاول إعلاميا  أن يذر الرماد للتغطية على هذا الموضوع، وجر الإعلام إلى مكان آخر وبأنه يريد الجلوس مع طهران على طاولة الحوار لحل بعض المشاكل الاقتصادية وموضوع الملف النووي الإيراني.

أما المحلل السياسي أحمد فتحي فيرى أن الضربة الإيرانية لم تكن تستحق ردا عسكريا من الولايات المتحدة، ويشرح ذلك: أعتقد طبقا للمعلومات المتاحة أن الضربة الإيرانية لم يكن الهدف منها تحقيق خسائر لا بشرية ولا مادية، ورأيت تقرير من موقع سقوط الصواريخ في أربيل، حيث المنطقة جرداء ولا يوجد فيها أهداف لتدميرها، وهي عبارة عن مسرحية من أجل امتصاص غضب الشارع.

ويكمل: رأينا في جنازة سليماني أعدادا رهيبة والتدافع الذي حدث وأدى إلى مقتل العشرات وجرح المئات، فلم يكن أمام النظام الإيراني شيء إلا امتصاص هذا الغضب، لأن الوضع في إيران على برميل من البارود، حيث تقوم مظاهرات ضد النظام منذ وقت طويل، وبالتالي هي خطوة محسوبة وجاءت في صالح النظام الإيراني.

ويضيف فتحي: أما بخصوص عرض ترامب للتفاوض أتصور أن في النهاية لن يوجد أمام إيران مساحة للمناورة، وعليها حظر اقتصادي قاسي، ولا تستطيع أن تبيع النفط إلى أن وصلوا إلى درجة أن يتسولوا بيع النفط، فقط لتغطية نفقاتهم الجارية.

ويستدرك: لذلك في النهاية ستجلس إلى طاولة المفاوضات وستقبل ما يطالب به الأمريكان، من وقف برامج الصواريخ الباليستية، ووضع قيود أشد قسوة على التخصيب، وهذا يتفق به الناتو مع الإدارة الأمريكية.

أما ميرزايان الأستاذ في قسم العلوم السياسية فيقول: كان على ترامب أن يظهر بأنه لا يوجد خطر، وأن القضية قد تم حلها، لذلك قدم ترامب تصريحا بأقصى درجة من الهدوء، وبأن أحد لم يصب وبأن كل شيء على ما يرام، ولن تكون هناك حرب، وبأنه سيزيد العقوبات، وكان البيان طبيعيا جدا.

ويكمل: ترامب يدرك بأن مزيدا من التصعيد في النزاع لن يفيده، وإذا بدأت الولايات المتحدة بقصف إيران فعلا، وإذا ردت إيران بقصف القواعد الأمريكية في الدول المجاورة كما فعلت في العراق، فأن حربا دموية واسعة النطاق ستبدأ، وسيكون هناك الآلاف من الجنود الأمريكيين القتلى، وهذا ما يكفل لترامب خسارة الانتخابات المقبلة.

مستقبل العلاقات

وعن مستقبل العلاقات بين إيران والولايات المتحدة وإن كان بإمكانها أن تنحى منحى إيجابي بعد أن دعى ترامب إلى إعادة التفاوض على اتفاق نووي جديد مع إيران، يقول فادي السيد من إيران: أستبعد أن يكون هناك أجواء إيجابية ، ولكن يمكن بناء على تدخل بعض الوساطات بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين إيران، ولا أظن بأن هذا سيحدث في ولاية الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، لأنه غير موثوق.

ويضيف: يمكن لهذا الطرف الثالث  أن يساعد بالاتفاق على أن تغض الولايات المتحدة الأمريكية الطرف وأن  تفتح نقاط اقتصادية مع إيران وحدوث تبادل مالي ، مقابل أن تغض الجمهورية الإسلامية الطرف عن بعض الأمور، ولكن هذا غير قابل للتطبيق الآن باعتقادي، لأن ترامب لا يوثق به أحد، حتى من أقرب الدول إليه.

وبدوره المحلل السياسي أحمد فتحي يرة أن العلاقات لن تكون بشكل إيجابي على الأقل خلال فترة رئاسة ترامب، ويقول: بالنسبة للعلاقات الأمريكية الإيرانية في إطار رئاسة دونالد ترامب للولايات المتحدة فهو لن يقبل بأنصاف الحلول، وهو خلال حملته الإنتخابية في عام 2016 جاء بأجندة ضد النظام الإيراني القائم، وهي متفقة مع أفعاله حتى الآن.

ويضيف: هم لن يكونوا من أفضل الأصدقاء، ولكن إيران وصلتها الرسالة واضحة أن ما كانت تقوم به في الماضي لن يتم التغاضي عنه مستقبلا، ووكلاء إيران استوعبوا ذلك على الأقل في الوقت الحالي، وما سيحدث بعد ذلك سيحدث ردود أفعال رادعة من الإدارة الأمريكية كما أعلن ترامب وكبار مستشاريه.

أما الأستاذ في قسم العلوم السياسية كيفورك ميرزايان فلخص مستقبل العلاقات فيما يلي: من الصعب جدا التنبؤ بشيء عن العلاقات الأمريكية الإيرانية، فالمفاوضات المباشرة بين الطرفين أصبحت مستحيلة، ولكن أعتقد أنها ستبقى من خلف الكواليس.

مناقشة