أثبت نادي ليفربول في الفترة الأخيرة لعشاقه على وجه الخصوص ولجميع عشاق كرة القدم عموما أنه لا يوجد منافس حقيقي له حاليا، وذلك النجاح الكبير لم يأت بمحض الصدفة، بل أتى نتيجة لمشروع رياضي اقتصادي متكامل، ولكن هناك عامل جديد أفصح عنه النادي مؤخرا لا يقل أهمية عن تكامل النجاح الفني والاقتصادي، وهو فريق علم البيانات، والذي قال عنه المدرب "يورجن كلوب": "لولا هو لما أصبحت هنا".
ويقود هذا الفريق "أيان غراهام" الحاصل على دكتوراه في الفيزياء النظرية من جامعة كامبريدج، مع كل من "تيم واسكيت" عالم الفيزياء الفلكية، و"ويل سبيرمان" الحاصل على دكتوراه في الفلسفة، وعدد آخر من محللي البيانات، ولكن ما هو عمل أساتذة الفيزياء في ليفربول؟ وكيف استطاع فريق تحليل البيانات أن يكون صاحب اليد العليا في اتخاذ القرارات الهامة في الفريق؟ هذا ما يحاول هذا التحليل توضيحه، بحسب ما ذكر الموقع الرسمي للنادي.
تحليل البيانات:
استطاع "أيان غراهام" أن يبني خوارزمية رياضية Mathematical Model عرضها على المدرب "يورغن كلوب" في الأسبوع الثالث من توليه إدارة الفريق، وقد كانت هذه الخوارزمية خاصة بتحليل أداء فريق بروسيا دورتموند، الفريق السابق للمدرب الألماني قبل أن يدرب الريدز، واستطاع فيه أن يوضح معلومات تحليلية لأداء الفريق السابق بشكل فاجأت كلوب شخصيا، فـ"يورغن كلوب" كأي مدرب كان مهتما أكثر بتدريب الفريق وليس بتحليل البيانات، وهو ما جعل "يورغن كلوب" يعتقد أن "أيان جراهام" قد تابع بروسيا دورتموند لكي يبني هذه الخوارزمية، ولكن كانت المفاجأة أن "غراهام" لم يشاهد أيا من مباريات الفريق على إطلاقا، وكل ما أراده هو الحصول على المعلومات الخاصة بأداء الفريق من أجل تحليلها والخروج باستنتاجات تفوق توقعات المدرب يورغن كلوب.
وبنى "أيان غراهام" قاعدة بياناته الخاصة من خلال مراقبة أكثر من 100 ألف لاعب من جميع أنحاء العالم، وقام من خلال خوارزميته من تحليل أداء كافة هؤلاء اللاعبين من أجل تقديم النصائح لإدارة الريدز لأي منهم يجب على الإدارة محاولة جلبه لتدعيم صفوف الفريق، ثم كيف ينبغي توظيف اللاعبين الجدد، وبناءً على هذه التحليلات استطاع ليفربول أن يطور من أدائه بصورة ملحوظة وسريعة، فانتقل من كونه ثامن الترتيب في الدوري الإنجليزي عام 2015 ليصبح في المركز الرابع عام 2016 و2017، ثم استحوذ على المركز الثاني عام 2018 بفارق ضئيل جدًّا عن أقرب منافسيه مانشستر سيتي الذي حصل على المركز الأول، ليقترب ليفربول من تحقيق فوز تاريخي بالدوري الإنجليزي هذا الموسم 2019/2020.
السيطرة على الملعب :
قدّم كل من "تيم واسكيت"و"ويل سيبرمان" مفهوم Pitch control أو السيطرة على الملعب، ولكن هذه المرة بطريقة جديدة قائمة على برمجيات كمبيوتر تقدم إحصاءات واحتمالات لمناطق تسجيل الأهداف داخل الملعب، وتعتمد على جمع البيانات من مقاطع الفيديو وتحليلها والخروج باحتمالات تسجيل هذه الأهداف.
وتقوم هذه البرمجيات بتحليل أداء الخصم داخل الملعب، من حيث تحركات اللاعبين مع الكرة ومن دونها والثغرات التي تحدث داخل الملعب لكي يتمكن لاعبي الفريق من استغلالها، كما أنها لا تقوم فقط بتحليل طريقة إخراج المدافعين للكرة، بل إلى أي اتجاه يخرجها المدافع وبأي قوة، وماذا يحدث حينما يتم استلام الكرة، ليقوم النموذج في النهاية برسم كافة تفاصيل ما يحدث داخل الملعب، وإخراجها في صورة بيانات وإحصاءات يتم تحويلها إلى قرارات داخل الملعب، فيتم دراسة نقاط القوة والضغط والمميزات والعيوب للفريق والفرق المنافسة، وتقديم توصيات وسياسات للتعامل مع الموقف، كل بحالته.
وبكل بساطة يتم تحديد أكثر الأماكن التي يترك فيها لاعبو الخصم مساحات فارغة يمكن للريدز تمرير الكرة فيها حتى دون أن ينظروا إليها، فينطلق الفريق الأحمر نحو بناء فرصة واعدة، تمثل احتمالًا بنسبة ما يُحددها هذا النموذج لتسجيل هدف، وبالتالي تحويل كافة التحركات داخل الملعب إلى سيناريوهات واحتمالات لتسجيل أهداف.
لم تكن كمية الأموال هي كلمة السر في نجاح ليفربول، بل العقلية الاحترافية، الرياضية والاقتصادية، بالإضافة إلى استخدام الخوارزميات الرياضية ولبرمجيات المعقدة، وإدارة قوية جمعت بين كل تلك العوامل، فعاد ليفربول إلى مكانه الطبيعي كعملاق من عمالقة كرة القدم الإنجليزية والعالمية، وتفوق بجميع المقاييس عن باقي الفرق من حيث الأداء والأرقام، فهل من مشروع آخر في كرة القدم الحديثة سيستطيع الوقوف في وجه المارد الأحمر؟.
(المقال يعبر عن راي كاتبه)