تعليقات الخبراء الأخيرة حول الطرق غير المفهومة لانتشار فيروس "كوفيد 19"، تعكس مدى غموض الفيروس الذي قد تكون آثاره خفيفة بشكل أساسي، لكن في بعض الأحيان وبشكل غير متوقع يتحول إلى مرض مميت خلال الأسبوع الثاني من الإصابة، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
في أقل من شهرين، أصيب نحو 80 ألف شخص وقتل 2700 آخرين، معظمهم في الصين، ومع اقتراب الانتشار من بلوغ ذروته في البلاد، تجددت المخاوف وأصبحت أكثر عالمية، مع ظهور بؤر ساخنة للفيروس في كوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا.
في مجلة "سيل"، كتبت رئيسة علم الفيروسات لدى المركز الطبي لجامعة إراسموس في روتردام، ماريون كوبمانز، وهي أيضًا عضوة بلجنة الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية: "سواء كان سيتم احتواؤه أم لا، فإن هذا التفشي، أصبح بسرعة أول تحد وبائي حقيقي يناسب فئة المرض إكس".
انتشر المرض في قرابة الثلاثين دولة حتى الآن. لكن المخيف ليس قدرته على الانتقال خارج الصين، وإنما ما أعلنته "المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها"، حيث قالت إن بعض المرضى أصيبوا بالفيروس في مجتمعهم المحلي وليس لهم صلة معروفة بالصين.
وقالت مديرة المركز الوطني للتحصين وأمراض الجهاز التنفسي في أمريكا، نانسي ميسونييه، يوم الجمعة:
إننا لا نرى انتشارًا عبر المجتمعات هنا في الولايات المتحدة حتى الآن، لكن من المحتمل جدًا أن يحدث هذا في النهاية.
الانتشار خلسة
سجلت أول حالة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي. ومن المفترض أن مجموعة من الحالات بين أفراد أسرة تعيش في مدينة أنيانغ الصينية ظهرت عندما أصيبت سيدة في العشرين من عمرها بالفيروس في ووهان –مركز ظهور وانتشار كورونا الجديد- في العاشر من يناير/ كانون الثاني، ونقلته بعد ذلك إلى عدد من الأشخاص، بحسب مجلة الجمعية الطبية الأمريكية.
وبعد ذلك، أصيب خمسة أقارب بالحمى وأعراض الجهاز التنفسي. "كوفيد 19" أقل فتكا من سارس الذي بلغ معدل وفياته 9.5%، لكن يبدو الأول أكثر قدرة على العدوى، ويهاجم كلا الفيروسين الجهازين التنفسي والهضمي، وينتشران من خلالهما.
في حين تشير الدراسات الأولية إلى أن أكثر من 80% من المرضى لديهم إصابة خفيفة بفعل الفيروس الجديد وسوف يتعافون في النهاية، يصاب شخص من بين كل 7 بالتهاب رئوي وصعوبة تنفس وأعراض أخرى حادة. يعاني 5% من المصابين من أعراض خطيرة، بما في ذلك فشل الجهاز التنفسي والصدمة الإنتانية والاختلال العضوي المتعدد.
على عكس فيروس سارس، وهو من نفس فصيلة كورونا الفيروسية، يتكاثر "كوفيد 19" بتركيزات عالية في الأنف والحنجرة بشكل أقرب إلى نزلات البرد، ويبدو أنه قادر على الانتقال من أولئك الذين لم تظهر عليهم الأعراض.
وهذا يجعل من المستحيل السيطرة عليه باستخدام نفس التدابير المتبعة لفحص الحمى، والتي ساعدت في إيقاف سارس قبل 17 عامًا.
عدم القدرة على التنبؤ
تبين أن كبار السن، وخاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم ومرض السكري، لديهم مخاطر أكبر للإصابة بأمراض خطيرة. كما أن المرضى الذين يعانون من إصابات مرضية مشتركة يمكن أن يصابوا أيضًا بأعراض شديدة.
توفي طبيب العيون الثلاثيني، لي وين ليانغ، والذي كان من أوائل من حذروا من الفيروس الجديد، في وقت سابق من هذا الشهر بعد تلقيه مضادات فيروسات ومضادات حيوية وأكسجين وتم ضخ دمه عبر رئة اصطناعية.
وقال رئيس برنامج الأمراض المعدية الناشئة في كلية ديوك للطب- جامعة سنغافورة الوطنية، لينفا وانج، إن الطبيب، الذي كان بصحة جيدة قبل الإصابة، بدت حالته خفيفة نسبياً حتى أصبحت رئتيه ملتهبتين، مما أدى إلى وفاته بعد يومين.
أعراض خفيفة
وجد الأطباء الذين يدرسون حالة رجل يبلغ من العمر 50 عامًا، وتوفي في الصين الشهر الماضي، أن "كوفيد 19" أشعره بقشعريرة خفيفة وسعال جاف في البداية، ما مكنه من مواصلة عمله.
لكن بحلول اليوم التاسع للإصابة، دخل إلى المستشفى بسبب التعب وضيق التنفس، وقدمت له الرعاية باستخدام مجموعة واسعة من مضادات الجراثيم وتحسين نظام المناعة.
قال أطباء أحد المراكز الطبية التابعة للجيش الصيني في دراسة نشرتها مجلة "لانسيت"، إن الرجل توفي بعد خمسة أيام من إصابته بتلف في الرئة يُذكر بـ"سارس" و"ميرس" أيضًا، وهو أحد سلالة كورونا الفيروسية.
وأضاف الباحثون أن
اختبارات الدم أظهرت فرطًا في نشاط أحد أنواع الخلايا المقاتلة للعدوى المتسببة في جزء من الإصابة المناعية الشديدة التي أصيب بها.
المثير للجدل في هذه الحالة، أن الرجل كان يتناول 80 ملليغرام لمرتين يوميًا من ميثيل بريدنيزولون، وهو دواء يثبط جهاز المناعة ويشيع استخدامه في الصين خلال الحالات المرضية المعقدة.
أوصى الأطباء باستخدام مثل هذا الدواء إلى جانب الدعم الصناعي للجهاز التنفسي، للمرضى المصابين بإعياء شديد، لمنع حدوث مضاعفات قاتلة تعرف باسم "متلازمة الضائقة التنفسية الحادة".
لكن يرى أطباء، بناءً على تجارب متعلقة بفيروس "ميرس"، أن الدواء قد يؤخر التخلص من الإصابة الفيروسية لمصابي "كوفيد 19"، وإجمالًا قد يكون ضررها أكبر من نفعها، في علامة جديدة على تباين الأراء الطبية بشأن التعامل مع الإصابات بالفيروس الآخذ في الانتشار عالميًا حتى هذه اللحظة.