ونستعرض اليوم عادات وطقوس الزواج في شرق السودان، وبشكل خاص لدى قبيلة "البجا" أعرق قبائل منطقة البحر الأحمر.
تحرص قبيلة البجا على تزويج أبنائها في سن مبكرة، وذلك لأسباب عدة منها الحفاظ على تقاليد الأسرة وحفظ الأبناء من الانحراف وعدم ترك الخيار للأبناء في الزواج من غير بنات أعمامهم أو من بنات الأسرة، كما وأن هناك سببا أهم وهو الإنجاب المبكر حرصا على قوة القبيلة وكثرتها.
قالت فاطمة موسى، إحدى المهتمات بتوثيق عادات وتراث المنطقة الشرقية لـ"سبوتنيك"، إن "أغلب الزيجات تتم بين الأهل، ونادرا ما تكون هناك زيجات خارج الأهل، وإذا كانت الزيجات من الخارج يتم التواصل مع أبو العروس عن طريق عمدة القبيلة، ولا يتواصل أهل العريس مباشرة مع أبو العروسة حتى لا يحصل رفض، حيث أن العمدة يكون له مكانة كبيرة وخاصة، وعندما تتم الموافقة، ويتم الاتفاق على كل شىء تبدأ إجراءات ومراسم العرس".
مراسم العرس
وأضافت موسى "إن الأعراس في الأرياف تختلف عن المدينة في شرق السودان، تبدأ المراسم بالشيالة والذين يقومون بحمل حاجات العروس لتوصيلها إلى بيت العريس، وعند وصولهم يقومو بالدوران حول المنزل 7 دورات وترديد أغاني متعارف عليها تمتدح العروسة".
وتابعت موسى، قائلة:
"يتم عمل حفل حناء للعريس لمدة يومين في المساء، ويأتي يوم السنكاب وهو أهم حاجة في العرس، ويتم عمله بطريقة معينة من سعف النخيل، ويربط به حبال سبعه مرات ويتم ربطه في بيت العروس وفي بيت أهل العريس، وتحمل السيدات السنكاب، وعندما يقتربن من المكان تتعالى زغاريدهن".
وأكدت فاطمة موسى أنه يقتضى العرف أن تطوف والدة العريس حول منزل الزوجة وهي على بعيرها، هي ومن معها يزغردن إعلانا للفرح والابتهاج، ثم يحدد مكان اقامة المنزل، على أن يقوم العريس بإشهار سيفه ويطوف حول المكان المحدد لإقامة المنزل، معلنا حمايته لبيته ولزوجته وبعد ذلك تذبح الذبائح ويعد الطعام، ولا يتم عمل السنكاب إلا لمن يتزوج للمرة الأولي، أما من سبق له الزواج فلا يقام له.
هدم منزل العريس
أما ياكواته بادئديل، إحدى السيدات في المنطقة الشرقية فقالت لـ"سبوتنيك"، "إنه بعد أن تتم مراسم عقد الزواج يوضع غطاء أحمر على رأس العريس لا يخلعه من رأسه حتى يدخل خيمته أو بيت الزوجية، ومجرد أن يدخل الخيمة ويخلع الغطاء يأتي أصحابه ليقوموا بالدوران حول الخيمة وضربها بالعصا ويرددوا مدائح وطقوس الفرح، والمتعارف عليه أن يقوم أصحاب العريس بتكسير البيت".
وأوضحت بادئديل أن البيوت لم يعد سهل تكسيرها فهم يقومون بالضرب ثم يتركوه، وهنا يترك العريس البيت ويذهب ليقيم بيتا بجوار بيت أهل العروسة "خيمة"، ثم يقوم بعدها العريس (بعد الزواج) بالمبيت كل يوم عند أحد من الأهل، وعند مغادرته في الصباح يعطية "ماعز أو غنم" ويتكرر هذا الأمر يوميا لمدة شهر أو شهرين بعيدا عن زوجته، بعدها يعود محملا بتلك الهدايا ليبدأ حياته وزوجته.
وأشارت بادئديل، إلى أنه يتم إعداد الطعام للعرس حسب مقدرة كل بيت، بعض الناس تقوم بذبح الإبل وهذا في بيت العريس، أما في بيت العروس تقوم النساء بإعداد "العصيدة" وهى مكونة من الدقيق والسمن والسكر.
أغرب الطقوس
قالت آمنة مختار، رئيسة لجنة تسيير حزب الخضر السوداني، للمرأة عند قبائل البجا مكانة خاصة مستمدة من عقيدتهم الآمونية القديمة وتقديسهم لربتهم إيزيس، حيث لا تقوم المرأة بالأعمال الشاقة ولا تحلب الأغنام، ولا تحاسب حتى لو إرتكبت جريمة، وكذلك بوسع المرأة أن توقف الحروب بين القبائل، بمرورها وسط ميدان المعركة، والبجاوي يحترم والدته ونسيبته جدا، ولن يتردد في قتلك لو ذكرت إسم والدته.
وتابعت مختار، هنالك بطلات بجاويات شهيرات في التاريخ البجاوي، منهم الفارسة الشهيرة توداي (التي كان من ضمن قتلاها هي وفرقتها النسائية المقاتلة الضابط ليوتانت/جيمس برنارد ريتشاردسون أكبر أبناء الثري الإسكتلندي ديفيد ريتشارد سون، من علية القوم في اسكتلندا)، وكذلك هنالك ملكة قديمة موجودة في الذاكرة الشعبية يقال أنها هزمت مملكة أكسوم الحبشية، وقد إنتقل تقديس إيزيس وطقوس جلالها بعد إعتناق البجا للإسلام عبر الطرق الصوفية.. المهدية ثم الختمية.
عادات متوارثة
يتميز البداويت "البجا" بنمط من العادات والتقاليد متفرد، ولاشك أن حياتهم قد تأثرت بمجمل الظروف والمؤثرات التي سبق ذكرها من اعتناقهم للإسلام وتأثير الصوفية وتأثيرات المجموعات التي وفدت للمنطقة، من عربية وغيرها، وقسوة منطقتهم والرعي المترحل الذي يمتهنون وضعف انتشار التعليم بينهم.
والبداويّت يؤرخون لسنينهم بأحداثها، ويعرفون الشهور بأسمائها وفي لغتهم اسم لكل شهر، غير أنه يبدو أن أسماء بعض تلك الشهور قد تعرّب، وقليلون هم الذين يعرفون كامل أسمائها الحقيقية الآن.
وأثناء ترحالهم في منطقتهم ليلا يسترشدون بالنجوم ويعرفونها بأسمائها ومواقعها، أما أثناء النهار فهم يعرفون منطقتهم جبلا جبلا، ويعرفون كل خور وبئر بأسمائها ويعرفون القبائل التي تقطن حول كل منها.