الفيدرالي، قرر أمس الثلاثاء، خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار نصف نقطة مئوية إلى النطاق بين 1.25% و1.00%. وعلل رئيس البنك جيرم باول الخطوة في بيان، بأن فيروس كورونا الجديد يشكل "مخاطر متنامية على النشاط الاقتصادي".
وكان ذلك أول خفض لسعر الفائدة في أمريكا منذ العام الماضي، عندما خفضها الفيدرالي ثلاث مرات، كما أنها المرة الأولى التي يخفض فيها البنك المركزي سعر الفائدة في غير اجتماعات السياسة العامة منذ الأزمة المالية في عام 2008، وهي أيضًا أكبر وتيرة تخفيض منذ ذلك الحين.
وتأتي الخطوة بعدما شهدت الأسواق المالية ضغوطًا شديدة خلال الأسبوع الماضي، مع تزايد المخاوف من الانتشار العالمي لفيروس كورونا القاتل، وإمكانية تعطيله للاقتصاد، ما تسبب في خسائر غير مسبوقة للأسهم منذ الأزمة المالية، وخسارتها تريليونات الدولارات من قيمتها السوقية.
على جانب آخر، يُتوقع أن تحاكي البنوك المركزية حول العالم خطوة الفيدرالي استجابة للضغوط المتزايدة على الاقتصادات. وكانت بلدان السعودية والبحرين والإمارات وهونغ كونغ أول من بادر بخفض أسعار الفائدة بنفس المقدار (نصف نقطة مئوية).
إن خفض أسعار الفائدة يجعل تكاليف الاقتراض أرخص ويمكن أن يشجع الشركات والأسر على أخذ القروض والإنفاق، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تنشيط الاقتصاد.
الأسواق لم ترض
بدا أن المستثمرين في الأسواق يرحبون بهذه الخطوة، حيث ارتفعت الأسهم في وول ستريت بشكل ملحوظ فور إعلان الفيدرالي خفض الفائدة، لكنها ما لبثت أن سلكت اتجاهًا صعوديًا حتى هبطت بشكل حاد بعد تحليل رسائل رئيس البنك في مؤتمره الصحفي.
ربما يرجع ذلك لاستمرار شعور المستثمرين بالخوف من تداعيات انتشار الفيروس واحتمال تحوله إلى وباء عالمي يصعب السيطرة عليه، الأمر الذي سيزيد الضغوط على الاقتصاد العالمي الهش.
أغلقت العقود الآجلة للذهب على ارتفاع بأكثر من 3% خلال تعاملات أمس الثلاثاء، وهي إشارة على تدفق المستثمرين على الأصول الأمنة، والتي عادة ما يتجهون إليها في أوقات الخوف والهلع والتوقعات الاقتصادية القاتمة.
كما انخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، وهي أيضًا أحد أهم الأصول الآمنة التي يلجأ لها المستثمرون، إلى مستوى قياسي. عادة ما يتراجع عائد السندات مع ارتفاع سعرها بفعل الطلب المتزايد.
لماذا استمر الذعر؟
في الحقيقة، لم يكن قرار الفيدرالي مفاجئًا تمامًا، وتوقعت مصارف وشركات تحليل عالمية مثل "بنك أوف أمريكا" و"باركليز" و"جولدمان ساكس" و"ناتويست ماركتس"، خفضًا بهذا المقدار للفائدة في الولايات المتحدة قبل اجتماع البنك المركزي في الثامن عشر من هذا الشهر، بحسب تقرير لوكالة "بلومبيرغ".
مع ذلك، فإن المفاجأة -أو ربما الصدمة- التي شعرت بها الأسواق، ترجع لطريقة الفيدرالي في الرد على مخاوفها بعد أيام من تأكيده أن الحاجة للتدخل ليست ملحة. أكدت مجموعة من محافظي البنوك المركزية العالمية خلال الأسابيع الماضية أنه من السابق لأوانه الحكم على التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا.
أول سؤال طرح على باول خلال مؤتمره الصحفي أمس، هو "ما الذي تغير؟" لكن رئيس أكبر وأهم بنك مركزي في العالم لم يكن بإمكانه الإجابة سوى بـ"رأينا خطرًا على مستقبل الاقتصاد، واختارنا التحرك"، رغم التأكيد على قوة أساسيات الاقتصاد.
وأضاف:
البيانات الفعلية لا تظهر شيء. لكنك ترى أشياءً في مؤشرات التنبؤ بالمعنويات. نتوقع أن يستمر ذلك وربما يتعاظم. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نرى أنه من المناسب التحرك لدعم الاقتصاد، وهذا ما فعلناه.
على أي حال، انخفاض الأسهم واستمرار الطلب على الملاذات الآمنة يعزز الاعتقاد بأن السياسة النقدية المخففة ليست علاجًا مثاليًا لمواجهة وباء محتمل. كما أن التدخل الطارئ للفيدرالي يفسر على أنه ذعر غير مفهوم.
ترغب الأسواق المذعورة بالفعل، في معرفة مدى انتشار الفيروس، وهو أمر لا يستطيع ولا يبدو أن الاحتياطي الفيدرالي يعرف إجابته، كما يبدو أن أدواته غير مكتملة وغير كافية للتعامل مع أزمة الصحة العامة.
لكن ماذا وراء الخفض إذن؟
وفقًا لـ"بلومبيرغ"، فإن خطوة الاحتياطي الفيدرالي، ربما يقصد بها منح غطاء لبعض أقرانه الذين لا يمتلكون مساحة كبيرة لتخفيف سياساتهم النقدية، مثل البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان. يجتمع المركزي الأوروبي في الثاني عشر من مارس/ آذار، واليابني في التاسع عشر.
بالتأكيد لم يفصح باول عن ذلك، لكنه قال إن محافظ البنوك المركزية "يتحدثون مع بعضهم البعض بشكل مستمر". قال قادة البنوك المركزية في مجموعة السبع: "سنواصل الوفاء بالتزاماتنا، وبالتالي دعم استقرار الأسعار والنمو الاقتصادي مع الحفاظ على مرونة النظام المالي".
خطوة الفيدرالي ربما يفسرها أيضًا، الضغوط السياسية، حيث جدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاثنين، انتقاده لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وطالبه بخفض أسعار الفائدة، قائلا إن البنك المركزي الأمريكي "بطيء في التحرك" ويجب أن يكون أكثر نشاطا.
وبعدما أعلن الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة، الثلاثاء، استمر ترامب في حملته على الإنترنت ، مطالبًا "بمزيد من التسهيلات والخفض".
إذا كان الفيدرالي اتخذ قراره بخفض كبير للفائدة قبل أسبوعين من اجتماعه التقليدي، فماذا سيفعل عند الاجتماع؟ البنك المركزي الأمريكي استهلك في هذه الخطوة بالفعل قدرًا كبيرًا من ذخيرته لمواجهة صدمة الأسواق المحتملة، والسؤال الآن هل سيقدم على خفض جديد بعد أيام؟
ما مصير الاقتصاد العالمي؟
رغم تحركات الاحتياطي وغيره من البنوك المركزية، لا يبدو أن المستثمرين والاقتصاديين على قناعة بأن السياسات النقدية تمتلك الكثير لإنقاذ الاقتصاد العالمي، خاصة أن بعض البنوك المركزية الرئيسية مثل الياباني والأوروبي، خفضوا الفائدة بالفعل إلى النطاق السالب، بحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي".
ويقول رئيس إستراتيجية الاستثمار لدى مصرف "جيه بي مورغان" في آسيا، أليكس وولف: "الحقيقة هي أننا نأتي إلى هذه الأزمة مع ذخيرة أقل بكثير على مستوى العالم. ليس فقط أوروبا أو اليابان، حتى في الصين لديهم مساحة أقل من المرة الأخيرة التي اضطروا فيها إلى إطلاق حزمة من الحوافز".
قبل خفض الفيدرالي للفائدة، خفضت البنوك المركزية في أستراليا وماليزيا أسعار الفائدة أيضًا، ويتوقع المحللون أن تقوم المزيد من البنوك المركزية بنفس الشيء. لكن يرى المحللون أن بعض البنوك المركزية قد لا يكون لديها مجال لخفض أسعار الفائدة، وأن تخفيض الفائدة قد لا يكون فعالا في دعم النشاط الاقتصادي.
يقول كبير الاقتصاديين لدى "موديز آناليتيكس" مارك زاندي: "إذا تحول هذا الفيروس إلى وباء يجتاح الولايات المتحدة، فمن الصعب للغاية تصور الاقتصاد الأمريكي يمر دون ركود كامل، مما يعني أن الاقتصاد العالمي بأسره سيكون في حالة ركود".
قالت "موديز" الأسبوع الماضي، إن احتمالات تحول فيروس كورونا إلى وباء عالمي ارتفعت من 20% إلى 40%، في ظل تزايد الإصابات بالمرض الجديد خارج الصين.
وفي مذكرة كتبها اقتصاديو "موديز" قالوا: "لقد كان افتراضنا السابق بأنه سيتم احتواء الفيروس في الصين، متفائلًا للغاية، فيما تواصل احتمالات حدوث وباء عالمي التزايد".
وقال الاقتصاديين، إن الوباء سيؤدي إلى ركود عالمي خلال النصف الأول من هذا العام، مضيفين: "لقد كان الاقتصاد هشًا بالفعل قبل ظهور المرض وعرضة لأي خطر".
واختتموا التقرير بالقول
إن "كوفيد 19" خرج من العدم، وقد يكون هذا ما يطلق عليه الاقتصاديون "بجعة سوداء" وهو حدث نادر وغير متوقع بطبيعته وله عواقب وخيمة.
في ظل هذه الظروف، يعول المراقبون كثيرًا على تدخل الحكومات لدعم الاقتصادات. وقد أعلنت بلدان مثل هونغ كونغ عن إجراءات لتوزيع مليارات الدولارات على المواطنين لدعم الإنفاق، في حين تخطط سنغافورة لإطلاق حزم مساعدة تستهدف الشركات الأكثر تضررًا من تفشي الفيروس.