عبد المنعم رياض... "مقاتل من ذهب" أعاد بناء الجيش المصري واستشهد وسط جنوده

"إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة، إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية"...كلمات قالها جنرال مصري استشهد مرتديا زيه العسكري وسط الجنود، وعلى خطوط القتال الأمامية، بعدما انهالات دانات المدافع الإسرائيلية على أحد المواقع المصرية في يوم 8 مارس/ آذار عام 1969، وهو ثاني أيام حرب الاستنزاف.
Sputnik

الشهيد عبد المنعم رياض، الذي خصصت مصر يوم استشهاده ليكون عيدا للشهيد، كان من أبرز العسكريين العرب في القرن العشرين، إذ أنه شارك في الحرب العالمية الثانية وحرب فلسطين 1948 وحرب 1956 وحرب الاستنزاف، كما استعان به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في خطة إعادة بناء الجيش المصري بعد هزيمة 67.

بينها "المزرعة الصينية"... أشهر 7 معارك في حرب أكتوبر
بدأ عبد المنعم رياض حياته العسكرية بالالتحاق بالكلية الحربية، التي تخرج فيها عام 1938 برتبة ملازم ثان، ثم حصل علي شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944 وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا.

التحق رياض بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في الإسكندرية والسلوم والصحراء الغربية خلال عامي 1941 و1942 حيث اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد القوات الإيطالية والألمانية.

وخلال عامي 1947 — 1948 عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك.

تولى قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات في عام 1951، وكان وقتها برتبة مقدم، ثم عين قائدا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية، عام 1953، وفي العام التالي اختير لتولي قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية، وظل في هذا المنصب إلى أن سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفييتي عام 1958، لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز، وحصل على لقب (النسر الذهبي).

بعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية عام 1960 ثم نائب رئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة عام 1961، وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي، ثم اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات خلال عامي 1962 — 1963، وفي عام 1964 عين رئيسا لأركان القيادة العربية الموحدة.

تمت ترقيته في عام 1966 إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا، حسب ما جاء في "موسوعة مقاتل: عبد المنعم رياض".

وفي 30 مايو 1967، عين الفريق قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان، وأعلن قائدا عاما للجبهة الأردنية، لكن لم يمض أسبوع حتى استدعاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ليعينه فى 11 يونيو رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها، بعد أن تأثرت بالنكسة.

وفي عام 1968 عين أمينا عاما مساعدا لجامعة الدول العربية، وكان آخر ما أسند إليه من مهام إدارة معارك المدفعية ضد القوات الإسرائيلية المتمركزة في الضفة الشرقية لقناة السويس خلال حرب الاستنزاف.

كان الجنرال يدرك أن القادة يجب أن يكونوا في الصفوف الأمامية للمعركة، فخلد التاريخ كلماته التي قال فيها "إذا حاربنا حرب القادة في المكاتب بالقاهرة فالهزيمة تصبح لنا محققة، إن مكان القادة الصحيح هو وسط جنودهم وفي مقدمة الصفوف الأمامية".

وقال أيضا "أنا لست أقل من أي جندي يدافع عن الجبهة ولابد أن أكون بينهم في كل لحظة من لحظات البطولة"، يكون بذلك قد كتب المشهد الأخير في حياته عندما كان توجه صباح 9 مارس عام 1969 إلى أحد المواقع التي كانت تعرف باسم "رقم 6" في الإسماعيلية، وهو معسكر يبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية حوالي 250 مترا فقط.

وكانت المدفعية المصرية قد حققت، في اليوم السابق لاستشهاد رياض، نجاحا كبيرا، عندما شنت قصفا مكثفا على نقاط التمركز الإسرائيلية في "خط بارليف". ما دفعه في اليوم التالي للذهاب إلى أقرب نقطة تماس مع القوات الإسرائيلية لتفقد ومتابعة العملية العسكرية.

ورغم التحذير من الذهاب، إلا أن الفريق عبد المنعم رياض واصل التقدم، إلى أن بدأ القصف الإسرائيلي فجأة مركزا على المناطق المدنية، وتقدم الشهيد أكثر وأكثر حتى يتابع سير المعارك.

إلى أن انهالت دانات المدافع الإسرائيلية بعد وصوله للموقع بـ15 دقيقة وتجددت اشتباكات المدفعية وتبادل الجانبان القصف، حتى أصابته شظايا المدافع وفارق الحياة.

ورغم أنه شيع في جنازة عسكرية، فإن مئات الآلاف من المواطنين، خرجوا لتوديعه في أكبر جنازة تشهدها مصر لرجل عسكري، وثاني أكبر جنازة على الإطلاق في تاريخ مصر بعد جنازة الزعيم جمال عبد الناصر.

وكرمه عبد الناصر بمنحه رتبة فريق أول ومنحه وسام نجمة الشرف العسكرية، وهو أرفع وسام عسكري في مصر، وتحول يوم 9 مارس إلى "عيد الشهيد".

مناقشة