من الصين بدأت الحكاية وكانت أولى البلدان التي بدأت بالتعافي منه، لتتوقف ساعة العالم عن الدوران مهددة بحدوث أكبر كساد اقتصادي في التاريخ، ولتقع القارة العجوز تحت رحمة الفيروس الذي طالت يده إيطاليا أولا لتصبح ثاني أكثر دولة تسجيلا للإصابات بعد الصين ولتمتلئ شوارع المدن الإيطالية بالتوابيت ولكن دون حضور المعزين والأحباء لدوافع صحية.
حجر صحي ساد العالم، لأنه الأفضل حاليا لإيقاف تمدد هذا الشبح الذي أخذ يفتك بكل البشر دون استثناء، حال عثور دواء أو عقار لإيقافه.
"كورونا فوائده وطرق الاستفادة منه"
من الوهلة الاولى يبدو العنوان مضحكا وغير منطقي في الوقت الذي لا يصح فيه إنسانيا الحديث عن وباء بأنه مفيد، نتيجة للأرواح التي يحصدها.
كورونا ينتقم للمناخ والطبيعة
ففي الصين أحد أكثر البلاد في العالم تلوثا للهواء، شهد الجو انخفاضا حادا في انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين وغياب غيوم الغاز والغبار.
وبحسب وزارة البيئة الصينية، فإن متوسط "أيام الهواء ذات الجودة العالية" ارتفع في شهر فبراير/شباط الماضي بنسبة 21.5٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما أظهرته صور وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، ويعود ذلك للحجر الصحي التام الذي فرضته الدولة.
كذلك الأمر في إيطاليا التي حصد فيها الكثير من الأرواح الى أن للطبيعة كان كلام آخر، فمدينة البندقية التي شهدت حجرا صحيا بسبب انتشار المرض، عاد بالفائدة البيئية على قنواتها المائية، حيث أصبحت مياه قنوات المدينة نقية وشفافة، ولوحظت الأسماك الصغيرة بشكل أكثر بكثير مما كانت عليه سابقا. كما وعادت البجع إلى القنوات مرة أخرى وتم مشاهدة حتى الدلافين في القنوات! الأمر الذي لم يشاهده سكان البندقية منذ 60 عامًا على الأقل.
كورونا يفصل ويحكم في العلاقات الأسرية
أفادت بيانات صينية بأن الفيروس تسبب في ارتفاع نسبة الطلاق، الأمر الذي أدى لتبعات اجتماعية.
فبحسب مسؤول في مكتب للزواج بمدينة دازهو الصينية، قال إن 300 من الأزواج تقدموا بطلبات للطلاق منذ 24 من فبراير/شباط الماضي.
أي أن فترة الحجر الصحي كانت وسيلة تعارف أكبر للشريكين الأمر الذي فتح أبواب النقاش والنظر لأمور لم تقدمها الحياة العادية، بتعقيداتها ورتمها السريع، لتكشف هذه الفترة عن الكثير من الأمور السلبية بين الطرفين ولتنتهي بالطلاق.
ومن قال بأن كورونا يتسبب فقط في الانفصال الأسري، وعلى النقيض من ذلك انتشرت العديد من المقاطع المصورة التي ظهر فيها الآباء أكثر تناغما مع أطفالهم ومع شركائهم في الحياة.
كورونا يفجر مواهب شخصية مخبأة
حفلات موسيقية وأغانٍ بأصوات أشخاص غير مشهورين، سرقوا إعجاب العالم في مقاطع انتشرت على الإنترنت، ليتخلصوا من عقدة التواصل الاجتماعي بلقائهم غيرهم من البشر.
القصة بدأت في الصين عندما قام سكان مدينة ووهان بأداء أغانٍ وطنية للشد من أزر بعضهم البعض في أول مدينة شهدت حجرا صحيا في العالم بسبب المرض.
لتنتشر حمى هذه الأغاني الى إيطاليا الحزينة بمصابها، والتي أدهشت العالم بأصوات مغنيها وألحان عازفيها من شرفات ومنافذ بيوتهم.
وفي إسبانيا فجر بعض رجال الشرطة مواهبهم الغنائية بتقديم وصلات غنائية في كل حي يشرفون عليه وسط تحية سكان هذه الأحياء.
استثمار كورونا اجتماعيا وثقافيا
يمكن استثمار فترة الحجر الصحي الذي سببه هذا الفيروس من خلال القيام ببعض الأنشطة التي تساهم في التطور الفكري للإنسان، من خلال العمل على دراسة لغة جديدة عبر الإنترنت، وذلك بتعلم مفردات جديدة كأقصر وأسرع الطرق لدراستها، بالإضافة لتعلم بعض المهارات المتعلقة بالحاسوب أو قراءة كتب لم يكن يوجد لها وقت في السابق، بالإضافة لإظهار بعض المهارات في مجالات يعتقد الشخص بأنه بعيد عنها كالطبخ مثلا مستفيدا مما تقدمه المقاطع المصورة المتداولة من مأكولات في عملية الطهي، بالإضافة لممارسة الرياضة المنزلية بما يتوفر في المنزل من أدوات، حيث يمكن مشاهدة العديد من المقاطع حول هذا النوع من الرياضة وعدم وضع الحجج في الجلوس منزلا وعدم القدرة على ممارستها.
تمنح هذه الفترة الشريكين او الأسر فرصة أكبر للتعرف على بعضهم البعض بعيدا عن ضغط العمل والزمن، لتظهر الكثير من الأمور التي كانت موجودة ولكن غير ملاحظة من أحد الأطراف، الامر الذي يسهم بتطوير التواصل الذهني بين الأفراد وتعميق أواصر العائلة.
وتشهد هذه الفترة تواصلا كبيرا مع الإنترنت كوسيلة للتواصل الاجتماعي غير المباشر من جهة وكوسيلة للترفيه من جهة أخرى، وسيصبح لدى الشخص تيار من المعلومات الهائلة، ليبدأ بشكل عقلاني قراءتها وتحليلها وأخذ ما يلزمه منها والابتعاد عن الأخبار الكاذبة، واختيار الأفضل له، كما ومن المتوقع بأن تشهد عدد من الدول ارتفاعا ملحوظا بنسبة الولادات بعد انتهاء الفترة.
وفي الختام سرق "كورونا" لقب المتنبي ليصبح "مالئ الدنيا وشاغل الناس".