شابة تونسية تفك شيفرة أخبار كورونا بلغة الإشارة

شيماء العمدوني شابة تونسية من بين العشرات الذين لم يمنعهم الخوف من فيروس كورونا من التفكير في غيرهم ومساعدة الأقليات على التوقي من هذا الوباء الذي أدخل الرعب في بقاع عديدة من العالم، في ظل تسارع وتيرة انتشاره بين الناس.
Sputnik

الشابة العشرينية التي درست لغة الإشارة تطوعت مجانا لتترجم جميع الندوات الصحفية التي تعقدها وزارة الصحة التونسية إلى لغة الإشارة ليفهمها فاقدو السمع في تونس ممن يرغبون في الإطلاع على مستجدات انتشار هذا الفيروس في بلدهم ومعرفة سبل التوقي منه.

سفيرة الصم والبكم

تقول شيماء في حديثها لـ"سبوتنيك" إنها وإلى جانب عملها كمترجمة إشارات اعتادت منذ سنوات التطوع لخدمة الصم والبكم ومساعدتهم على فهم ما يدور في تونس والعالم من أحداث ومستجدات.

ومع اتساع دائرة انتشار فيروس كورونا في بلدها تطوعت شيماء مع الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارات لترجمة جميع الأخبار والمعطيات التي تقدمها وزارة الصحة، فكانت تنقل التصريحات الرسمية بحركات وتعابير يفهمها فاقدي حاسة السمع.

شابة تونسية تفك شيفرة أخبار كورونا بلغة الإشارة

تقول شيماء: " كنت أتفاعل مع الخبر وأحاول استخدام تعابير الوجه لتصل المعلومة بشكل أفضل إلى الصم والبكم وأحيانا يغالبني البكاء حين يتعلق الأمر بحياة الناس التي أصبح يتهددها الخطر بسبب عدم التزام البعض بالحجر الصحي".

ليست مجرد مهنة

وتعتبر شيماء أن لغة الإشارة ليست مجرد مهنة عادية وإنما هي مهمة تمارس بشغف وبحب، فلدى عودتها إلى بيتها تعيد الشابة التونسية ترجمة محتوى الندوة الصحفية بشكل مفصل وأكثر وضوح، وتنشرها على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك والتي تلقى تفاعلا كبيرا من المواطنين تقديرا للجهد الذي تقوم به هذه المتطوعة.

وتؤكد شيماء أنها ليست المترجمة الوحيدة التي تطوعت لمساعدة فاقدي السمع، إذ عمدت الجمعية التي تنشط معها إلى توفير مترجم في كل محافظة لنقل تطورات الوضع الوبائي في تونس إلى هذه الفئة.

وفي التلفزيون التونسي الرسمي، تطوعت زميلات لشيماء لترجمة نشرة الأخبار الرئيسية إلى لغة الإشارة، حتى تصل المعلومة إلى الصم والبكم بشكل يومي ومحين.

التطوع ممارسة

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تتطوع فيها شيماء لمساندة حقوق الصم والبكم في الحصول على المعلومة، إذ أمنت شيماء رفقة الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة نقل الانتخابات البرلمانية والرئاسية لسنة 2019، وكانت أول مترجمة إشارة تفتتح المناظرات التلفزيونية التي جمعت المرشحين المتنافسين على كرسي الرئاسة في تشرين الأول 2019.

كما شاركت شيماء في ترجمة كتيّب يتضمن المصطلحات ذات الصلة بالمعجم الانتخابي إلى لغة الإشارة، بمبادرة من الجمعية التونسية لمترجمي لغة الإشارة وبالتعاون مع المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية.

إلى جانب ذلك تؤمن شيماء العمدوني فيديوهات تنشرها على صفحتها على "فيسبوك" تنقل من خلالها كل المعلومات والنصائح التي قد تفيد الصم والبكم وتيسّر حياتهم، مثل نقل أخبار الصحة والأمن العام وتصحيح الأخبار الكاذبة.

مساندة الأقليات

حكاية شيماء العمدوني مع لغة الإشارة بدأت منذ سنة 2014، لدى مشاهدتها عن طريق الصدفة برنامجا تلفزيونيا يتحدث عن فئة الصم والبكم، لتقرر شيماء البحث عن مراكز تدرس لغة الإشارة وتكتشف أن تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي تدرس هذه اللغة في الجامعات.

 

شابة تونسية تفك شيفرة أخبار كورونا بلغة الإشارة

 

تقول شيماء "دخلت المعهد العالي للعلوم الإنسانية إبن شرف بالعاصمة حيث درست لغة الإشارة وتحصلت الإجازة الأساسية بعد 5 سنوات تمكنت خلالها من التعمق في عالم الصم والبكم وفهم طرق تعبيرهم".

وتتابع محدثتنا: "ظن الناس في البداية أنني صماء وآخرون اعتقدوا أن أحد أفراد عائلتي يعاني من فقدان السمع، والحقيقة أنني لا أعرف آنذاك شخصا أصما أو أبكما، وإنما اهتمامي بمساعدة الأقليات هو ما قادني إلى الولوج إلى عالم الصم".

حقوق منقوصة

وبالرغم من المجهود الذي تقوم به الجمعيات التي تعنى بالصم والبكم في الإحاطة بهذه الفئة، تقول شيماء العمدوني إن حقوق هؤلاء ما تزال منقوصة، مضيفة أن الدولة لا تقدم دعما كافيا لفاقدي السمع.

ولا تخفي شيماء استياءها من تخلي وزارة الصحة عن الندوات الصحفية واكتفاءها بنشر بيانات مكتوبة لا تراعي خصوصية الصم، إلى جانب عدم توفيرها لآلية خاصة تمكّن هذه الأقلية من الاستفسار عن فيروس كورونا أو تبليغ الإطارات الطبية في حال تسجيل إصابات في صفوفهم على غرار الرقم الأخضر الذي وضعته الوزارة على ذمة المواطنين للاستفسار والتبليغ.

واستنكرت شيماء غياب مؤسسات تعليمية خاصة بتدريس فاقدي السمع الذين يتلقون تعليمهم في مدارس عادية لا تراعي خصوصياتهم ولا تستجيب للمعايير الأكاديمية الخاصة بهذه الفئة، وهو ما انعكس على أدائهم التعليمي وأسهم في تفشي نسبة الأمية في صفوفهم لتفوق 90 في المائة.

إلى ذلك، تقول شيماء إن:

الدولة التونسية لا توفّر مترجم إشارات في مؤسساتها العمومية على غرار المكاتب البريد والبلديات، فضلا عن المؤسسات الاستشفائية التي يقتصر وجود مترجم فيها على ثلاثة مستشفيات تتمركز في تونس العاصمة.

ووفقا للإحصاءات الرسمية، يتجاوز عدد فاقدي حاسة السمع في تونس 200 ألف شخص، يمثلون ما نسبته 1.7 في المائة من مجموع سكان الجمهورية التونسية، وما نسبته 13 في المائة من حاملي الإعاقة.

وتلزم التشريعات في تونس أصحاب المؤسسات على تشغيل نسبة لا تقل عن 2 في المائة من حاملي الإعاقة بينهم الصم والبكم إلى جانب حقوق أخرى تضمنها التشريعات، لكن هذه الفئة ما تزال إلى اليوم تواجه صعوبات حياتية عدة تتعلق أساسا بصعوبة الاندماج في الحياة التعليمية والمهنية.

مناقشة