ويرى مراقبون أن المعتصمين مصرّين على البقاء، ولن يخيفهم فيروس "كورونا" لأنهم رأوا أنواعا كثيرة من الموت على يد المليشيات وبعض الأجهزة الأمنية، ويعلمون جيدا أن تركهم للساحات سيقضي عليهم ولن تقوم لهم قائمة بعد كل التضحيات التي قدموها، ويتوقعون كل السيناريوهات السيئة والتي يرون أن كورونا أيسرها.
وأضاف عضو المكتب السياسي لـ"سبوتنيك": "عاهدنا أنفسنا أن لا نعود إلى منازلنا إلا بأمرين، إما بعودة وطن أو داخل "التابوت"، وباء "كورونا" أرحم لنا مما قاسيناه من مليشيات الحكومة، إلى الآن وبعد أسبوعين من ظهور "كورونا" بالعراق لم تقتل 1% مما قتلته المليشيات في يوم واحد".
وعن هدف الاعتصام في هذا التوقيت، قال الزيدي: "نهدف من وراء ذلك إلى لفت انتباه العالم بأن هناك شعب متمسك بالبقاء في الشارع كونه يعتبر الفيروس أرحم من الفساد".
وتوقع عضو المكتب السياسي، أن
"تنتهك الحكومة والمليشيات الكثير من حقوق الإنسان بدعوى مكافحة "كورونا" من قمع وحرق للخيام في ساحات الاعتصام وربما اعتقال الثوار، واذا حدث هذا ستكون ردة فعل الشارع العراقي شديدة ضد الحكومة وسيخرج الجميع ليعودوا إلى الساحة".
ولفت عدي الزيدي إلى أن "الثوار في ساحة التحرير يتقاسمون الطعام مع الفقراء القريبين من الساحة والواقعين تحت الحجر الذاتي ومنع التجوال رغم المعاناة التي يعيشها الثوار، إذ قامت اللجنة المنظمة بتقسيم ما لديها من مواد غذائية وكمامات وتوزيعه على العوائل المتعففة القريبة من ساحة التحرير".
من جانبه، قال عبد القادر النايل، المحلل السياسي العراقي لـ"سبوتنيك"، إن "متظاهري ثورة تشرين ينبع إصرارهم من أجل استمرار الثورة لحين الوصول إلى تحقيق جميع المطالب الأساسية، المتمثلة في تأسيس نظام سياسي على أسس وطنية يعمل على هيكلة مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية بما يحافظ على سيادة العراق ويفسح المجال لأبنائه المخلصين في قيادته وإدارته للنهوض الشامل به، بعد الانحدار الكبير الذي شهده العراق على أيدي أحزاب السلطة الحالية وتكون الانتخابات هي الفيصل الأساسي للوصول للحكم".
وأضاف المحلل السياسي: "ويأتي هذا الإصرار الكبير الذي ضرب فيه المتظاهرون أروع أمثلة الصمود في حب الوطن والوفاء له، وهم يكيفون أحوالهم وأوضاعهم وفق الظروف التي مرت بهم خلال مدة تظاهراتهم، مستفيدين مما حدث لجميع التظاهرات السابقة سواء في ثورة 25 فبراير/شباط أو تظاهرات المحافظات الغربية".
وتابع النايل:
"الواعز الوطني الذي خرج له الشباب العراقي هو الذي ألهمهم هذا الإصرار حتى تتحقق أهدافهم التي خرجوا من أجلها وهو حق العراق على أبناءه، وواجب يجب الوفاء به، هم يريدون إنقاذ العراق وإعادته إلى شعبه الذي يعاني من انتهاء السيادة بسبب التدخل الدولي باحتلال ظالم، نتج عنه هيمنه واختطاف البلد بشكل واضح وصريح".
وأكد المحلل السياسي أن "المتظاهرين يرون أن الشعب العراقي الذي وقف بجانبهم وأيدهم يعيش مأساة وعليهم واجب ألا يتركوه يستمر في تلك المعاناة، فالشعب ورغم ما يعيشه من أزمات مازال يقف معهم، وهذا يدفعهم اكثر للتضحية، بعد أن تحولت البلاد إلى جيش من الأرامل والأيتام والفقراء في ظل طائفية بغيضة وسجون مكتظة بخيرة الشباب، فضلا على تردي الأوضاع الاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية".
وأوضح النايل: "الركيزة التي أصبحت العمود الفقري في إصرار المتظاهرين وبقائهم في خيامهم مع اتخاذ جميع التدابير الوقائية بسبب انتشار فيروس "كورونا" من تعقيم الساحات وعدم التجمع والمسيرات والاقتصار على البقاء داخل الخيم، هو الوفاء لدماء اخوانهم وأخواتهم من المتظاهرين الذين قتلتهم القوات الحكومية والميليشيات المدعومة من إيران، بعد أن تواطأت معهم حكومة عادل عبد المهدي، في قتل وجرح 35 ألف متظاهر، وهو مالم تفعله كورونا بهم ولا بالشعب العراقي".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "هناك عهد بين الشباب المتظاهر على عدم ترك الساحات وميادين التظاهر حتى تحقيق مطالبهم، أما وعود رئيس الوزراء المكلف فهي مجرد أوهام تكلم بها من جاء قبله ايضا، وتعهدوا بل الأكثر أن جميع الأحزاب تعهدت بتلبية مطالب المتظاهرين إلا أنهم مارسوا الكذب والتضليل داخل البرلمان، وكيف يتم الاستجابة والمتظاهرين يطالبون بحل البرلمان الحالي للإسراع في إقرار انتخابات عادلة برعاية دولية، ورئيس الوزراء المكلف هو من تلك الأحزاب ومن رحم المحاصصة المقيتة التي يرفضها المتظاهرين، فضلا أنه متهم بالفساد والتبعية للمليشيات ومحكوم بالتوافقات الحزبية لذلك وعي المتظاهرين اربكهم وأفقدهم صوابهم".
واندلعت الاحتجاجات الشعبية الواسعة في العاصمة العراقية بغداد، ومحافظات الوسط، والجنوب، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في أكبر ثورة شعبية يشهدها العراق منذ الاجتياح الأمريكي وإسقاط النظام السابق الذي كان يترأسه صدام حسين، عام 2003.
ويرفض المتظاهرون العراقيون، التخلي عن ساحات الاحتجاج التي نصبوا فيها سرادقات عديدة للمبيت على مدار 24 ساعة يوميا وفي ظل التحذيرات من انتشار مرض كورونا بينهم، لحين تلبية المطالب كاملة، بمحاكمة المتورطين بقتل المتظاهرين، وسراق المال العام، وتعيين رئيس حكومة جديد من خارج الأحزاب، والعملية السياسية برمّتها.
واستطاع المتظاهرون في العراق، إقالة رئيس الحكومة، عادل عبد المهدي، وساهموا في اعتذار محمد توفيق علاوي عن تشكيل الحكومة، كما قابلوا اسم نعيم السهيل بالرفض قبل ترشيحه رسميا، كما رفضوا أيضا رئيس الحكومة الجديد عدنان الزرفي، ويصرون على حل البرلمان، وتعديل الدستور، بإلغاء المحاصصة الطائفية، وإقامة انتخابات مبكرة لاختيار مرشح يقدم من الشعب حصرا، كما أعلنوا أنهم لن يفضّوا اعتصامهم بسبب "كورونا"، لأن ما قتل منهم في تلك الثورة يفوق عشرات المرات ضحايا الوباء العالمي حتى الآن.