هذا ما جعله يفرض نفسه بخصوصية كبيرة ابتداء من جحدر في مسلسل الزير سالم والملك المجزوم في صلاح الدين الأيوبي الى النمس والواوي في باب الحارة مرورا بتوفيق في ما ملكت أيمانكم و راغب في حائرات وصولا الى الشيخ حامد في مقامات العشق
وبالإضافة إلى مهارته العالية في التنقل بين أدوار التراجيديا والكوميديا ، يعرف الخاني بجرأته في طرح أفكاره ومواقفه، متحصنا بثقافة عالية وسرعة بديهة و موهبة عالية في الحوار تسعفه دائما في تصريحاته وانتقاداته الجريئة حتى لوسائل الإعلام .
وكان لوكالة "سبوتنيك" الحوار التالي مع نجم الدراما السورية مصطفى الخاني:
بما أننا لا يمكن تجاهل موضوع وباء كورونا، نسأل ماذا يفعل مصطفى الخاني أثناء الحجر الصحي في المنزل؟
أقوم بما يقوم به أغلب الناس كوننا جميعا نقضي الوقت في المنزل، ربما عدد ساعات القراءة لدي زادت أكثر، أمارس الرياضية وأعتني بالأزهار في حديقة المنزل لدي، وأتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء والمقربين، أشاهد الأفلام، وأحاول استغلال كل ما هو متاح لدينا من نشاطات يمكن ممارستها في المنزل .
بالتأكيد هناك أوقات أشعر بها بالملل كحال الكثير من الناس، لكن من الواجب علينا أن نبقى في المنزل حاليا، وتقع علينا جميعا مسؤولية كبيرة لتطبيق كل سبل الوقاية حتى نستطيع تجاوز هذه الأزمة، فقد رأينا عدة دول مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا استهتروا بسبل الوقاية، لذلك شهدت انتشارا كبيرا للفيروس، وبالمقابل رأينا دولا مثل الصين كان فيها وعيا اجتماعيا و جدية كبيرة في تطبيق إجراءات الوقاية، لذلك استطاعوا محاصرة المرض وأوقفوا انتشاره.
هل يعقل أن أترك وطني حين حاجته لي وأعود إليه حين حاجتي له
لذلك أتمنى من الجميع عدم الاستهتار وأن نبدأ من أنفسنا جميعا، بتطبيق أساليب الوقاية والبقاء في المنزل، و أن لا نخجل من الغاء بعض عاداتنا الاجتماعية مثل السلام والمصافحة، فإذا كنا نحب هذا الشخص ونحرص عليه فيجب أن لا نصافحه , و لا نخجل الآن من هكذا تصرفات، وأن نحاول نشر التوعية اجتماعيا، وتطبيق سبل الوقاية التي أصبحنا نعرفها جميعا بشكل جيد .
أنت قضيت سنوات الحرب داخل سوريا، لماذا لم تسافر و لم تخرج من الوطن كما فعل الكثيرون؟
أعتقد أن الأصح أن تسأل لماذا خرج الآخرون وليس لماذا لم أخرج، فمن الطبيعي أن يبقى الإنسان في وطنه، فمن غير المنطقي أن تسأل الأب والأم لماذا تعتني بأطفالك أو أن تسأل بائعا لماذا لم تسرق، أو أن تسأل مواطنا لماذا لم تخن وطنك أو أن تسأل انسانا لماذا تأكل كل يوم ... الخ، فهذه أشياء بديهية لا تستوجب السؤال، وإنما من يفعل عكس ذلك هو الذي يستوجب الوقوف عنده وسؤاله، ولكن اليوم للأسف تغيرت القيم والمفاهيم والمبادئ، وأصبحنا نستغرب أشياء كانت بديهية بحكم تربيتنا وبحكم عاداتنا الإجتماعية والدينية والأخلاقية.
بلدي مر بحرب وبأزمة قاسية و لو خرجنا جميعا منه وتخلينا عنه فمن سيبقى فيه ؟!، ولمن سنتركه!، وهل يعقل أن أترك وطني حين حاجته لي وأعود إليه حين حاجتي له بعد أن يتعافى، بالطبع هذا الكلام غير منطقي، وأنا لا أتحدث هنا بكلام إنشائي أو مانشيتات إعلامية، إنما هذا واقع الحال الذي طبقته على نفسي طوال سنوات الحرب .
كيف ترى اليوم مستوى الأعمال الدرامية السورية ؟
بالطبع نحن الآن في وضع غير صحي وبالتالي لا نستطيع المطالبة بنتائج مثالية في ظرف غير مثالي ، نحن في حالة حرب أو خارجين منها، وبالتالي انعكاساتها ستؤثر بدون شك على جميع مفاصل المجتمع السوري، وأحد هذه المفاصل هي الصناعة الفنية، التي تأثرت سلبا حالها حال كل الصناعات.
ولكن بالرغم من ذلك استطعنا الاستمرار، وتقديم بعض المحاولات الجيدة، ربما ليس بالسوية التي نتمناها ولكن بالقدر الذي استطعناه في ظل الظروف المحيطة، وأنا هنا لا أضع الحرب شماعة لأعلق عليها تراجعنا أو تقصيرنا، فبدون شك قصر البعض في أماكن معينة والبعض الآخر كان يبحث عن مبررات كالحرب ليبرر بها استهتاره وتقصيره وفساده .
مؤخرا اعتذرت عن المشاركة في السينما المصرية في فيلم " حملة فرعون " لماذا أحجمت عن خوض تجربة سينمائية على المستوى العربي مع " السبكي " والذي يعد أحد أهم المنتجين في السينما المصرية ؟
بالتأكيد للسينما المصرية الأهمية الكبيرة وبدون شك يسعدني العمل بها حالي حال أي ممثل في الوطن العربي، ولكن بشرط أن لا أقدم تنازلات كبيرة، فبالنسبة لي أي عمل أريد أن أشارك فيه يجب أن تتوفر فيه الشروط الفنية والإنتاجية، و من الممكن أن أتنازل إلى حد ما ولكن ليس لدرجة كبيرة.
و بصراحة في هذا العمل كان سبب الاختلاف مادي ولم نستطع الوصول الى صيغة ترضي الطرفين، رغم أن الصديقة سوزان نجم الدين حاولت التدخل في الأمر كونها إحدى المشاركات في الفيلم، ولكن لم نستطع الوصول الى الاتفاق حول الأجر و اعتذرت عن العمل.
فبالنسبة لي سواء كان العمل في مصر أو سوريا أو أي دولة عربية أخرى، فإن هذا العمل سيعرض في جميع أنحاء الوطن العربي، سواء على الفضائيات العربية أو في السينما، وبالتالي من غير المنطقي تقديم تنازلات من أجل أن أقدم عمل في مصر، نعم أرغب وأتمنى ويسعدني العمل هناك ، ولكني لا أرى الأعمال التي أقدمها في سوريا أو لبنان أو دبي أقل حتى أقدم في مصر تنازلات أكبر.
ما يقوم به القائمون على مؤسسة السينما جريمة بحق الإبداع السوري وجريمة بحق سوريا، نطالب بمحاسبة المسؤولين عنها
في مسلسل باب الحارة كنت من أكثر الشخصيات التي حصدت نجاحا جماهيريا منقطع النظير، و حصدت العديد من الجوائز و التكريمات الوطن العربي وخارجه، ما رأيك في هذا المسلسل الذي وصل إلى الجزء الحادي عشر حاليا؟
لا شك أن لهذا العمل دور كبير في وصولي إلى شريحة أكبر من الجماهير، كما كان لمسلسل الزير سالم دورا كبيرا في انطلاقتي، ولكن باب الحارة كان نقلة في مسيرتي المهنية على الصعيد الجماهيري لعدة أسباب، منها أن العمل تم تكريسه على عدد كبير من الأجزاء، وتم عرضه على أهم المحطات العربية، طبعا بالإضافة الى المادة الفنية التي عملنا عليها بالتعاون مع أسرة العمل.
ولكن بالتأكيد هناك بعض الأعمال التي قدمتها قبل أو بعد باب الحارة، كانت أهم منه على الصعيد الفني، ونفس الأمر ينطبق على مخرج العمل وعلى العديد من الممثلين الذين شاركوا في هذا المسلسل، ولكن ما وصلنا إليه من نجاح جماهيري في هذا العمل فاق كل التوقعات وبما فيها توقعاتنا، الى درجة أصبح فيها هذا العمل و على مدى سنوات طويلة طقس من طقوس رمضان لدى الشارع العربي، ويسعدني أني كنت أحد المساهمين في هذا العمل الذي انتهت مشاركتي فيه مع نهاية الجزء التاسع، وأتمنى لهم التوفيق فيما يعملون عليه من أجزاء جديدة.
قدمت مؤخرا دورا متميزا ذو خصوصة عالية من خلال مسلسلك الأخير " مقامات العشق " كم نحن الآن بحاجة لهكذا أعمال تقدم هذا العمق من الطرح الفكري الذي تم تقديمه في هذا المسلسل ؟ وهل تتحمل الدراما التلفزيونية هكذا مواضيع ؟
برأيي نحن اليوم في أمس الحاجة لذلك، ولكن على أن يتم تقديمه بشكل ممتع ومشوق مثلما حاولنا في مسلسل مقامات العشق، وهذا ما كانت تعمل الدراما على تقديمه دائما قبل أن يتم تفريغها من مضمونها، والاتجاه نحو الشكلانيات فقط دون الاهتمام بالعمق، إلا بعض الاستثناءات طبعا.
للأسف الشعوب العربية هي أقل الشعوب قراءة وبالتالي الدراما أحد أكثر أساليب التوعية التي ممكن أن تصل للمشاهد وبالتالي يجب استثمارها في هذا المجال بالشكل الصحيح، وطرح أعمال ذات مضمون و عمق، طبعا على أن يكون ذلك بطريقة مشوقة، و بشرط أن لا تفقد الدراما أحد أهم عناصرها وشروطها و هو المتعة والتسلية.
من يتابعك من خلال شخصيتي الشيخ توفيق في ما ملكت أيمانكم والشيخ حامد في مقامات العشق , يلاحظ أن العامل المشترك الوحيد بينهما هو البصمة الخاصة والمتميزة في علم أداء الممثل , فقد استطعت تقديم اختلاف كبير في الأداء علما أن للشخصيتين نفس المواصفات الرئيسية , والأمر ذاته ينطبق على الاختلاف الكبير بين شخصيتي النمس و الواوي في باب الحارة , كيف تقوم بالعمل على ذلك؟
هذا ما أحاول دائما أن أسعى إليه وهو العمل على الاختلاف، وطبعا انطلاقا من معطيات الشخصية، فدائما أقول أن العامل المشترك الوحيد بين الشخصيات التي أقدمها هو فقط أنني أنا من يقدمها، و لا يجب أن يكون هناك أي تقاطع أو تشابه آخر بين هذه الشخصيات، وحتى لو كانت السمات العامة لبعضها متشابهة، وهذا الأمر يتطلب طبعا من الممثل جهدا مضاعفا واجتهادا كبيرا وحبا لما يعمل عليه، والعمل على أدق التفاصيل الداخلية والخارجية، وبناء عوالم داخلية حقيقية وكاملة لها، والتي ستنعكس على تصرفاتها وردود أفعالها وحركتها وتعاملها مع المحيط، بالإضافة الى رسم الشكل الخارجي بكل تفاصيله وأدواته.
وكل هذا يتم العمل عليه بعد قراءة النص جيدا وجمع أدق المعلومات التي تتعلق بالشخصية وتطويرها وإضافة كل ما يمكن إضافته من تفاصيل تغني الشخصية، وتصب في نفس سياقها الدرامي والتي أسس له الكاتب، ومن ثم يأتي دور الممثل ليضيف و يكمل ما بدأه الكاتب تحت اشراف مخرج العمل .
تعتبر من الممثلين القلائل الذين تذوقوا طعم النجاح في كافة الأنواع الدرامية، فقد حصدت نجاحا كبيرا في الدراما التاريخية كالزير سالم وصلاح الدين ومقامات العشق، وفي البيئة الشامية من خلال النمس والواوي في باب الحارة، وأيضا في الأعمال الاجتماعية كما ملكت أيمانكم و حائرات، وهذا نادرا ما نجده عند الممثلين، برأيك الى ماذا ترجع ذلك؟
ذلك يعود الى العديد من الأمور، فالموهبة وحدها لا تكفي إن لم تتسلح بالثقافة والاجتهاد والبحث والشغف، والاختيار الصحيح للشخصيات، ولهذا اعتذر عن الكثير من الأعمال ولا أقدم إلا ما أعتقد أنه سيضيف لي على الصعيد الفني، وهذا الأمر كان يتطلب مني الصبر لأحصد نتائجه، فهو يأتي نتيجة عملية تراكمية أعمل عليها منذ تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية، إضافة الى ما يسكنني من قلق ابداعي كبير عند كل شخصية جديدة أعمل عليها.
منصب نقيب الفنانين لا يستحق كل هذا الصراع , ولكن الفن السوري يستحق أن يمثله من هو أفضل
هذا القلق الذي يعطيني الحافز والطاقة للعمل والبحث أكثر للوصول الى ما هو جديد ومختلف ومتميز، والبحث عن تحدي الذات من خلال تقديم الشخصيات الصعبة والمركبة والتي لا تقبل أنصاف الحلول، فإما أن تكون نتيجة ذلك نجاحا كبيرا أو فشلا ذريعا، و النجاح الكبير يتطلب عملا وجهدا أكبر، وحينما يضع الانسان لنفسه هدفا كبيرا أو قمة عالية يحلم بالوصول إليها، عليه أن يعلم أنه كلما كانت القمة التي يحلم بها أعلى كلما كان الجهد الذي تحتاجه للوصول إليها أكبر.
طغى على السطح مؤخرا الصراع في انتخابات نقابة الفنانين في سوريا، ما سبب هذا الصراع على منصب نقيب الفنانين، وهل حقا يستحق هذا المنصب كل هذه الضجة؟
من المؤكد أن المنصب لا يستحق كل هذه الضجة، ولكن الفن السوري يستحق أن يمثله قامات فنية كبيرة محبوبة من زملائها الفنانين، فجميعنا كنا نفتخر حينما كان نقيب الفنانين أحد الاساتذة دريد لحام أو صباح فخري أو أسعد فضة، بينما حاليا ممارسات النقيب الحالي ومجلس النقابة محط غضب واستياء من الغالبية العظمى من الفنانين، وهو الأمر الذي أدى إلى أن تشهد الانتخابات الأخيرة أعلى نسبة مشاركة من الفنانين، فقد كان لديهم ألم كبير و إصرار على التغيير.
فقد وصلت النقابة الى مرحلة لا يمكن تصورها من البيروقراطية، وعدم احترام الفنان و الاستهتار بحقوقه، والتواطؤ مع الشركات الى درجة السماح لها بعدم تسجيل جميع عقود الفنانين والفنيين لدى النقابة، الأمر الذي سيؤدي الى تهرب ضريبي والى ضياع حقوق الفنانين، وبالتالي تغض النقابة النظر عن إلزام الشركات بإرسال نسخ عن العقود وتوثيقها لدى النقابة كما يقتضي القانون، والأغرب أن هذه الأمور هي ما طالب به الاستاذ زهير رمضان قبل أن يتولى منصب النقيب، فلماذا لم يطبقها طوال سنوات استلامه للنقابة ؟ ولمصلحة من ذلك ؟، ولماذا لم يتم حتى الآن تطبيق نظام التأمين الصحي على أعضاء النقابة الأمر الذي تم تطبيقه على جميع الموظفين والعاملين وأعضاء النقابات في سوريا ؟.
ولماذا كل خدمات النقابة متأخرة سنوات عن خدمات أي دائرة حكومية في سوريا، في الوقت الذي يجب أن تسبق الجميع وتكون مثالا يحتذى به كون إدارتها يفترض أنها من المبدعين، وطبعا دائما يكون جوابهم بأنهم رفعوا دخل النقابة الى مئات الملايين بعد أن كانت تعاني من عجز، والسؤال ما الفائدة من هذه الأموال إن لم تنعكس على الفنانين أو على الأقل على المحتاجين منهم، ما فائدة هذه الأموال والراتب التقاعدي مخجل، والتأمين الصحي غير متوفر، واحترام كرامة الفنان غير موجودة من خلال تعاملهم معه وإغراقه في متاهات الروتين والبيروقراطية.
أنا على الصعيد الشخصي لا تربطني بالزميل زهير رمضان إلا كل علاقة ود واحترام، وأتمنى له التوفيق، ولكن نتائج عمله الإداري هي التي تدفعني لقول ما أقوله، و أستغرب منه إصراره على البقاء في هذا المنصب، رغم أن جميع الفنانين يطالبونه علنا بالتنحي، ولم يخرج فنان واحد معروف طالب بعكس ذلك، لهذا أتمنى منه وحفاظا على ماء وجهه وعلى محبة واحترام زملاءه له، أن ينسحب بكل شجاعة حتى فيما لو نجح في الانتخابات .
في إحدى لقاءاتك مع وسيلة إعلامية سورية، وجهت انتقادا للإعلام السوري نفسه، بماذا قصر الإعلام السوري خلال الحرب برأيك؟
أنت قلت انتقدت الإعلام السوري من خلال وسيلة إعلامية سورية وهذا شيء إيجابي، وأنا أفتخر بأني عندما أريد تقديم ملاحظة أو انتقاد لأي مفصل من مفاصل الحكومة في بلدي فأنا أقدمه من خلال الإعلام الوطني، وهذا واجبي كمواطن سوري من جهة و من جهة ثانية دليل على وجود هامش جيد من الحرية ومن الوعي لدى الإعلام السوري.
وبدون شك كان للإعلام دورا كبيرا خلال الحرب، وقدموا تضحيات وشهداء وحاولوا تقديم نتائج مرضية، ولكن بالمقابل أيضا كان هناك تقصير كبير من البعض الآخر، نحن نعلم أننا في وضع حرب ولا نستطيع تقديم نتائج مثالية، ولكن لا يمكن أن نحول الحرب لشماعة لتعليق أخطائنا وتقصيرنا، فعلى صعيد المثال تم إطلاق حملة في الإعلام السوري منذ حوالي السنة من أجل تطوير الصورة البصرية، ولكن كل ما رأيناه هو تغيير "اللوغو" في زاوية الشاشة، أو الفواصل بين الفقرة والأخرى.
الفرق بين الإدارات الجيدة والإدارات الضعيفة، أن الإدارة الجيدة هي التي تستطيع وضع حلول توصل الى نتائج جيدة في الظروف السيئة
بينما من يريد أن يغير حقيقة يستطيع أن يقوم بشيء بديهي وهو تغيير البث من رقمي إلى عالي الدقة، فلم يعد أحد من القنوات يبث بالتقنية القديمة والتي تعتبر رديئة و غير جيدة، ومن المؤكد لو أرادوا تطوير الصورة البصرية لحولوا الصورة إلى عالية الدقة، وهناك سيكون تغيير حقيقي يمكن ملامسة نتائجه فورا من الجميع، فمن غير المعقول أن أقوم بحملة كبيرة وأن أحشد المدراء وتصريحات من القائمين على الإعلام السوري، وفي النهاية تضع وردة في زاوية الشاشة أو أغير أحد الفواصل، فهذا لا يعد تغييرا أو تطويرا اليوم في لغة الإعلام ، ولا يستحق كل تلك الضجة والدعاية التي قاموا بها , في الوقت أن التغيير الحقيقي والمثمر للصورة البصرية يعرفونه بشكل جيد جدا، في النهاية هذا إعلامنا وهذا بلدنا ومن واجبنا أن نوجه الملاحظة لأي مقصر بكل حب، وأن لا نسكت على أي خطأ أو تقصير.
وطبعا نعرف أننا في ظروف حرب، و لكن جميعنا يعرف أيضا أن لدينا ميزانيات ضخمة تنفق على الإعلام، وتحويل قنواتنا إلى عالية الدقة ليس أمرا صعبا لمن لديه الإرادة ويرغب بالتطوير الحقيقي، ويمكن أن يكون ذلك بشكل تدريجي على مدى سنتين وأو ثلاث وليس من ميزانية عام واحد، المهم أن نبدأ و أن يكون هناك خطة لذلك، لا أن نسترخي ونستكين ونضع دائما ذريعة الظروف الصعبة والحرب، وهنا يكمن الفرق بين الإدارات الجيدة والإدارات الضعيفة، فالإدارة الجيدة هي التي تستطيع وضع حلول توصل الى نتائج جيدة في الظروف السيئة.
ونحن هنا لا نطالب بأشياء خارقة بل بأشياء عادية وبديهية، والسيد الرئيس بشار الأسد قال خلال الحرب بأن الإعلام هو سلاح، و لذلك كما تنفق الدولة في الحرب على السلاح فيجب أيضا أن تنفق على الإعلام وتعمل على تطويره، لأنها تخاطب من خلاله الناس وتنقل الصورة عن الشارع السوري والفكر السوري والجمال السوري، واليوم الصورة أصبحت أحد أهم عناصر الإعلام المرئي، فمن غير المكن اليوم أن أقنع المشاهد بفكرة جيدة من خلال صورة سيئة.
تابعنا أيضا انتقادك للمؤسسة العامة للسينما، فهل تحملها مسؤولية تراجع السينما السورية ؟
على العكس للمؤسسة دور هام وكبير في تطور السينما السورية، وإنما أحمل القائمين عليها حاليا مسؤولية تراجع السينما السورية و وصولها الى ما آلت إليه، فهذه الذهنية الإقصائية في الإدارة هي التي أبعدت المواهب السورية الكبيرة ومنعتها من العمل في السينما السورية لسنوات طويلة ولتستبدلهم بأنصاف المواهب إلا بعض الاستثناءات، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن الاستاذ محمد ملص أحد أهم المخرجين في تاريخ السينما السورية و العربية و الذي نافست أفلامه في أكبر المهرجانات العالمية، للأسف لا يسمحون له بالعمل، أو محمد عبد العزيز أو بسام كوسا .... الخ، وغيرهم الكثير الكثير من المواهب والطاقات الإبداعية السورية التي يحاربونها في المؤسسة ولا يسمحون لها بالعمل، ويعتمدون بالمقابل على أربع أو خمس أسماء مخرجين تتكرر كل عام بشكل مستمر مع نفس المجموعة من الممثلين و الفنيين.
طبعا كل عام تأتي الإدارة ب اسم واحد فقط جديد إضافة لتلك الأسماء لكي يتذرعوا به أمام الإعلام بأنهم يستقطبون أسماء جديدة، ويستعرضون بإقامة ما يسمونه مهرجان سينما الشباب وينتجون بعض الافلام بميزانيات هزيلة مضحكة، ليتركوا الميزانيات الضخمة والتي تصل الى مئات الملايين كل عام لانتاج أفلام شركائهم من المخرجين الأربعة أو الخمسة، ورغم أن أغلب نتائجهم الفنية متواضعة، ولم يستطيعوا تحقيق شباك تذاكر، ولا تحقيق حضور في المهرجانات السينمائية الهامة لا خلال الحرب ولا قبله.
فلماذا الإصرار على نفس تلك الأسماء؟، ولماذا الإصرار على إقصاء كل من سواهم من المبدعين السوريين؟، هذه جريمة بحق الإبداع السوري وبالتالي جريمة بحق سوريا والسوريين نطالب بمحاسبة المسؤولين عنها.
الاستاذ " مصطفى الخاني " أحد الأسماء العشرة التي أسست خلال الحرب " جمعية عين الفنون " وجميع هذه الأسماء من الخبرات الكبيرة في قطاعات الفن والثقافة , وكان لكم نشاطات واضحة ومميزة ونوعية في السنوات الأخيرة , برأيك هل يعد العمل في هذا المجال خلال الحرب نوع من الترف الاجتماعي أم هو ضرورة وحاجة اجتماعية ؟
ما تقوله هو في الحقيقة معيار لحضارة الدول وتقدمها، فلو أخذنا مثالا أيا من الدول المتقدمة اليوم في العالم ومثالا لأي من الدول المتخلفة، ولنلاحظ اهتمام كل منهم بالثقافة والفنون، لوجدنا جوابا على ما تسأل، وعندها نستطيع أن نختار المثال الذي نطمح الوصول إليه، و بدون شك خلال الحروب وبعدها، و في الوقت الذي يتم فيه العمل على ترميم و إعادة بناء الحجر يجب بالموازي العمل على ترميم و إعادة بناء البشر، فللحرب انعكاساتها الكبيرة والهدامة على الإنسان عامة والأطفال خاصة و أحد أهم ركائز إعادة البناء عند الدول الواعية هي الثقافة والفنون، وهذا ما نحاول العمل عليه.
يقول أحد الممثلين الشباب وهو ممن درستهم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بأنك كنت صارما جدا في التعامل معهم عندما كانوا طلابا , عكس طريقة تعاملك معهم بعد تخرجهم , برأيك الى أي مدى يصح هكذا أسلوب في تدريس الفن ؟
هذا الأسلوب لست أنا من أوجده، بل هو نفس الأسلوب الذي درسونا به أساتذتنا وقاموا من خلاله بتخريج مجموعة كبيرة من أهم الأسماء على مستوى الوطن العربي، وهو نفس الأسلوب الذي وجدته عندما تعلمت في فرنسا عند أهم أسماء المسرح والفن في العالم " اريان منوشكين ".
وطبعا طريقة التعامل تختلف من طالب لآخر حسب اهتمامه وجديته، ولكن بالعموم الحرص على الطالب والعمل بضمير مهني عالي من قبل المدرس تتطلب أحيانا شيء من القسوة، وربما كنا نرهق الطلاب بساعات تدريب طويلة ونطلب منهم قراءات كثيرة، ونحاسبهم بدقة شديدة على الالتزام بالمواعيد، لأن هذا ما سينعكس على أسلوب عملهم عندما سيصبحون نجوما ومشاهير، وطبعا بالمقابل بعد تخرجهم يصبحون من أقرب أصدقائي، والجميع يلاحظ أني في أي عمل أشارك فيه أكون حريصا دائما على تواجد أغلب الطلاب المتميزين الذين قمت بتدريسهم، فالتعب الكبير الذي بذلوه خلال الدراسة يجب أن يحصدوا نتائجه، ومن واجبي أن أساعدهم في ذلك ولذلك أيضا تجد العبارة المكتوبة عند بوابة جامعة هارفرد " ألم الدراسة لحظة وتنتهي، لكن إهمالها ألم يستمر مدى الحياة ".
كتبت مؤخرا ضمن ما كتبته بمناسبة يوم المسرح العالمي وقمت بنشره في صفحتك الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي " كلما أصبح العالم موحشا أكثر كلما ازدادت حاجتنا للمسرح " برأيك هل يستطيع المسرح أن ينافس التلفزيون والسينما والسوشال ميديا وكل هذه الثورة التقنية المتسارعة ؟ وألم يحن الوقت كي نشاهدك في تجربة مسرحية جديدة ؟
أعتقد أن أهمية المسرح تنبع من خصوصيته ومن ما يملك من شرط تواصل انساني، الأمر الذي يميزه عن كل ما سواه، ونحن اليوم بعد مرحلة الكورونا والحظر المنزلي الذي وضعنا به، نلاحظ أننا أصبحنا نعي أكثر لضرورة تواصلنا الانساني المباشر مع بعضنا البعض بعيدا عن أساليب التواصل الحديثة من انترنيت وسوشال ميديا، الأمر الذي يضمنه المسرح دون غيره من أشكال الفنون الدرامية الأخرى، و إنشاء الله قريبا سأحاول العودة لتقديم عمل مسرحي إن توفرت الشروط الفنية الملائمة لتحقيقه، فمهما ابتعد الفنان عن المسرح، يبقى المسرح بالنسبة للفنان الوطن الأول والمنفى الأخير.
بعد حصولك على الدرع الذهبي من قبل إدارة اليوتيوب بمناسبة تجاوز قناتك للمليون مشترك وحوالي ثمانمائة مليون مشاهدة خلال سنتين، وهذا يعد من أعلى النسب لدى الممثلين في الوطن العربي، ما الجديد الذي ستقدمه من خلال قناة مصطفى الخاني على اليوتيوب؟
سأحاول ترجمة بعض الأعمال الى الانكليزي والاسباني كي أخاطب شريحة أكبر من خلال هذه القناة، و ندرس حاليا عرضا مقدما لانتاج عمل خاص يكون عرضه بشكل حصري في هذه القناة، طبعا إضافة الى الاستمرار في تقديم المواد الفنية والمشاهد الدرامية والمقابلات ولحظات من حياتنا اليومية أنا وأصدقائي من المشاهير، و التي اعتاد متابعون القناة على مشاهدتها، إضاقة الى البث المباشر من آن الى آخر.
من المعروف أنك تنتمي الى عائلة تمتلك أحد أكبر اسطبلات الخيل في سوريا وأعرقها ( اسطبلات الخاني ) وتحصد باستمرار العديد من الجوائز سواء في مسابقات السرعة أو في مسابقات ملك جمال الخيل، هل استفدت من ذلك في عملك كممثل؟ و ما الذي تعلمته من الخيل؟
طبعا أفادتني في عملي كممثل، وساعدني ذلك في تقديم العديد من المشاهد الخاصة و المتميزة والتي تتطلب تدريبا و خبرة كبيرة في التعامل مع الخيل، وقدمت هكذا مشاهد ضمن الكثير من المسلسلات التاريخية مثل الزير سالم، صلاح الدين الايوبي، ربيع قرطبة، الظاهر بيبرس، هولاكو، سقف العالم، وطبعا تعلمت من علاقتي مع الخيل الكثير.
فاحتكاكي المستمر على مدى أربعين عاما مع هذا المخلوق النبيل لابد أن تؤثر بي بشكل أو بآخر، فأنبل الصفات وأجملها تنسب الى الخيل، فإذا ما أردت أن تمدح شخصا فإنك تقول بأنه أصيل كالخيل العربي الأصيل، أو تقول بأنه يتمتع بأخلاق الفارس، وهذا ما نطمح إليه جميعا وما نحتاجه ونفتقده في زمننا هذا، الوفاء و الكرم و النبل و الأصالة، والتي تعد أهم صفات الخيل .
شكرا جزيلا لك مصطفى الخاني، ونتمنى لك كل الوفيق.
أجرى الحوار: أيهم مصا