ودفع حظر التجوال أعدادا كبرى من العائلات المعوزة إلى كسر الحجر الصحي العام، وتنفيذ وقفات احتجاجية أمام مقر المعتمديات أو مكاتب البريد في معظم محافظات الجمهورية التونسية للمطالبة بصرف المساعدات الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، غير عابئين بحالة الازدحام التي تغيب عنها شروط الوقاية من فيروس "كورونا".
تأخر صرف المساعدات
وتشهد محافظة أريانة القريبة من العاصمة والتي تتموقع في المرتبة الثانية من حيث عدد الإصابات (72 إصابة)، تحركات احتجاجية خاصة في معتمديتي المنيهلة وحي التضامن أكبر الأحياء التونسية الشعبية وأكثرها فقرا.
ويطالب المحتجون الذين يتجمهرون يوميا ومنذ نحو أسبوع أمام مقر المعتمدية بالتعجيل في صرف المساعدات التي أقرتها الدولة، فيما يطالب آخرون باستثنائهم من الحجر الصحي العام وتمكينهم من رخص التنقل لمزاولة أعمالهم اليومية التي منعتها الدولة طيلة فترة الحجر الصحي العام تقليصا من خطر العدوى.
وكانت الحكومة التونسية أقرت صرف ما قيمته 150 مليون دينار في شكل منح استثنائية ستوزع على أكثر من 900 ألف عائلة.
كما ضخت الدولة اعتمادات بقيمة 124 مليون دينار لفائدة 623 ألف عائلة محدودة الدخل، وأخرى بقيمة 350 مليون دينار للعاملين المحالين على البطالة الفنية ممن خسروا وظائفهم بسبب فيروس كورونا، فضلا عن تمتيع 260 ألف عائلة معوزة بزيادة استثنائية في قيمة المنحة المخصصة لها بمبلغ قيمته 50 دينارا للمنحة الواحدة.
ورغم نشر مصالح وزارة الشؤون الاجتماعية رزنامة خاصة بمواعيد صرف هذه المساعدات وإعلام كل المنتفعين عبر رسائل قصيرة بموعد تسلمهم لمنحهم، إلا أن هذه المحاولات فشلت في إقناع المواطنين بالبقاء في منازلهم والالتزام بالحجر الصحي.
فقدان المواد الأساسية
رقعة الاحتجاجات اتسعت لتشمل المناطق الداخلية على غرار معتمدية الوسلاتية بمحافظة القيروان ومعتمدية مكثر التابعة لمحافظة سليانة، بعد تسجيل نقص حاد في التزود بالمواد الأساسية في هذه المناطق، وخاصة منها مادتي السميد والطحين التي تعتبر مواد حياتية بالنسبة لسكان الأرياف، في ظل غياب أو نقص المخابز في جهتهم.
ويطالب ساكنو هذه المناطق الدولة بتزويدهم بالمواد الأساسية خاصة بعد تعذر تنقلهم إلى القرى الكبرى المجاورة بسبب تعطل حركة النقل بين الأرياف والمناطق الحضرية خوفا من انتقال عدوى فيروس كورونا وهو ما ساهم في تعميق عزلتهم.
وضع قاد وزارة التجارة إلى إعلان الترفيع في نسق انتاج هذه المواد وضخ كميات أكبر في المناطق الداخلية والأرياف.
وفي هذه الصدد، أكد مدير الأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة حسان التويتي لـ"سبوتنيك"، إن "الوزارة ستخصص يوميا ما يزيد عن 1780 طن من مادتي السميد والطحين للمناطق الداخلية والريفية سيقع توجيهها على مستوى كل محافظة حسب الحاجيات الاستهلاكية لكل منطقة".
منظمات تحذر من انفجار اجتماعي
وفي ظل تواصل أزمة "كورونا" وما رافقها من تداعيات اقتصادية واجتماعية وخيمة، حذرت منظمات تونسية من اتساع رقعة الاحتجاجات واتخاذها أشكالا أخرى أشد عنفا، وهو ما سينعكس سلبا على عملية تطويق الوباء العالمي.
وفي هذا الشأن، قال مدير الإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر لـ"سبوتنيك" إن أزمة "كورونا" وتطبيق الحجر الصحي العام زادا من معاناة الفئات الهشة وخاصة منها التي تعمل في القطاع غير المنظم مثل المقاهي والأسواق الشعبية وغيرها.
وأضاف بن عمر:
"الخوف من الوباء أصبح يحتل المرتبة الثانية بالنسبة للفئات المفقرة مقارنة بالوضعية الاقتصادية التي أضحت الهاجس الأول بالنسبة لهؤلاء، محذرا من تأخر صرف المساعدات المالية التي وعدت بها الدولة، وهو ما سيقود هذه الفئات إلى البحث بنفسها عن مصادر تمويلها".
ويعتبر بن عمر أن "الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة غير قادرة على معالجة التداعيات الاقتصادية لأزمة كورونا على الفئات الهشة"، داعيا إلى ضرورة توسيعها لتشمل أكبر عدد ممكن من الفئات.
وأشار إلى أن "الحكومة لم توفر آليات واضحة لصرف المساعدات على مستحقيها ولم تتواصل بشكل واضح معهم لإبلاغهم بكيفية توزيعها، وهو ما قاد أعدادا منهم إلى كسر الحجر الصحي العام والتجمهر أمام مكاتب البريد والمعتمديات رغم إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية أنها ستتولى إيصال المساعدات إليهم دون الحاجة إلى التنقل إلى مكاتب البريد".
ودعا بن عمر الحكومة إلى ضرورة إيجاد استراتيجية للخروج من الحجر الصحي العام تدريجيا بطريقة تحفظ حقوق الفئات المتضررة من الحجر وتتلاءم في نفس الوقت مع متطلبات حفظ الصحة.