فقد أقرّ وزراء مالية دول منطقة اليورو خطة إنقاذ ضخمة بقيمة 500 مليار يورو لمساعدة الدول الأعضاء الأكثر تضرراً من كورونا من أجل التصدي للوباء، سميت بـ"MES" وهي اختصار لثلاث كلمات وترجمتها (آلية الاستقرار الأوروبي) بحسب بعض المصادر الدبلوماسية التي نشرتها قناة "دويتش فيلا".
وأكدت هذه المصادر أن واضعي الخطة تجاهلوا طلبا (إيطاليا فرنسيا إسبانيا) بشأن إصدار سندات مشتركة لدول منطقة اليورو تسمى بـ"سندات كورونا"، بحيث تعمم الديون على كل الدول الأعضاء وذلك بسبب معارضة قوية من جانب دول أخرى مثل ألمانيا والنمسا وهولندا، مقابل ترحيب وزراء مالية دول أوروبا بخطة "MES".
وبدأت حرب التصريحات على مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الإجتماعي بعد "اليوم العظيم" بحسب وصف وزير مالية ألمانيا، حيث تم اقرار الـ"MES" بتاريخ 9 نيسان/أبريل 2020.
ونشر زعيم حزب "الليغا" اليميني ماتيو سالفيني فيديو عبر صفحته الشخصية على موقع "فيسبوك" يقول فيه: "في 6 نيسان/أبريل رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي يرفض مساعدات "MES" ويؤيد "سندات اليورو"، ويوم 9 من الشهر نفسه إيطاليا توافق على "MES".
ولم يكتف بصفحته على "فيسبوك"، بل أن سالفيني حسب مانشرته صحيفة "Il Giornale" قال (تم اقتباس المهم): "لا توجد "Eurobond" أو "سندات اليورو" كما أراد كونتي.. ولكن هناك الـ "MES"، إنه عمل درامي راهنوا من خلاله على حساب المستقبل والعمل ومدخرات الأجيال القادمة.
وأضاف: "منذ عام 1989 حتى الآن دفعت إيطاليا لأوروبا 140 مليار يورو، واليوم، لأنهم يقرضونا 35 مليار يورو، سوف يضعوننا في أيدي نظام خانق مقنن".
وتابع "علاوة على ذلك، تم التغاضي عن طلب حزب "الليغا" مراراً وتكراراً، وتم اتخاذ القرار دون العودة للبرلمان، هذا يعني أننا خارج القانون.. وأصبحنا في (دكتاتورية) تحت اسم الفيروس.. وسوف نتقدم بطلب سحب الثقة من وزير المالية جوالتييري".
وأكد على أن احتفالية حكومة هولندا بالقرار سيخلق لنا "كوباريد" ثانية.
(كوباريد هي مدينة خسرتها إيطاليا بالحرب العالمية الثانية.. استخدمها سالفيني كتعبير مجازي)
ونوه بذلك على "فيسبوك" مرة أخرى بقوله: "لا لآلية الاستقرار الأوروبي "MES" وتعم لسحب الثقة من الحكومة.
في حين كتبت جورجا ميلوني زعيمة حزب "أخوة إيطاليا" على صفحتها الرسمية: وقع الوزير جوالتييري لتفعيل آلية الاستقرار الأوروبي "MES" بدلاً من "Eurobond" وهكذا وضعت إيطاليا تحت الحماية، وفي النهاية فازت رغبات ألمانيا وهولندا.
وأضافت "ما فعلتة الحكومة (الإيطالية) هو التظاهر بالمعارضة ورفع الصوت، ولكنها انحنت لتوجهات شمال أوروبا.
وأوضحت في مقطع فيديو بثته عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك": "لن نسمح لأحد أن يستغل أمتنا كما حدث في اليونان، لقد أعلناها من قبل ونكررها مرة أخرى":
الآن على كونتي وجوالتييري ودي مايو مواجهة استجواب البرلمان حيث أن حزب أخوة إيطاليا يتجه لوقف هذة الخيانة في حق الشعب الإيطالي.
ومازاد (الطين بلة) هو عنوان صحيفة "die Welt" الألمانية، حين كتبت:
لابد أن تسيطر المفوضية الأوروبية على الإيطاليين و"المافيا تنتظر سيل المال من بروكسيل".
مافتح سيلا من الإنتقادات عليها من خلال بعض المسؤولين السياسيين في إيطاليا ونبدأ برد وزير الخارجية لويجي دي مايو على الصحيفة عبر صفحته في فيس بوك قائلاً: "die Welt" تعتبر صحيفة ألمانية مهمة، هذا الصباح دعت أوروبا لعدم مساعدة إيطاليا لأن المافيا تنتظر المال من بروكسيل، على حد تعبيرها، لا أريد أن افتح جدلاً في هذا الموضوع، لأنه في إيطاليا ليس لدينا الوقت الكافي لهذه الجدالات، ولكن أقول أنه من المخجل والمرفوض تماما هذه النغمة المستخدمة من الصحيفة الألمانية، وأتمنى أن تدين برلين هذا التصريح".
وأضاف "إيطاليا تنعي اليوم ضحايا فيروس كورونا ومنهم ضحايا المافيا، وكوزير للخارجية لا أقبل أبدا هذه التصريحات، لأنها ليست بطولة رياضية بين الدول، فالناس يموتون وعلى أوروبا التجاوب، لأننا بحاجة لرسالة (الوحدة) التي لا تطلبها إيطاليا فقط، بل كل الشعب الأوروبي".
في حين رد سالفيني عبر صفحته على "فيسبوك": خطاب الى "die Welt" تحدث فيه عن قدر المال الذي ساهمت به إيطاليا للإتحاد الأوروبي منذ عام 1989.. حيث دفع الإيطاليون 81 مليار يورو لميزانية الاتحاد العامة ودفعت إيطاليا أيضا 57 مليار لصندوق إنقاذ الدول.
ونعود للوضع الداخلي حيث أن هناك أمور كثيرة ساهمت بتوتر العلاقات إن كانت الأوروبية أو في إيطاليا نفسها.. فقد هاجم رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي ماتيو سالفيني وجورجيا ميلوني خلال مؤتمر صحفي قائلا: "لقد كذبوا، لم يتأسس نظام آلية الاستقرار الأوروبي "MES" منذ يوم أمس، كما يقول سالفيني وميلوني، لقد تم تأسيسه في عام 2012"، منوها إلى أن "الحكومة الإيطالية لا تعمل في الظلام".
ما دعا مدير التلفزيون الإيطالي لانتقاد كونتي في استخدام تلفزيون الدولة لأسباب شخصية بحسب صحيفة "il tempo":
"لو كنا نعلم أن كونتي سيستخدم جزء من المؤتمر الصحفي لمصالح شخصية تتعلق بانتقاد المعارضة لكنا أوقفنا البث المباشر في هذا الجزء".
يبدو أن إيطاليا على حافة الهاوية.. في صراع داخلي احتدم في الأيام الأخيرة بين رئيس الحكومة جوزيبي كونتي.. وزعماء الأحزاب اليمينية التي من المتوقع فوزها في الانتخابات المقبلة، وآلاف الوفيات والإصابات اليومية، وأزمة اقتصادية يصعب حلها بسبب اتساع فجوة الدين الإيطالي بحسب ما أفاد به أغلب الصحفيين المحليين.
هذا كله يجعل إيطاليا في مكان لا تحسد عليه بين استغلال قارتها الأم لها ورغبة استقلالية تقف في طريقها قلة الإمكانات المتاحة.
وللحديث أكثر أفادني الباحث السياسي مارك مجدي برأيه حول هذا الموضوع قائلا: "أعتقد أن تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي الأخيرة وبالأخص القاء اللوم على المعارضة اليمينية هى محاولة لتمهيد الطريق لرضوخ إيطاليا لقرارات المجموعة الاوروبية والموافقة على آلية الاستقرار الأوروبي "MES" تحت الشروط الألمانية والهولاندية.
وأضاف "مجرد القول ان الـ "MES" تأسس عام 2012 بموافقة الحكومة الإيطالية التي كانت مؤلفة من ائتلاف يميني وسطي، هو محاولة لتوجية الرأي العام على أنه مسار إجباري شاركت فيه الأحزاب اليمينية من قبل"، منوهاً في الوقت ذاته أنه "في عام 2012 كانت توجد حكومة تكنوقراط بقيادة ماريو مونتي وكانت الأحزاب اليمينية الأكثر رفضا للـ"MES" بالأخص حزب الليغا... حيث عاصرت هذة الأحداث عندما كنت أدرس بالجامعة في إيطاليا بعد سقوط حكومة سيلفيو بيرلسكوني... وأتذكر جيدا كيف تكونت هذة الحكومة آنذاك بصعوبة".
وبمنظوري الشخصي يبدو أن الأمور لن تحل قريبا.. فكره الأحزاب اليمينية للاتحاد الأوروبي يزداد كل يوم.. وهذا ما عبر عنه النائب الإيطالي فابيو رامبيلي بإزالته لعلم الإتحاد من مكتبه.
وفي الصورة التي نشرها رئيس حزب لي باتريوت الفرنسي فلوريان فيليبو على "تويتر".
وبالسياق ذاته يرى مارك أنه عندما نتحدث عن فكرة خروج أو تفكك داخل الإتحاد الأوروبي، فإن الأمر يختلف بين الدول الأعضاء في منطقة اليورو والدول التي مازالت محتفظة بعملتها... معتبرا أن "بريطانيا لاتصح كمثال لأن خروجها يعد أسهل من خروج أي عضو يشترك في عملة اليورو ليس لديه الاستقلالية الإقتصادية الكاملة لأخذ خطوة مماثلة".
وبالرغم من أن هذه الأحزاب تشهد صعود شعبي في عدة بلاد من منطقة اليورو، لكنهم لم يصلوا بعد للشعبية التي وصلت لها نفس الأحزاب في إيطاليا، فما زالت الأحزاب المؤيدة للاتحاد تسيطر على المشهد، بالأخص الحكومة الألمانية والفرنسية، الذين تم وصفهم من عدة صحف وخبراء إقتصادين بالمحور الألماني-الفرنسي الذي ينسق ويرسم سياسات الاتحاد ثم يطرحها على الدول الأعضاء للتنفيذ، وبالأخص دول جنوب أوروبا، الذين يواجهون التهديد الاقتصادي الأكبر فيما بعد الكورونا، خاصة إذا أجبروا على الاقتراض المشروط حيث سيرفع الدين العام لهذه البلاد وسيسبب عجز كبير فيما بعد.
ولكن طريق الواقع الحالي يؤكد أنه سيكون هناك تغيير في الاتحاد الأوروبي بوجه عام وداخل إيطاليا بوجه خاص (في حال فوز الائتلاف اليميني) بقيادة ماتيو سالفيني الذي سيعمل قدر اللإمكان لخلق نوع من الاستقلالية الإيطالية داخل منطقة اليورو.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه فقط)