زمن كورونا... لماذا زادت ظاهرة التنمر في المجتمعات العربية؟

رغم ظهور أنواع متعددة من التنمر في المجتمعات العربية، خاصة في الفترات الأخيرة التي نشط فيها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، كان من الصعب التخيل أن يطال الأمر أولئك المصابيين ببعض الأمراض، أو المتوفين، في ظل العادات والتقاليد العربية وارتباطها غالبا بفكرة الدين.
Sputnik

شيخ الأزهر يوجه رسالة إلى المتنمرين على مصابي كورونا... فيديو
مع انتشار فيروس كورونا في العالم، لم يسلم المصابون والمتوفون من حالات التنمر، بيد أن ظهورها في بعض البلدان العربية كان غير متوقع، حيث عانى بعض المصابين من المرضى والأطباء بفيروس كورونا من تلك الظاهرة، حيث وصل الأمر لرفض بعض الأهالي دفن جثثهم في مدافن قراهم.

الظاهرة التي تحاول الأنظمة الحكومية مواجهتها بشدة، تعد –بحسب المراقبين- جريمة يعاقب عليها القانون، وتستدعى انتفاضة مجتمعية وتشرعية لتوعية المواطنين، وكذلك معاقبتهم حال احتاج الوضع لذلك.

التنمر في زمن كورونا

عانت العديد من البلدان العربية في مقدمتها مصر والمغرب وسوريا والعراق ولبنان وتونس، من انتشار ظاهرة التنمر بمصابي فيروس كورونا، وتكررت مشاهد رفض الأهالي لدفن جثث المتوفين بالوباء، خوفا على حياتهم.

في تونس منع السكان في منطقتي بنزرت وباجة السلطات البلدية دفن جثماني مصابين بالوباء في مقابرهم ظنا منهم أن الفيروس قد يبقى على جنبات القبر ويهاجم الأصحاء منهم.

وخرجت عشائر مسلحة في محافظة ديالى لمنع أحد العوائل التي كانت برفقة الكوادر الصحية من دفن رب الأسرة التي توفي بعد إصابته بالفيروس بمقبرة المدينة. كذلك رفض السكان في منطقة البسماية جنوب العاصمة بغداد، الفرق الصحية من دفن الموتى بالقرب من منطقهم. وفي مقابر محافظة النجف الكبيرة حدثت أمور مماثلة.

وفي المغرب، وبعد الإعلان عن تسجيل أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في المغرب، مطلع مارس/ آذار الماضي، تعرض المهاجرون المغاربة المقيمون في أوروبا للتنمر من طرف البعض، متهمين إياهم بنشر الفيروس في المغرب.

وألقت الأجهزة الأمنية في مصر القبض على عشرات الأشخاص، على خلفية تجمهرهم في إحدى قرى محافظة الدقهلية في دلتا النيل، لمنع ورفض دفن جثمان طبيبة توفيت نتيجة الإصابة بفيروس كورونا المستجد.

وخرجت العديد من البيانات التي تندد بالأمر، حيث أكد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، أنه "لا يجوز أبدا ولا شرعًا ولا مروءة أن يسخر إنسان من إنسان آخر أصيب بهذا الوباء أو مات به أو يتنمر ضده، والواجب هو أن يدعوَ الإنسان لأخيه الإنسان، وأن يتضامن معه، وألا يسخر منه بكلمة أو نظرة أو فعل أو قول يؤذي المصاب ويؤذي أهله".

غياب وعي

الدكتور محسن عزام، عضو مجلس نقابة الأطباء، قال إن "حالة الرعب التي انتابت المواطنين من انتشار فيروس كورونا دفعتهم لبعض السلوكيات غير السوية، والتي ظهرت على هيئة حالات تنمر، تعرضت لها طبيبة مصرية رفض الأهالي دفنها، وأيضًا والد طبيب آخر".

وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الإعلام له دور كبير في ظهور مثل هذه الظواهر، بعد اتخاذ رسائل إعلامية متضاربة، خاصة فيما يخص استضافة غير المختصين من الأطباء، وحث الجماهير عن الالتزام بالحظر والحديث عن الأضرار الاقتصادية في نفس الوقت".

وأكد أن "ما أزعج الأطباء بعد هذه الحوادث الفردية، أنها نابعة من الشارع، وهم السبب الرئيسي في إصابة الأطباء بهذا الفيروس".

وأشار إلى أن "هذه الظاهرة تحتاج رفع حالة الوعي لدى الجماهير، وتكاتف الجميع من أجل توعية المجتمع، وكذلك مساندة الأطباء من قبل الدولة، بتوفير كافة الأدوات اللازمة، وكذلك تقديرهم بشكل ملموس".

دور تشريعي

من جانبه قال جون طلعت، عضو مجلس النواب، إن "ظاهرة التنمر ضد الحالات المصابة بفيروس كورونا، ظهرت في العديد من بلدان العالم العربية والأوروبية، وعانى منها الجميع".

وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "في مصر انتفض المجتمع بعد حالة التنمر التي تعرضت لها إحدى الطبيبات بعد موتها، ورفض أهالي القرية دفنها خوفًا من تفشي المرض".

وأكد أن "هذه الممارسات ترفضها كل الأخلاقيات، والديانات السماوية، وتحتاج إلى حملات قوية من التوعية بجانب قوانين حقيقية رادعة، لوأد مثل هذه الظواهر".

وفيما يخص حالات التوعية، قال إن "مصر شهدت وما تزال الكثير من هذه الحملات، من قبل المؤسسات الدينية، سواء الأزهر أو دار الإفتاء أو الكنيسة، وكذلك المنظمات المحلية، ونواب البرلمان كل في دائرته".

أما الدور التشريعي، أكد النائب أن "مجلس النواب المصري يجهز قانون عدم التمييز، لمواجهة مثل هذه الحالات، وإيجاد تشريعات رادعة لعدم تكرارها مرة أخرى".

توعية مجتمعية مطلوبة

بدوره قال الناشط المدني والحقوقي اللبناني رياض عيسى، إن "فيروس كورنا قد يصيب أي شخص في العالم، ومن الغريب أن نسمع عن حالات تنمر في الدول والمجتمعات العربية".

وأضاف في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "المصابين بفيروس كورونا يحتاجون لدعم معنوي ونفسي كبير، باعتباره جزء من العلاج، والتنمر عليهم قد يهدد حياتهم بالخطر، وتعد جريمة بحق البشرية".

وأكد أن "للتنمر من المصابين أضرار أخرى أهمها خوف المرضى من الذهاب للمستشفيات، أو الإبلاغ بإصابتهم بالفيروس، خوفًا من المجتمع، وهو ما قد يتسبب في كارثة لعائلتهم والمجتمع الذين يعيشون فيه".

وأشار إلى أن "هذه الظاهرة تستدعي تكاتف المنظمات الدولية والعربية المعنية بالأمر، وكذلك وسائل الإعلام لبث حملات توعية حقيقية توضح مخاطر هذه الظاهرة، وترفض الفكرة في مجملها".

وأكمل: "نحن في لبنان كجمعية مدنية نعمل في هذا الإطار، ونحاول مساندة المصابين في المستشفيات بشكل معنوي عن طريق إرسال لهم الكتب، وغيرها من الأمور التي تشعرهم بالتضامن الاجتماعي".

وأبدى الناشط اللبناني استغرابه من تنمر البعض بالأطباء وجثث المتوفين، قائلًا: "الأطباء خصوصا من توفى منهم لابد من تكريمهم بأعلى الأوسمة، هم في منزلة الشهداء ويتصدون الخط الدفاعي الأول لإنقاذ العالم".

مناقشة