من ورشة للموضة إلى مصنع للكمامات
قررت خلود مؤقتا اعتزال عالم الموضة، الذي طورت فيه مهاراتها لتنتج ماركتها الخاصة، إلى حين انقشاع هذه الأزمة، وحولت ورشتها الفنية التي اعتادت فيها صنع تصاميمها إلى مصنع صغير لإنتاج الكمامات الطبية الواقية.
تقول خلود التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من العمر لـ"سبوتنيك"، إن الحجر الصحي العام الذي فرضته السلطات التونسية اضطرها في البداية إلى إغلاق ورشتها الفنية والبقاء في المنزل، قبل أن يقودها ضميرها الإنساني إلى التفكير في مساعدة أبناء بلدها خاصة بعد تصاعد وتيرة العدوى وانتشار الفيروس في جل محافظات البلاد.
وتضيف خلود: "كنت أذهب لشراء الكمامات من الصيدليات فلا أجدها، وعادة ما أرى الناس يتجولون دون هذه الوسائل الواقية بسبب فقدانها في السوق بعد تزايد الطلب عليها، لذلك فكرت في إنتاج كمامات واقية وتوزيعها على الناس مجانا، وخاصة أولئك الذين يقفون في الصفوف الأولى لمجابهة الفيروس".
استغلت خلود شهادتها الجامعية في علم الأحياء وخبرتها في عالم التصميم، وباشرت في إجراء بحث حول كيفية صنع الكمامات الطبية الواقية بطريقة صحية تضمن حماية مستخدميها، مستأنسة في ذلك بآراء أساتذتها وأصدقائها من الأطباء.
بتمويل ذاتي
تقول خلود إنها انطلقت في صنع الكمامات بعد استجماع المواد الأولية من قماش وبلاستيك ومغلفات معتمدة على جيبها الخاص وعلى مساعدة ثلة من أصدقائها، متحملة في ذلك عبء خلاص أجور عاملات الخياطة العشرة اللاتي تولين عملية الحياكة داخل ورشتها الفنية الصغيرة.
وتحرص المصممة الشابة على إنتاج كمامات مطابقة للمعايير الصحية وقريبة جدا من تلك التي تباع في الصيدليات، موضحة "استخدمت ثلاثة أنواع من الأقمشة تضمن سلامة مرتديها، الطبقة الداخلية الأولى هي عبارة عن قماش غير منسوج وهي مخصصة لأولئك الذين يعانون من الحساسية، أما الطبقة الثانية فدورها هو ترشيح الهواء من البكتيريا ومنع دخولها للأنف، في حين تمنع الطبقة الخارجية الثالثة دخول كتل الرذاذ إلى الجزء المخفي من الوجه".
وتنوه خلود إلى أن الكمامات التي تصنعها متعددة الاستعمال من ثلاث إلى أربع مرات، مع نقعها في كل مرة في الماء الساخن لقتل البكتيريا ثم تعريضها لأشعة الشمس حتى تجف.
ولم يغب على المصممة الشابة أن تضمن السلامة الجسدية للعاملات داخل ورشتها، فهي تحرص يوميا على تعقيم المكان بالكامل، مستأنسة في ذلك بخبيرة تعقيم تطوعت مجانا لمعاضدة جهود العاملين بالورشة.
وتنبه خلود من خطر صنع البعض لكمامات غير صحية تستند على قماش واحد شفاف، لا يمنع دخول البكتيريا ولا تحمي مستخدمه من إمكانية انتقال الفيروس إليه.
1500 كمامة يوميا
تتجه خلود ورفيقاتها من عاملات الخياطة إلى الورشة منذ السابعة صباحا ولا تقفل باب مصنعها الصغير إلا عند حلول الرابعة مساء التزاما بحجر التجوال، ونجحت في الأسبوع الأول في صنع نحو 8000 كمامة بمعدل 1500 كمامة في اليوم.
تقول القاسمي: "نجحنا الآن في تصميم أكثر من 20 ألف كمامة واقية، قمنا بتوزيعها على المستشفيات العمومية في أكثر من عشر محافظات، دون أن ننسى دار المسنين".
وتضيف خلود أنها حصلت مؤخرا على دعم "منظمة أمن شباب تونس" التي وفرت لها المواد الأولية لصنع كمامات ستوزع على عائلات الشهداء وأعوان الأمن الذين يعملون ليلا نهارا لضمان تطبيق الحجر الصحي العام معرضين أنفسهم لخطر العدوى.
عدوى التبرع
وبالنظر إلى الوضع الصحي الاستثنائي الذي تمر به تونس واقتراب شهر رمضان المعظم، تدعو خلود القاسمي التونسيين ممن يجيدون الخياطة أو النجارة أو غيرها من البراعات اليدوية إلى استثمار مهاراتهم والانخراط في تقديم المساعدة ومعاضدة جهود الدولة في مجابهة هذا الوباء.
وتضيف محدثتنا: "من المهم اليوم أن يتكاتف الجميع، كل بما يعرف وبما يملك، من أجل الخروج من هذه الأزمة بأخف الأضرار وخاصة حماية الأمنيين والأطباء الذين يقفون جنودا لحماية أبناء الوطن".
وتعاني تونس من شح في إنتاج الكمامات الطبية الواقية التي فقدت مؤخرا من الصيدليات، وهو ما قاد وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة إلى إعلان نية التوجه نحو إنتاج ما يقارب 30 مليون كمامة متعدددة الاستخدامات استعدادا للرفع التدريجي للحجر الصحي العام الذي سينطلق بداية من 4 أيار/مايو.