ما هي المهام الحقيقية للبعثة الأممية التي أثارت مخاوف السودانيين

أثارت دعوة رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك الأمم المتحدة لإرسال بعثة سياسية تحت الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية من أجل ترسيخ العملية السلمية في البلاد ردود فعل متباينة، حيث رفضت بعض القوى والأحزاب تلك الدعوة ووصفتها بأنها رهن للسيادة السودانية، فيما أكد آخرون أن السودان عضو مؤسس في الأمم المتحدة ومن حقه أن يستغل كل الإمكانات المتاحة لصالحه لتحقيق السلام.
Sputnik

ويرى مراقبون أن الحكومة هي من تسبب في تلك البلبلة نتيجة عدم طرحها للأمر بصورة مبسطة وحتى يفرق الناس بين الفصل السادس والفصل السابع، وأن الأمر لا يتعدى طلب المساندة من الأمم المتحدة للسودان حتى يتعافى ويعبر تلك المرحلة الصعبة في تاريخه، الأمر يحتاج بالفعل للتوعية والقبول به لا يعني انتقاص للسيادة.

بعد سقوط قتلى… السودان وجنوبه يبحثان التطورات الأمنية بمنطقة أبيي
عدم الوضوح

قال الفريق جلال تاور الخبير الاستراتيجي السوداني، إن "البعثة الأممية للسودان والتي دعاها رئيس الحكومة عبد الله حمدوك هي موضوع الساعة في الشارع السوداني، وأوجدت نوعا من الانقسام بين المعارضة والتأييد ولكل طرف مبرراته وأسبابه، وفي تقديري الشخصي أن سبب هذا التباين في الفهم والرؤى يعود للسرية والغموض الذي أحاط بتقديم الطلب دون نقاش داخلي شفاف ومستفيض بين مكونات الحكم الحالية، من مجلس وزراء وسيادة والحاضنة السياسية وهي قوى الحرية والتغيير، مما جعل القرار أشبه بالقرار الفردي".

وتابع الخبير الاستراتيجي لـ"سبوتنيك"، "هذا بالإضافة إلى أن القاعدة الشعبية لم تجد الشرح الكامل للفوائد والمزايا التي يمكن أن يستفيد منها السودان، والآن هذه البعثة السياسية أصبحت أمرا واقعا ومتوقع وصول أفرادها 5 مايو/أيار الجاري، والسودان عضو في الأمم المتحدة ومن حقه الاستفادة من أي ميزة توفرها له منظمات الأمم المتحدة، دون تفريط في سيادته، وهو من أول الدول الإفريقية التي نالت استقلالها جنوب الصحراء".

الثقة الكاملة

وأشار ياور إلى أن مسألة انتقاص السيادة الوطنية غير وارد بالنظر للبند السادس من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يتحدث عن تسوية النزاعات سلميا وتقديم المساعدات الإنسانية والفنية، الأمر يرتبط بقوة الروح المعنوية للجماعة، وأهم بنودها الثقة، أي من الثقة في الأهداف والثقة في القيادة إلى الثقة بالنفس من كل عضو في الجماعة، وواضح أن هذه الثقة غير كاملة بالدرجة التي التي تجعل الجميع يثق في خطوة القيادة ممثلة في دكتور حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية الذي طلب هذه البعثة.

ضرورة مجتمعية

من جانبه قال منصور أرباب رئيس حركة العدل والمساواة الجديدة، في كل الدول التي مرت بأزمات سياسية وصلت حد الحروب الأهلية، استعانت بالمنظمة الدولية لاستعادة عافيتها.

وتابع رئيس العدل والمساواة لـ"سبوتنيك"، "وجود الأمم المتحدة في السودان حتى تحت الفصل السابع ضرورة أملتها الأحداث التي جرت والتي تجري في السودان منذ الاستقلال المزعوم وحتى اليوم، حيث وصلت الجرائم في البلاد إلى  حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في دارفور، وتم تهجير أكثر من ثلاث ملايين خارج السودان، فضلا عن جرائم الحرب والمليشيات التي ما زالت تعبث بأرواح المواطنين في دارفور، السودان بحاجة إلى بعثة أممية قوية تقوم بمهام الـ" Peace Making".

وأضاف أرباب، "الطريقة التي خاطب بها حمدوك الأمم المتحدة هي التي أثارت حفيظة بعض الساسة، ووجدوها فرصة لتعبئة الرأي العام، وحمدوك نفسه لا يسلم من الاتهام بأنه هو أيضا لديه أجندة في دعوة هكذا بعثة، نظرا للطريقة التي دعا أو خاطب بها الأمم المتحدة، المهم في الأمر هو وجود بعثة أممية تقوم بدور المساند والمعاون للشعب السوداني حتى يتعافى مما عاناه خلال الخمس والستون عاما الماضية".

وأشار رئيس العدل والمساواة إلى أن "هناك فرق بين الفصلين السادس والسابع لميثاق الأمم المتحدة، ولكن بكل أسف لا تعمل البعثات الأمنية كثيرا بالفصل السابع، ولك تجربة "اليوناميد" في دارفور نفسها، هي أكبر بعثة أممية في العالم أنشأت تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وكان قوامها أكثر من 26 ألف عنصر، وكانت مليشيات "الجنجويد" ترتكب المجازر أمام أعين البعثة ولكنها لم تحرك ساكنا، غير أن قادتها يعدون التقارير ويقدموها إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والضحايا لا زالوا يعانون من هجمات "الجنجويد" ولا يوجد من يحرك ساكنا".

وكان الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الحكومة الانتقالية في السودان قد تقدم بطلب إلى مجلس الأمن الدولي لإنشاء بعثة أممية سياسية في السودان تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وبحسب ذلك الخطاب فإن مهمة تلك البعثة تنحصر مهامها في دعم تنفيذ الإعلان الدستوري، والرصد المنتظم لتنفيذ نقاطه.

حيث يفترض أن تعمل البعثة على توفير الدعم بالمساعي الحميدة لمفاوضات السلام الجارية ودعم تنفيذ اتفاقيات السلام، بما يشمل اهتماما خاصا بعملية جوبا وتنفيذها في كردفان ودارفور وولاية النيل الأزرق حسب الاقتضاء، وكذا الاضطلاع بالرصد وتوفير الدعم التقني من أجل نزع سلاح المقاتلين السابقين وتسريحهم وإعادة دمجهم، ورصد وقف إطلاق النار المساعدة في تعبئة المساعدات الاقتصادية الدولية للسودان، وتيسير تنسيق المساعدة الإنسانية الفعالة في جميع أنحاء البلاد، وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور، والإصلاح القانوني والقضائي، والخدمة المدنية، وقطاع الأمن.

وتم تقديم هذا الطلب وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة الذى جاءت تسميته "بحل المنازعات حلا سلميا" ويشتمل ذلك الفصل على خمسة مواد تبدأ بالمادة 33 وتنهى بالمادة 38 " والتي تختص بحل المنازعات التي من شأنها أن تعرض الأمن والسلم الدوليين للخطر، وذلك بحسب الفقرة الأولى من المادة 33، وعليه فإن كل نزاع سواء أكان نزاعا داخليا أو نزاعا خارجيا من شأن استمراره تهديد الأمن والسلم الدوليين، يدخل في نطاق تلك المادة مما يعني جواز تدخل مجلس الأمن لإنهائه، وذلك بحسب المادة 24 والتي نصت على أنه لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعا لكي يقرر إذا ما كان هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر.

وأحكام الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة تؤكد على سيادة الدول واحتفاظها بأكبر قدر من السيادة الوطنية، وبناء عليه ترك للدول الأعضاء الحق في اختيار الحزم المناسبة لحلحلة ما قد يحدث بينهم من منازعات حتى فى الحالات التي تلجأ فيها الدولة إلى مجلس الأمن.
خطر يحيق بالسودان ويهدد بانتشار كورونا

ومن هنا يرى محللون أن الطلب الذي تقدمت به حكومة السودان إلى مجلس الأمن لإنشاء بعثة سياسية وفقا للفصل السادس لم يخرج عن كون السودان يحتاج إلى مساعدة خارجية لدعم مفاوضات السلام بين الحكومة والحركات المسلحة، وأن مجلس الأمن بما له من صلاحيات واسعة وفقا لذلك الفصل يمكن أن يقوم بدعم المفاوضات ومساعدة الأطراف في الوصول إلى تسوية نهائية، كما يمكن أن يقوم بتثبيت تلك التسوية وتطبيقها على أرض الواقع، وليس هناك ما يشير إلى أن السودان سيتم وضعه تحت الوصاية الدولية، أو أن سيادته الوطنية تنتقص بأي حال من الأحوال، وأن كل الإجراءات التي ستقوم بها بعثة الأمم المتحدة في السودان ستكون تحت رقابة وإشراف الحكومة السودانية، كما سيكون لحكومة السودان الحق في انهاء عمل البعثة في أي وقت لكونها جاءت تحت الفصل السادس ذو الإجراءات الاختيارية، وليس تحت الفصل السابع ذو الإجراءات الجبرية.
ومنذ 21 أغسطس/آب الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى "إعلان الحرية والتغيير"، قائدة الحراك الشعبي.

مناقشة