العنوان الأبرز لعودة النشاط السياحي خلال فترة ما بعد كورونا هو استئناف السياحة الداخلية، واستقطاب السياحة الخارجية النوعية بالتركيز على السائح الثري القادر على الإنفاق في ظل تداعيات أزمة اقتصادية كبرى، وتوقعات بارتفاع تكاليف السفر.
بيانات منظمة السياحة العالمية تفيد بانخفاض عدد السائحين الدوليين بنسبة 22 بالمائة خلال الربع الأول من عام 2020 ، ووصلت هذه النسبة إلى 57 بالمئة في مارس/ آذار ويمكن أن تؤدي الأزمة إلى انخفاض سنوي يتراوح بين 60 إلى 80 بالمائة مقارنة بأرقام العام الماضي 2019، وقد أدت كل هذه العوامل إلى خسارة 67 مليون وافد دولي وحوالي 80 مليار دولار من صادرات السياحة.
وتعد منطقة آسيا والمحيط الهادئ الأكثر تضررا بانخفاض قدره 33 مليون مسافر، وفي أوروبا وصل حجم حجم الانخفاض في الوافدين الدوليين إلى نحو 22 مليون شخص ما وجه ضربة قاسية إلى هذا القطاع الحيوي.
الحكومة الإسبانية أعلنت أنه بإمكان السياح الأجانب التحضير لعطلهم، والعودة إلى البلاد ابتداءً من يوليو المقبل، برلين أيضا تريد إنهاء تحذير السفر للرحلات السياحية إلى 31 دولة أوروبية اعتبارا من 15 يونيو فضلا عن دعوات فرنسية وأوروبية بفتح الحدود بين دول الاتحاد "بأسرع وقت".
وفي لكسمبورغ قدمت الحكومة مبادرة مبتكرة لبث الحياة في القطاع الفندقي عبر منح المواطنين ومواطني الاتحاد القادمين إلى البلاد قسائم شرائية لإنفاقها في فنادق البلاد.
أما في العالم العربي، أعلنت السعودية رفع تعليق الطيران الداخلي ومنح تأشيرات سياحية لعدد من الدول لكنها استثنت السياحة الدينية أبرز المقومات السياحية للمملكة.
الإمارات أيضا اعلنت استئناف السفر إلى 9 وجهات، فيما فتحت مصر باب السياحة الداخلية، ومن المتوقع استئناف الطيران خلال أسابيع.
قال أشرف عليوه صاحب شركة سياحية تتعامل مع السعودية إن «الحكومة السعودية اتخذت مجموعة قرارات لتخفيف الحظر الصارم، لكنها لم تفتح الطيران الخارجي بعد، وستتخذ قراراتها في ضوء نتائج التخفيف الأخير، وقد استثنت السياحة الدينية كنوع من الوقاية بسبب كثرة عدد الوافدين لأداء العمر، وهناك دول كثيرة موبؤة لم تتحسن فيها الأمور بعد وستكون السياحة الدينية آخر قرار تتخذه المملكة، لأن شخصا واحدا مصابا يمكن أن يدمر كل هذا الإجراءات».
وأكد عليوه أن المملكة «ستركز مجددا على النهوض بقطاع السياحة حيث اثمرت الجهود السابقة في نمو القطاع،وستواصل استراتيجيتها لتنويع مصادر الدخل وتتحرك بشكل تنافسي مع دول المنطقة في مجال السياحة الغير دينية».
قال إيهاب موسى الخبير السياحي وعضو ائتلاف دعم السياحة المصرية إن «خسائر السياحة في مصر تتجاوز 1.5 مليار دولار شهريا، وهناك أكثر من 5 ملايين أسرة تنفق من عوائد السياحة، و72 صناعة تتأثر بشكل مباشر بالسياحة، مشيرا إلى أن اشتراطات التشغيل الجديدة لن تساعد القطاع اقتصاديا، وربما تكون غير قابلة للتطبيق نظرا لطبيعة السياحة التي تتضمن رغبة في كسر الروتين والتحرر من القيود، وهو ما يفسر تراجع الأسعار خلال الموسم الأخير رغم اشتراطات التشغيل المكلفة».
واقترح الخبير «إغلاق مناطق كاملة خالية من كورونا مثل شرم الشيخ والقرى السياحية بحيث لا يدخلها السائح أو العاملين إلا بعد التأكد من عدم الإصابة».
قال د. يونس بالفلاح أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية إن «التصور الموجود لدى أوروبا الآن هو تشجيع السياحة الداخلية لخلق حالة من الانعاش لهذا القطاع، وقد قررت فرنسا ضخ 20 مليار يورو لدعم القطاع ونفس الأمر في أسبانيا وإيطاليا وذلك بغرض الإبقاء على مناصب الشغل وعلى ديمومة وحيوية الشركات والخطر الذي يحاول الأوروبيون تجنبه هو الدخول في نفق أزمة اقتصادية عنوانها إفلاس شركات قطاع السياحة وزيادة البطالة، وما يحدث الان هو محاولة لانعاش القطاع للارتقاء به في اتجاه نهاية العام لحين عودته إلى ما كان عليه قبل الأزمة».
وتوقع بالفلاح «موسما صيفيا صعبا لاتتجاوز فيه نسبة العودة أكثر من 50%، مع استمرار إغلاق الحدود الأوروبية، علما بأن أبرز زبائن السياحة في أوروبا من أمريكا وروسيا والصين التي تورد وحدها نحو 4 ملايين سائح لفرنسا: وربما يبدأ القطاع بالتعافي خلال موسم رأس السنة».
قال الدكتور ناصر قلاوون استاذ اقتصاد في جامعة لندن إن «أوروبا لم تتجاوز الأزمة الصحية بعد، وبالنسبة لفتح السفر هناك مستويات متعددة للسفر، وهناك خطط للانفتاح التدريجي لكن السياحة باهظة الثمن للمنتجعات ستنتظر، وهناك حاجة الآن لدفع القطاعات مثلا بتشجيع السياحة من شمال أوروبا إلى اليونان والبرتغال المعروفة بزهد التكلفة، وهو مايمكن أن يحرك القطاع جزئيا لكن المؤتمرات والفعاليات الكبرى ستبقى مؤجلة».
وتوقع قلاوون تعافي القطاع بعد عامين على الأقل من الآن مشيرا إلى تأجيل «أكسبو دبي وأوليمبياد طوكيو واحتياج الدول إلى وقت لإعادة الأمور إلى نصابها».
إعداد وتقديم: جيهان لطفي