هل يمكن معاقبة سوريا أكثر؟
في الوقت الذي تعاني منه سوريا من العقوبات الأمريكية والأوروبية، بعد بداية الأحداث الدامية في سوريا عام 2011، وارتفاع سعر صرف الدولار في سوريا لأكثر من 30 مرة، يرافقه ارتفاع غير معقول في أسعار السلع الغذائية، ما الذي يمكن أن يحدث أكثر لسوريا؟
عن ذلك يتحدث مدير مؤسسة "غنوسوس" للأبحاث عمار وقاف، في لقاء مع "سبوتنيك" ويقول: من يتم عقابه في الأساس ليس الدولة السورية وإنما السوريون الذين رفضوا الانخراط في مشروع تغيير الدول الجاري منذ العام 2011.
ويرى وقاف أن القصد من كامل العقوبات، سواء أكانت عن طريق إقصائهم عن التفاعل مع غيرهم من البشر على سطح الكوكب أو منعهم من استثمار ثرواتهم هم، هو إجبار هؤلاء على التخلي عن دعم الدولة.
ويتابع: لا يوجد ما يوحي بأن هذا النهج سوف يتغير قريباً، للأسف، ولا شيء يمنع الحكومات القائمة عليه من تشديده، في ظل لا مبالاة ناخبيها بالحد الأدنى، وربما استحسانهم.
ويقول المحلل السياسي والباحث السوري سومر صالح في حديث لوكالة "سبوتنيك": قانون سيزر أو قيصر هو جزء من استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية ضد الدولة السورية، إضافة إلى المواجهة مع حلفاء الدولة السورية في حلف المقاومة وحلف مكافحة الإرهاب، وهذه الاستراتيجية مطبقة في سوريا منذ عام 2011.
ويعتبر صالح أن هذه الاستراتيجية كانت قد بدأت بعقوبات اقتصادية إحادية الجانب ضد سوريا، ومن ثم احتلال عسكري مباشر في المنطقة الشرقية، وقامت ببناء قواعد عسكرية لا شرعية في تلك المناطق، إضافة إلى الحدود السورية العراقية.
ويكمل: يأتي ذلك مع دعم الأجندات الإنفصالية لبعض الميليشيات الكردية في الجزيرة السورية، وتبع ذلك ضربات عسكرية ضد سوريا في العام 2017 والعام 2018، والآن تقوم بحرق المحاصيل الزراعية للمواطنين والفلاحين السوريين في عموم المنطقة الشرقية.
ويضيف صالح: حاليا يأتي قانون سيزر والذي يفترض أن يطبق في الأيام القليلة القادمة، وهذه الاستراتيجية دعمت الاحتلال الإسرائيلي للجولان السوري المحتل، ونتذكر الوعد الذي قدمه ترامب للكيان الغاصب في العام الماضي.
ويوضح المحلل السوري أن هذه الاستراتيجية مفتوحة ومستمرة مع حالة عدم اليقين في السياسة الخارجية الأمريكية، وأن كل السيناريوهات مفتوحة ولا نستطيع أن قانون سيزر هو نهاية تطبيق هذه الاستراتيجية، المعادية للدولة السورية، وربما يكون لدينا عدة سيناريوهات قادمة.
ويعطي أمثله على هذه السيناريوهات: يمكن مثلا دعم عدوان إسرائيلي كبير على سوريا، أو حتى تركي في الشمال، أو كالذي حصل في عامي 2017-18 اي دعم عدوان كبير من الناتو على الأراضي السورية.
ويضيف: نعتقد أن هذه الاستراتيجية هي استراتيجية الضغط الأقصى من الناحية الاقتصادية للتأثير على صمود المواطن بالدرجة الأولى، وعلى صمود الحكومة السورية وحلفائها بدعمهم، وبالتحديد هنا نخص روسيا والصين وإيران.
فيما يقول الاستشاري والخبير الاقتصادي فادي عياش في حوار مع "سبوتنيك": أعداء سورية لم يستسلموا لحقيقة انتصار إرادة وخيار الدولة السورية بكافة مقوماتها، وبالتالي يستخدمون كل الوسائل التي يعتقدون بها لكسر إرادة وخيارات الشعب السوري، ويأتي قانون سيزر والاجراءات الأحادية الظالمة في هذا السياق، فالهدف هو الشعب وليس الحكومة كما يدعون، ونتوقع المزيد على مختلف المستويات حتى الفبركات منها للنيل منا.
كيف سيؤثر على سوريا؟
وفي ظل أزمة تلوح في أفق الاقتصاد العالمي، بعد توقف العالم كله بسبب جائحة كورونا، فهل ستكون هذه الأزمة لصالح سوريا أم ضدها، يرى رئيس مؤسسة غنوسوس أن قانون سيزر غير واضح المعالم حتى الآن ولذلك سيكون من غير الواضح كيف سيؤثر هذا القانون على سوريا، ويقول: أبرز ما نفهمه حالياً هو أن هذا القانون ينقل قرار رفع العقوبات ضد السوريين من السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة إلى السلطة التشريعية، وهو ما يعقد المسائل ويجعل رفع العقوبات قضية أقل مرونة بكثير وأقل عرضة لتغيير المزاج السياسي وإبرام الصفقات.
وكذلك يعتقد المحلل السوري سومر صالح ويوضح: الأمر معقد قليلا، فالتأثير قد يكون مضاعفا وقد يكون محدود، فهناك حالة كساد اقتصادي عالمي وتقطع في أوصال العالم من ناحية التجارة الخارجية، ولكن هذا الأمر مرهون بعدة أمور.
ويكمل: من هذه الأمور هو قدرة سوريا وحلفائها على تحدي القرار الأمريكي وتبعاته، وأن يستمر التواصل الاقتصادي والمالي بين الحلفاء، ورأينا تحدي مشابه عندما قامت إيران بإرسال ناقلات نفط إلى فنزويلا، كتحدي للحصار المفروض عليها، وقد نرى تحد مشابه.
ويستطرد: الأمر مرتبط بقدرة الحلفاء ودعمهم لسوريا في مواجهة هذا القرار الجائر، الذي يستهدف الشعب السوري ولقمة عيشه.
ويقول هنا الخبير الاقتصادي عياش: لا شك أن تمرير قانون سيزر ضمن موازنة الدفاع الأمريكية يهدف إلى إقناع الرأي العام بأن القضية تتعلق بالأمن الأمريكي لما لذلك من حساسية عند كافة مكونات المجتمع الأمريكي وهذا يبرر للإدارة الأمريكية اتخاذ كافة الإجراءات مهما كانت، وبالتالي يتوقع أن يكون لهذا القانون أثر كبير على حياة السوريين لكن بفعل تخوف وخشية الأطراف الخارجية منه وهذا ما سيزيد الأعباء والتكاليف على المواطن السوري.
الاستعداد لمواجهة قانون سيزر
وفيما تسعى الحكومة السورية إلى تحرير باقي الأراضي التي تخضع لسيطرة الميلشيات المسلحة وغيرها من الفصائل الإرهابية، وتكافح لتحسين الواقع الاقتصادي للمواطن الذي أصبح يعاني ويلات الحرب العسكرية والاقتصادية، يأتي قانون سيزر ليزيد المصاعب أمام السوريين حكومة وشعبا.
وقبل الحديث عما فعلته الحكومة السورية وتفعله لمواجهة هذا القانون، يشير وقاف إلى أن الدول المتحالفة مع سوريا هي المعنية بهذا القانون أكثر من الحكومة السورية نفسها، ويقول:هناك ما يشير إلى أن قانون قيصر موجه ضد الدول المتحالفة مع سوريا أكثر منه موجهاً ضد دمشق، بمعنى آخر، سيتيح هذا القانون معاقبة وعرقلة أعمال مؤسسات أو شركات أو أفراد تلك الدول، عند أي شبهة تعاطي مع سوريا.
ويتابع: بطبيعة الحال، يمكن القول إن هكذا إجراء يستهدف تغيير دمشق لنهجها، ولكن يمكن إعرابه بسهولة في طهران وبكين وموسكو وغيرها على أنه يستهدف تلك الدول في المقام الأول، وهذا يعني حالة الاستعداد لمواجهة هذا القانون ومفاعيله تتجاوز الدولة السورية.
ويضيف: يمكن النظر مثلاً إلى الإعلان عن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخير بتعيين السفير الروسي في دمشق سفيراً فوق العادة لاتجاه تطوير العلاقات معها، كأحد أشكال الاستعداد الجماعي لمواجهة هذا القانون.
ويواصل وقاف: حسب ما نسمعه بين الحين والآخر من تلميحات المسؤولين السوريين هو أن طرق الالتفاف على العقوبات هي قيد التطبيق بالفعل، وحتى قبل العام 2011، وبطبيعة الحال، فإن أي تشديد أو زيادة في حجم العقوبات سوف يعقد الأمور، ولكن لا بد وأن الدول التي يتم معاقبتها بإمكانها إيجاد طرائق بديلة، فلننظر إلى إرسال ناقلات نفط إيرانية إلى فينزويلا مؤخراً كمثال.
ويختم وقاف كلامه: إلا أن الأخطر والأشد هو ليس هكذا عقوبات بقدر ما هو استمرار منع السوريين أو أي شعب ما من استثمار ثرواته والاستفادة منها، المعدنية منها أو المائية أو الزراعية أو البشرية، سواء أتم هذا في سوريا عن طريق الاحتلال مباشر أو دعم مجموعات مسلحة.
أما المحلل والباحث سومر صالح فيرى أن هناك حرب تخاض ضد المجموعات الإرهابية على الأراضي السورية، ويكمل: لا يخفى على أحد أن هناك دعم أمريكي وأوروبي للمليشيات الإنفصالية في الشرق السوري، ودعم تركي لا محدود للمجموعات الإرهابية في إدلب، بالإضافة إلى دعم من الكيان الصهيوني لبعض من الخلايا النائمة في المنطقة الجنوبية.
ويستطرد: استراتيجية الدولة السورية ستكون على عدة مستويات، منها على المستوى العسكري اي استمرار الحرب على الارهاب ومنها على المستوى الاقتصادي، وما يهمنا كيف يمكن للدولة أن تقاوم قانون سيزر في ظل جائحة كورونا، مع استمرار الحرب على جبهة النصرة وحلفاؤها الإرهابيين ولذلك الدولة السورية قامت بعدة خطوات للحد من هذه الآثار.
ويعدد صالح بعض من هذه الخطوات كدعم المحاصيل الزراعية الاستراتيجية كالقمح والقطن، ومحاولة شراء أكبر كمية ممكنة منها، وخصوصا أن المنطقة الشرقية تحوي قواعد احتلال هناك، تمنع توريد المحاصيل إلى الدولة السورية، ودعم صمود الليرة في ظل الحرب التي تشن على سوريا، ودعم الإنتاج وإعادة إعمار البنى التي هدمتها الحرب في سوريا، كاستيراد معدات جديدة وإيصال الكهرباء وموارد الطاقة إلى المناطق الصناعية.
ويكمل صالح: وأيضا البحث عن بدائل في التجارة الخارجية عن التي كانت سائدة قبل الحرب على سوريا، والحكومة تشجع كل نشاط تجاري في البحث عن التجارة الخارجية فيما يخص الاستيراد والتصدير، وأيضا توفير مقومات الصمود للشعب السوري.
وكذلك يرى الاستشاري فادي عياش ويوضح: طبعاً أهم أساليب المواجهة هي صمود الشعب السوري أمام الحرب الإعلامية الضخمة أولاً والحرب العسكرية والإرهاب ثانياً والحرب الاقتصادية والتجويع ثالثاً، وإرادة الصمود هي السبيل الأجدى، وعلى مستوى البدائل فسورية رغم كل قسوة الظروف بلد منتج يمكنه الاعتماد على ذاته وخضنا هذه التجربة سابقاً.
ويتابع: التجارب التاريخية لكافة أشكال الحصار والقهر تترك أثاراً عميقة في المجتمعات لكن لم يحدث أنها تمكنت من كسر إرادة الشعوب كما في كوبا وكوريا الشمالية وحتى الصين في البدايات وصولاً إلى إيران وفنزويلا وحتى روسيا.
ويكمل حديثه: لا بد من التعاون وتعزيز التحالف مع الأصدقاء ولكن بأساليب غير تقليدية واعتماد إجراءات خاصة تكفل تخفيف آثار هذا القانون وتضمن إمداد الشعب السوري بما يضمن تعزيز صموده كما الحال بين ايران وفنزويلا وكذلك روسيا والصين وإيران.
ويختمه قائلا: باختصار البدائل تعتمد على الاعتماد على الذات وتحفيز الإنتاج مع الاعتماد على قطاع الأعمال السوري الخبير ناريخياً في التعامل مع مختلف أشكال العقوبات والعقبات، ومن جانب الآخر التشبيك القوي مع الأصدقاء والحلفاء لإيجاد البدائل الضرورية للصمود والمواجهة.