وقال فهمي في تصريحات حصرية لـ"سبوتنيك"، إن "قضية سد النهضة الآن في مراحلها الأخيرة، ويمكن القول إن الملف بأكمله وصل لمفترق الطرق، وأصبح من الضروري التوصل لاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان لأن البديل للاتفاق هو الصدام، وستكون نتائج هذا الصدام قاسية ولا يحتاجها أحد، فيما يمكن أن يستفيد الجميع من التوصل لتفاهم ممكن بالفعل".
وأكد فهمي أن "مصر تتمتع بوضع قانوني متماسك فيما يتعلق بحقها في مياه النيل".
وأشار فهمي: "لدينا عنصران عنصر تاريخي بوجود اتفاقيات ترتبت عليها حقوق تاريخية لمصر منذ زمن طويل هذا أساس قانوني، مثل اتفاقية مياه النيل عام 1929، التي أبرمتها الحكومة البريطانية نيابة عن أوغندا وتنزانيا وكينيا مع الحكومة المصرية لتنظيم العديد من الأمور وتحديد حصص الدول في المياه، والتي انتقلت التزاماتها للدول بعد الاستقلال".
وأضاف فهمي أن "إثيوبيا أعلنت عام 1957 أنها تعتزم اتخاذ إجراءات لتنمية حوض النيل بطريقة أحادية ومستقلة، على أساس أن كل ما تم وضعه من مواثيق واتفاقيات حول استخدام النهر في الماضي كان قد تم الاتفاق عليه قبل حصولها على الاستقلال، ومن ثمّ فهي غير مُلزَمة به. وهو ما توقف وقتها لمخالفته قواعد القانون الدولي المنظمة للتعامل مع الأنهار عابرة الحدود وقرارات منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة بعدم تغير الحدود أو الترتيبات المتفق عليها قبل الحصول على الاستقلال".
ولم ينف فهمي حق الدول في تنمية مواردها دون إضرار بأخرى، قائلا: "من حق الدول بناء سدود وقناطر ولكن بشرط عدم الإضرار بالغير طالما النهر عابر للحدود وليس داخلي، ويجب أن يكون بالتشاور مع الأطراف ذات الصلة، وجدير بالذكر هنا أن مصر وفرت في عام 1949 مليون جنيه إسترليني لبناء سد في أوغندا، وتسهم شركة مصرية حالياً في بناء سد في تنزانيا، وأجريت البحوث والدراسات اللازمة لبناء سد في جنوب السودان، لأن الاستفادة من مياه النيل يجب أن تفرض حالة من التعاون والدعم المتبادل لتحقيق مصالح دول حوض النيل. وهذا ما جعل منظمات التمويل الدولية التي تشجع التنمية لا تستثمر في مشاريع خلافية في الأنهار، وتوافر اتفاق بين الأطراف شرط لدخول أي هيئة دولية مثل البنك الدولي. لذلك كان البنك الدولي حاضراً في مفاوضات واشنطن لمراقبة الوصول لاتفاق".
وتابع: "يمكن التوصل لتفاهم في قضية سد النهضة إذا توافرت الإرادة موضحا "يجب الانطلاق في أزمة سد النهضة من عدم التناقض بين مصالح الدول الثلاث مصر وإثيوبيا والسودان، فمبدئيا هناك وفرة في مياه الأمطار على ضفاف حوض نهر النيل، التي تصل إلى 1660 مليار متر مكعب سنوياً، فضلاً عن 7 آلاف مليار متر مكعب أمطاراً في المنطقة بأكملها، يمكن استخدامها والتوفير منها لتحقيق أهداف إثيوبيا التنموية في توليد الكهرباء، ولضبط تدفق معدلات مرور المياه عبر السودان، والاستجابة لاحتياجات مصر المتزايدة في المياه في ضوء الزيادة السكانية التي تشهدها، هكذا نرى أن لكل دولة احتياجاتها التي لا تتناقض مع احتياجات الدولة الأخرى، إثيوبيا تحتاج لتوليد الكهرباء، والسودان تحتاج لتنظيم تدفق المياه، وليس لديها نقص فيها، ومصر تحتاج للمياه، أي أن المعضلة ليست في تقسيم المياه أصلا، ولكن إثيوبيا لا تعترف بالحقوق التاريخية للدول الأخرى وتسعى لتكون السيادة على السد لها بالكامل دون مشاركة من الدول ذات المصلحة، بينما مصر تتمسك بعدم المساس بحقوقها التاريخية في المياه، وألا تكون في ظل معاناتها من الفقر المائي بالفعل والحاجة لرفع مواردها من المياه، والسودان يريد تدفق منتظم للمياه يساعده على تنظيم الزراعة وتوسيع الرقعة الزراعية".
وواصل فهمي: "مصالح الدول الثلاث يمكن الجمع بينها بالفعل دون صدام عبر وضع خطة للاستفادة المثلى من وفرة المياه بهدف تحقيق الاستخدام الكامل والكفء للمياه المتوفرة بطول حوض النهر النيل، وهو ما لا يتعارض مع الحقوق التاريخية لمصر أو السودان أو مع مبدأ عدم الإضرار بالغير".
واستدرك فهمي: "كذلك هناك حاجة لوضع آليات متدرجة وتصاعدية لإدارة المياه وحل المشكلات أو الخلافات المستقبلية، وهو ما يمكن أن يتحقق دون المساس بالحقوق السيادية لإثيوبيا، وأيضا دون أن تستغل هذه الحقوق لعرقلة حل الخلافات على حساب الآخرين، بحيث تعالج القضايا على ثلاث مراحل، الأولى من إدارة السد وبشفافية كاملة ومراقبة من الأطراف، وفقا لمعايير ومبادئ استخدام المياه وتدفقها".
ولفت إلى أن "هذا الحل يفتح الطريق لطرح مشروع مائي واقتصادي دولي مخصص لدول حوض نهر النيل كلها، وعلى رأسها إثيوبيا والسودان ومصر، بهدف توفير الاستثمارات والتكنولوجيا لضمان رفع كفاءة استغلال مصادر المياه المختلفة وليس فقط الأنهار، وتطبيق إجراءات للاستخدام الفعال للمياه في كافة المجالات التي تستخدم فيها المياه تقليدياً، بما في ذلك رفع كفاءة الإنتاج الزراعي، وتوليد الطاقة بمستويات أفضل، بحيث يتم وضع حلول مستدامة".
وتأتي هذه التصريحات على خلفية فشل مفاوضات سد النهضة بين كل من مصر وأثيوبيا والسودان، أمس، دون التوصل لاتفاق نقطة فارقة في مسار ملف السد، فبينما تعلن أثيوبيا أنها ماضية نحو بدء ملء السد دون اتفاق، تسعى السودان لإيجاد صيغة ترضي كافة الأطراف للهروب من صدام لم يعد مستبعدا، بينما تحمل مصر ما تعتبره تعنتا من أثيوبيا مسؤولة الأزمة.
وكان وزير الري المصري اتهم أثيوبيا بالتعنت في بيان صادر عن وزارة الري أمس، واعتبر أن المفاوضات التي بدأت قبل أسبوع وانتهت أمس لم تحقق نتائج تذكر. وعقدت مفاوضات بين كل من مصر وأثيوبيا والسودان بعد مساعي سودانية بهدف التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث، بعد رفض أثيوبيا التوقيع على اتفاق برعاية أمريكا مطلع العام الجاري.
وبدأت أثيوبيا تشييد سد النهضة على النيل الأزرق في عام 2011، وتخشى مصر من تأثر حصتها من مياه النيل جراء السد الذي تقيمه أثيوبيا لتوليد الكهرباء.
وتبلغ حصة مصر السنوية من المياه نحو 55 مليار متر مكعب تحصل على أغلبها من النيل الأزرق.