في حواره لـ"سبوتنيك" قال الدكتور فهد الشليمي الضابط"رتبة نقيب" في القوات البرية بالجيش الكويتي خلال فترة غزو العراق، إن الكويت لا يزال ينظر للعراق بأنه بيئة معادية.
وسرد الشليمي الكثير من التفاصيل الخاصة التي وقعت في اليوم الأول للغزو والمواقف العربية، والدول التي بررت الغزو العراقي على الكويت..إلى نص الحوار.
بداية كيف ترى أثر هذه العملية حتى اليوم على المستوى الداخلي والخارجي أيضا؟
أعتقد أن الغزو العراقي لدولة الكويت كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، وقسمت العالم العربي بشكل واضح بين معسكرين، الأول مع مصر والسعودية والثاني مع العراق والجزائر وفلسطين والعديد من الدول الأخرى.
كما أثبت الغزو العراقي هشاشة الأمن العربي وهشاشة الاتفاقيات، وهو في الواقع قسم العالم العربي لمعسكرين لمدة طويلة، وكان السبب في دخول القوات العالمية للمنطقة منها الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وكان السبب في توقيع الكويت لاتفاقيات متعددة تحسبا لأي هجوم آخر.
كما ترك الغزو جرحا كبيرا في نفوس الكويتيين الذين قتل أبنائهم وحبسوا، كما أن الكويت جعلت معاهداتها العسكرية مع دول عدة لا العربية فقط، ودفعتها الخطوة لشراء الأسلحة.
انعكس الأمر على مجلس التعاون الخليجي، الذي أثبت قوته في ذلك الوقت وطور منظومته العسكرية فيما بعد.
ما هي المشاهد التي ما زالت عالقة في ذهنك حتى اليوم من عملية الغزو؟
اشتركت في مواجهة القوات العراقية في الثاني من أغسطس، وكنت برتبة نقيب في سلاح القوات البرية، ولم أنس حتى الآن صوت المذيع الكويتي حين كان يقول بكل مرارة:"أين أنتم يا عرب؟"، خاصة أن الكويت كانت تؤمن بالعالم العربي.
لا أنكر أيضا مظاهر الارتباك التي كنا فيها، وكنا بين تساؤلات بشأن إطلاق النار أو الانسحاب، إلا أننا قاتلنا لمدة 24 ساعة، وبعدها انسحبنا إلى مواقع أخرى من وزارة الدفاع.
مشاهد القصف والقذائف التي تنهمر علينا كانت مخيفة، واستطعنا أن نتماسك في الساعات التي قاومنا فيها.
ما الذي فعلته القوات العراقية حين دخلت للكويت وما الأشياء التي كنت شاهدا عليها؟
كانت هناك الكثير من التجاوزات خاصة بعد السيطرة على الكويت، وقعت جرائم حرب وعمليات اعتقال بشكل عشوائي، وكنا في منطقة عسكرية، وكان بالإمكان لأي عسكري أن يطلق عليك النار ويقتلك دون أن تفعل أي شيء، ووثقت جرائم الغزو العراقي من قتل وإعدامات غير مبررة،
كيف استقبلت الساعات الأولى من الغزو العراقي؟
في الحقيقة كنا نعلم بتحركات القوات العراقية قبلها، إلا أنه لم يكن هناك أي قرار سياسي ببدء الدفاعات، حيث كان يردد البعض أن هناك صفقة سياسية بين الرئيس حسني مبارك والملك حسين بعدم التصعيد مع العراق.
كنا نعرف أن العراق يحضر لهجوم، لكن لم نكن نعرف عمق الهجوم إلى أي مسافة.
تلقيت الخبر مع الساعة الرابعة والنصف صباح يوم 2 أغسطس 1990، وعلى الفور ارتديت الملابس العسكرية وانتقلت لمقر العمل بالقرب من وزارة الدفاع الكويتية، وقمت بعمل الاتصال مع المعسكرات الحدودية، ووجدتها مشتبكة، ووجدت أن المراكز الحدودية وجدتها سقطت بالكامل واحتلتها القوات العراقية، واتصلت بالقوات الخاصة ووجدتها تتحرك لمواجهة القوات العراقية، إلا أن القرارات كانت متأخرة جدا، نظرا للقرار السياسي.
وكيف كان وقع تلك العملية عليك وعلى الداخل الكويتي؟
تمثل وقع العملية في الصدمة المتوقعة، خاصة أننا كنا على علم بالنية العدائية للقوات العراقية، إلا أن الجميع كان مقيدا بالقرار السياسي الذي كان يطلب عدم التحرش بالقوات العراقية وعدم اتخاذ أي قرارات، وأن الصفقة السياسية كانت تتمثل في تقدم القوات العراقية لـ 30 كيلو متر، ويتم دفع بعض الأموال، ومن ثم الانسحاب.
كيف كانت المواقف العربية مع بداية 2 أغسطس وخلال الأيام القليلة الأولى؟
الموقف العربي كان مخجلا، ففي اليوم الأول لم نجد من يقول كلمة، فقط بدأت لبنان بالحديث، إلى أن عقد اجتماع الجامعة العربية وبعد الدولة بررت الغزو العراقي، وصعقنا بالموقف الفلسطيني في ذلك الوقت، وكانت نتوقع من بعض الدول العربية التي تستثمر فيها دول الكويت، إلا أن مواقفها كانت مخجلة، إلا أن الموقف المشرف للملك فهد والرئيس حسني مبارك والرئيس حافظ الأسد، هم من نصحوا بضرورة التدخل بمساندة القوة الدولية.
ما حجم الضرر الذي لحق بالبنى التحتية في هذا الوقت وكيف كانت الأضرار الأخرى؟
تضررت البنى التحتية بشكل كبير، خاصة آبار النفط تعطلت وحصل تسربات نفطية، كذلك الضرر النفسي وهو موجود حتى الآن، كما تأثرت البيئة الصحراوية والبحرية والمصافي، أخذت الكويت نحو 10 سنوات من أجل التعافي.
لو أردت تقييم هذه الفترة وأثرها السياسي والاجتماعي حتى اليوم؟
ما زال المواطن الكويتي يشعر بعدم الأمان، ومرة نلتفت على الكويت ومرة على إيران، خاصة أن العراق أصبح متعدد الأقطاب والدخول الإيراني أثر على العراق، وجعلنا ننظر للعراق كبيئة معادية نظرا لتأثير إيران الكبير في العراق.
وجميعا نشاهد الطائفية التي أدخلتنا في مرحلة الإرهاب ودخول داعش، أصبح العراق منطقة تهديد للكويت، وعلى المستوى الإجتماعي إلا أن الجرح يظل كما هو.
سياسيا الدولة تقبلت والعديد من المواطنين عدا الذين استشهد أبناؤهم، ولا ننسى دور السعودية ومصر والرئيس حافظ الأسد، والولايات المتحدة، وكذلك دور الاتحاد السوفيتي، بشأن الامتناع عن أخذ فيتو ضد الغزو.
الأن نعيش هاجس الخوف من العراق غير المستقر، وإيران غير المنضبطة.
حاوره: محمد حميدة