يعترف الشاب دانيال في لقاء خاص مع "سبوتنيك" بأن الفكرة جاءته قبل حتى أن يلتحق بالمعهد الذي يعتبر من أبرز المدارس على المستوى العربي، بل مشروعه تبلور لديه أثناء زيارته للبنان عندما رأى الأستاذ المسرحي القدير منير أبو دبس قد أقام محترفه الخاص في قريته.
فكرة المحترف
يتحدث الخطيب عن إلهام المسرحي اللبناني منير أبو دبس له، وكيف أوحى له بالفكرة التي أصبحت هدفه في السنوات القادمة، ويقول: عاد رائد المسرح اللبناني منير أبو دبس إلى لبنان عام 1960 من أوروبا، وأسس مدرسة المسرح الحديث، وقد تعلمت لديه العديد من الأسماء الكبير، قبل ان يذهب إلى قريته ويؤسس محترفه الخاص الصغير، حيث بدأ خريجو المعاهد الفنية بالذهاب إليه والتدرب بعد انتهاء الدراسة الأكاديمية، ومن هنا جاءت فكرتي.
ويتابع دانيال حديثه عن مشواره في الفن: دخلت بعد ذلك إلى المعهد وتخرجت وعملت في المسارح السورية من جامعي وقومي وتلفزيون وسينما، وبعد أن بدأت الأزمة في سوريا عدت إلى مدينتي طرطوس، وعملت في المسرح القومي، ولكن بعد تغير إدارة المسرح هناك تركت العمل، كما كانت لدي عدة تجارب مؤذية جدا مع السينما بسبب الآلية السيئة التي تعمل بها، وأنا لست مستعدا أبدا للذهاب نحو التلفزيون لأسباب لن أذكرها، فشعرت بأنه لم يعد هناك الفضاء الفني الذي يمكن أن يستوعبني، فلم يكن أمامي أي حل سوى خلق هذا الفضاء.
تأسيس المحترف
ويرى الخطيب بأن الجهود الفنية لا تتضافر ولا تتكامل كما يحدث في دول أخرى، حيث يتابع الأستاذ تلميذه بعد التخرج ويبقى على تواصل معه، أو أن يزور التلميذ أستاذه ويطلب منه الإشراف على مشاريعه، فلوحدك يجب عليك القيام بكل شيء، ويكمل: بما أن الجميع يرغب بالتوجه إلى التلفزيون بعكسي تماما، فأقمت عدة نشاطات قبل إنشاء المحترف، ومنها ورشة إعداد الممثل في المسرح القومي، وكان هناك 31 شاب وصبية، وعند رؤيتي لهذا العدد الكبير من الراغبين في التعلم أدركت بأن علي البدء بمشروعي.
ويكمل دانيال: كان لدينا غرفتين فارغتين في بيت العائلة، وكان أخوتي يرغبون بإقامة مشروع تجاري هناك، بينما كنت أرغب بإنشاء المحترف، فحدث هناك نوع من الصراع حول هاتين الغرفتين لمدة سنة تقريبا، لكن بعد تهديدي لوالدتي بالهجرة من سوريا أقنعت أخوتي بإعطائي هاتان الغرفتان، وعندها أقمت المحترف بأقصى سرعة، وهذا كان قبل 5 سنين ونيف.
ويروي المسرحي الشاب عن المبلغ المادي الذي أسس فيه المحترف ويعترف بأنه كان قد حصل على منحة لتقديم عرض مسرحي في منتصف عام 2014، وبأنه مع أصدقائه كان قد قرر تقسيم المبلغ إلى نصفين وإقامة عرضين بدلا من الواحد، وبالفعل تم إقامة العرض الأول، لكن عدم مقدرة أحد الشركاء في العمل الثاني على المشاركة أدى إلى إلغاء العرض، ما وفر لدى دانيال بعضا من المال أنشأ فيه المحترف.
الترخيص والدعم
يكشف دانيال بأن المحترف غير مرخص بسبب عدم وجود ترخيص لمحترف مسرحي في سوريا، ما جعله يمارسه نشاطه تحت حماية شفهية من نقيب الفنانين في مدينة طرطوس، ويقول: حاولت ترخيص المحترف بشكل رسمي، وذهبت إلى المحافظة للحصول على الترخيص، لكن المسؤولين هناك لم يسمعوا أصلا بشيء كهذا، وبعد أخذ وجذب بين عدة مؤسسات رسمية في المدينة من البلدية والمحافظة ومديرية الثقافة، أعمل من دون ترخيص حتى الآن.
ويكشف الخطيب عن التجاهل التام من قبل الأوساط الثقافية في المدينة، ويردف: لم يهتم أي فنان أو مثقف بهذا المحترف، وحده نقيب الفنانين في طرطوس دعمني وأعطاني حماية شفهية للمحترف، وبعد عدة إعلانات حول النشاطات بدأ البعض يسجل لدينا في ورشاتنا.
ويكمل الخطيب: في أول ورشة للأطفال شارك 16 طفل، وورشة للإعداد لمعهد الفنون المسرحية وشارك بها 10 أشخاص، وبعد ذلك أقمت عدة ورشات قصيرة لمدة 5 أسابيع نجري بعدها عرضا يكون مرافقا لمناسبة ثقافية كيوم المسرح العالمي مثلا، وفي أول ورشة عام 2016 شارك 7 شباب، وتلتها ورشات عديدة في الأعوام اللاحقة.
ويستطرد: بعد ذلك أصبحت أدرب بعض المشاركين لدي ليكونوا مدربين للأطفال على المسرح والتمثيل، وفي الوقت ذاته واصلنا إقامة الورشات لتدريب الممثلين، وإقامة عروض المشاركين في هذه الورشات.
ما يقدمه المحترف
يؤكد دانيال بأنه يقدم في المحترف كل ما تعلمه في المعهد، بحيث يقوم بتبسيط وتجزيئه من أجل نقله للأطفال والمتدربين، ويوضح: لاحظت بأن أدوات الممثل تفيد أي إنسان من موضوع التركيز ودقة الملاحظة والتفاعل مع الشريك، وحتى تحليل الحوار وإبراز معانيه، وأيضا فيما يتعلق بموضوع الإلقاء والنطق، حيث أن بعض الأطفال كان لديهم مشاكل في النطق أو في التعامل مع أجسامهم والتي نحلها عن طريق تمارين الليونة مثلا.
ويتابع دانيال: هناك أمور أيضا كان لها علاقة بعلم النفس والفلسفة، وكيف يمكن أن نجعل للطفل حضور اجتماعي، كأن يجذب الناس عند إلقائه طرفة، أو قدرته على التعبير عندم يتكلم في موضوع ما، وأن يحب نفسه ويكون لديه مصالحة مع ذاته، وأن يعبر عن أفكاره، وهنا يستطيع أن يزيد ثقافته ومعارفه حيث أنه يقرأ أكثر من أجل أن يبني المشاهد مع الآخرين، فكل هذه الأمور قدمتها بشكل مبسط للأطفال، من أجل العمل على بناء شخصية الطفل من خلال أدوات الممثل.
ويكشف دانيال: هناك من طلابي من تخرج الآن من المعهد العالي للفنون المسرحية، وهي كانت من آوائل الذي تدربوا في المحترف، وحاليا أيضا هناك أحد المتدربين يدرسون في المعهد، وهناك أيضا طفلة صغيرة تدربت لدينا شاركت في مسلسل تلفزيوني اسمه ممالك النار.
عروض المحترف
ويتحدث دانيال بفخر عن الأعمال التي قدمها المحترف خلال 5 سنوات من العمل، ويقول: قدمنا الكثير من العروض باسم المحترف، كان أولها عمل اسمه "برونز" ومثلناه على المسرح الجامعي في اللاذقية، وبعد استطعت تحويل المحترف إلى ما يشبه المسرح الصغير، وأضفت بعض المقاعد ليتسع لـ32 شخص، وقد أسست فرقة اسمها فرقة المسرح الصغير، وهي مختصة بالمسرحيات ذات الفصل الواحد.
ويكمل: قدمنا أول مسرحية في المحترف اسمها "هلق شو" عن نص عزيز "يعيش لب البطيخ وتم تمثيلها لـ11 مرة، وفي كل مرى كان عدد الحضور 32 شخص، ومن بعدها تتالت العروض في المحترف، وكنا أحيانا نقدمها على خشبات المسارح إن كان في دمشق أو اللاذقية أو غيرها، بالإضافة إلى احتفاليات بيوم المسرح العالمي تتكرر كل عام تقريبا، أغلب هذه العروض جاءت بعد ورشات عمل لمدة 5 أسابيع، ينتج عنها عدة مشاهد نقوم بربطها ببعضها.
وعن أعمال الأطفال يقول: مع الأطفال كان أيضا هناك عدة عروض، كان تأتي ضمن العروض الاحتفالية بيوم المسرح العالمي، وأبرزها كان عام 2017 عندما قام المتدربون الشباب في المحترف بإخراج عرض الأطفال والذي كان مؤلفا من 3 مسرحيات قصيرة، حيث قام شابتين وشاب بتدريب 24 طفل على هذه الأعمال.
الدعم
يؤكد صاحب مشروع المحترف الأول في سوريا بأنه لا يتلقى أي دعم من قبل أي جهة رسمية، بل أن الدعم القليل يأتي بعض الدعم من قبل الأصدقاء والمهتمين أو حتى من قبل أخيه الذي اشترى مكيف هواء للمحترف، وبأن هناك بعض من يتبرع للعروض حيث أنهم يعلمون مسبقا بأن العروض خاسرة بمجملها، وكذلك أيضا من خلال الاشتراكات التي يدفعها الأطفال يحاول دانيال تحسين المحترف، وكذلك العيش.
ويتحدث عن بعض المصاعب التي تواجه المحترف: هناك صعوبات أخرى تتمثل أحيانا بتقارير أمنية رفعت ببعض الأعمال مثل الأميرة الجائعة، و تم منع تقديم العرض على هذا الأساس، ولكن بعد تدخل نقيب الفنانين تم حل الموضوع تقريبا، وقدمت العرض بعد ذلك في اللاذقية.
الحلم
ويتحدث دانيال بألم عن حلمه ويقول: أكثر ما يؤلم أني حاولت بالمحترف إنشاء فرقة تكون مثل الفرق المسرحية العالمية، التي تبقى مستمرة دائما بأعضائها حتى يصبحون ذوي خبرة وحرفية، وأن نتدرب مع فرقتي المؤلفة من 4-5 أشخاص ونقدم العروض وأن نشارك في مهرجانات عالمية، وأن تصبح عروضنا على مستوى يقال عنه بأن في سوريا هناك من يقدم شيء مختلف.
ويضيف: هذا كان الحلم الذي كنت أعمل عليه قبل المحترف بعشر سنين، وحاولت تحقيقه مع مؤسسات الدولة أو المنظمات، وحاولت بعد ذلك تحقيقه من خلال المحترف وللأسف أيضا لم يحدث، حلم الفرقة التي تقدم العروض وتدرب الآخرين وتعيش من المسرح، لكن الآن فقدت الأمل عمليا ولن أواصل الحلم، لأن ذلك غير متاح في سوريا.
ويتمسك دانيال بالأمل في ختام حديثه ويؤكد: الآن ما أريده من المحترف أن يبقى مستمر، وأن نستطيع حماية الأطفال أو الشباب الذين يأتون إلينا ضمن الفوضى العارمة التي تحدث خارج المحترف، وهي حماية بالمبدأ نفسية، فهي تقوية للشخص من داخله لمجابهة هذا العالم الفوضوي العنيف والخطر، وهو كخدمة لهذا المجتمع الفقير فنيا، فالمحترف لا يقدم لنا أي فائدة مادية كبيرة، وهو بالكاد وبتقشف شديد يسد رمقنا.